وسط حالة التوتر التى تجتاح البلاد، ضاعت الفكرة التى قدمها ثوار المحلة أيام موجة الغضب ضد الإعلان الدستورى، أو اختفت إلى حين.. فكرة الرقابة الشعبية لمقاومة الفساد الطاغى.. الفكرة التى جرى تداولها بعنوان «استقلال المحلة» ومن ثم السويس وبورسعيد وكانت الإسكندرية قاب قوسين أو أدنى، النسخة العربية من جمهوريات الموز.
الأمر من وجهة النظر هذه استدعى تجربة «جمهورية زفتى».
والتحذير من شبح التقسيم .. استقلال المحلة ومن تبعتها، اعتراض قوى، مفاجئ على أهل الفسطاطين، جبهة الإنقاذ الوطنى وحكم الإخوان.
ثوار المحلة الذين حاصروا مجلس المدينة دون اقتحام، شكلوا مجلس مدينة موازيا للمجلس المعين من قبل الحكومة ليراقب أعمال المجلس الحكومى، فى تحقيق أهداف الثورة والقصاص العادل للشهداء والمصابين والمعتقلين منذ 25 يناير .2011
مجلس إنقاذ الثورة - حسب تأكيده - يحلم بتأسيس نموذج لسيادة القانون المستند إلى شرعية جماهير طالبت ومازالت تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
الرقابة الشعبية التى طرحها ثوار المحلة، كانت آخر حلول ماليزيا لإسقاط جمهورية الفساد.. إندونيسيا خلال محاولات جادة وأمينة استغرقت سنتين لإسقاط هذه الجمهورية، دوبت أربعة رؤساء.
نضج الفكرة، يجعل من تسويقها على أنه محاولة انفصال نكتة سخيفة، جلدتها سخرية شعب شبكات التواصل الاجتماعى بلا رحمة.. المحلة على الإنترنت أصبحت دولة الدخول إليها بتأشيرة، حققت فى 3 ساعات ما عاشته مدينة «زفتى» فى 16 يوما.. إذ يحكى أنه فى التاريخ السحيق أن المحامى يوسف الجندى، من زفتى، اختلف مع زعيم الأمة سعد زغلول، وكان مقربا منه، حول آليات التفاوض على الجلاء مع الإنجليز.
الجندى كان يمثل روح الشباب الثائر، وسعد كان يمثل دور المفاوض الحكيم.. اعترض الجندى، رفض أداء سعد والإنجليز، وأعلن انفصال زفتى عن مصر.
16 يوما وزفتى تعيش كدولة مستقلة بنشيد وعلم خاص.. حتى أعادتها قوى الاحتلال إلى مدينة مصرية من جديد.
فى المحلة، أوقف مئات المتظاهرين قطارا قادما من طنطا، عند مزلقان ميدان الشون، فيما أحاط آخرون بمبنى مجلس المدينة، اعتراضا على خطاب الدكتور مرسى وقت الاعتداء على المعتصمين السلميين أمام قصر الاتحادية.
الخبر جرى تسويقه كما لو أن المحلة أعلنت حرب الانفصال، اقتحام وضحايا فيما يشبه عملية سطو ثورى.. فيما ينفى اللواء إسماعيل فتحى رئيس مجلس ومركز المدينة اقتحام متظاهرين للمجلس المحلى أو إعلانها مدينة مستقلة، ويؤكد المستشار محمد عبد القادر أنه منذ توليه مهمة محافظ الغربية أوكل لبعض شباب الثورة مراقبة أعمال المجلس، وتضغط القوى الوطنية بالمدينة أثناء المؤتمر العام لجبهة الإنقاذ الوطنى، على أن ما تردد فى وسائل الاعلام المختلفة عن استقلال المحلة عن باقى محافظات مصر، محاولة لإثارة البلبلة.
غضب المحلة ضد الإعلان الدستورى لا يمكن أن يثير الخوف من شبح الانفصال والتقسيم إلا فى واقع مرتبك فقد بوصلته.. لكنه يكشف عن فجوة تفصل جبهة الإنقاذ الوطنى عن ثوار التحرير والاتحادية، كأن الجبهة تمثل الصفوف الخلفية لمليونيات الرفض ولا ترى أو تنتبه لحديث الذين فى المقدمة.. بعد أحداث الاتحادية كان الشارع يهتف «الشعب يريد إسقاط النظام»، فيما حصرت الجبهة المطالب فى إسقاط الإعلان الدستورى.
الغضب كشف كذلك عن الرفض القاطع لأخونة الدولة، فقد أكد بيان القوى الثورى فى المحلة «أن مجلس إنقاذ الثورةلا يعترف بشرعية رئيس البلاد، وأن المحلة تستقل عن حكم الإخوان وتبعية المرشد - وليس مصر- وستقدم مسودة دستور توافقى، وتمرره إلى الجماهير لإبداء رأيها فيه.
المحلة والمحافظات التى سارت على نهجها لم تمنع الاستفتاء على دستور الدم الحرام، لكنها حذرت من بطش نهائى من عواقب التمادى فى سياسة «موتوا بغيظكم».