المصريون جرى لهم إيه؟! مقولة نرددها كلنا تقريبا على خلفية التحول الرهيب والمزعج فى سلوكياتنا بعد الثورة، بعدما سادت البلطجة والأنانية ورفض الآخر، والتخوين والانحدار الفكرى والجرى وسط صراعات سطحية والتناحر بين التيارات الفكرية تحت ستار الممارسة السياسية كحق للجميع! وأخيرا تكفيرهم لبعضهم البعض!
د. نسرين البغدادى رئيس المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية تحلل الأسباب وراء هذه الظاهرة المخيفة التى تسارع بنا إلى الانهيار، مؤكدة أننا وقعنا فى الفخ.. فظللنا فى حالة ثورة ولم نخرج برؤية لمستقبل هذا الوطن!
ماذا حدث للمصريين؟ - قبل الثورة كان المصريون يعيشون الحرمان على جميع المستويات من الحرمان الاجتماعى المتمثل فى افتقاد العدالة الاجتماعية وكذلك الحرمان السياسى والاقتصادى، وبعد الثورة سقطت كل الحواجز وبالأخص «حاجز الخوف» وحل محله فكرة «الإشباع» فى جميع النواحى!
أصبح الجميع يتكلم فى السياسة «ويفتى» فى الدستور بشكل غير مدروس وغير علمى! مرددين مقولة «أصل هما ما عملوش»! وهذا نتيجة ما عانيناه على مدار سنوات طويلة من فقدان الثقة المستمر حتى الآن، لذلك نرى الناس تشكك فى بعضها معللة بأن البعض لم يقم بواجبه، وهذا أدى إلى وجود الخلط بين مفاهيم كثيرة جدا.
شعارات الثورة كانت «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية»، للأسف أصبح يروج لمفهوم «العدالة الاجتماعية» بأننا كلنا متساوون! وهذا خطأ لا يمكن المساواة بين كل البشر.. كيف أساوى بين الجاهل والمتعلم؟ كيف أساوى بين العامل والعاطل؟ وهذا راجع لمن أطلقوا مفهوم تحقيق العدالة الاجتماعية دون تخصيص ماهية هذا المفهوم!
∎ ما التفسير السليم لمفهوم «العدالة الاجتماعية»؟ - العدالة الاجتماعية هى المساواة مع أقرانى فى نفس السلم الاجتماعى والدرجة العلمية، بعيدا عن الفكر الخاطئ فى المساواة - مثلا - برئيس الجمهورية! وهذا درب من دروب الخيال والتزيد والخطأ.
إن أردنا إقامة مجتمع قائم على أساس علمى لابد من إعلاء قيمة العلم والعمل حتى نحقق النهضة بعيدا عن المساواة بين الكل!
أما مفهوم الثورة «الكرامة الإنسانية» الذى ينادى بالاحترام والتقدير والاعتزاز بالذات، وفى المقابل عدم احترامى للطرف الآخر!
بمعنى كرامتى فوق كرامة الآخر، إذن كيف أنشد الكرامة لنفسى ولا أنشدها للآخرين؟! وهذا للأسف راجع إلى فترة سابقة سادت فيها «الأنانية» وطغت فيها الماديات والحرمان والتمييز بين الفئات الاجتماعية، لذلك تولد لدى البعض الشعور بأنه آن الأوان لنتميز نحن، وبالتالى نشدوا الكرامة لأنفسهم على حساب كرامة الآخرين.
إذا كنا نرغب فى الكرامة الإنسانية لابد من توافر المساحة الكبيرة لاحترام الآخر وتقبل آرائه والتفاهم معه.
أما مفهوم «الحرية» للأسف اختلف وأصبح هو الاعتداء على الآخر!
أنا وبعدى الطوفان! وقضوا على الحرية الحقيقية القائمة على الالتزام والمسئولية وتقبل رأى الآخر والتعبير عن الرأى دون تخويف أو تخوين، وأخيرا «العيش» كيف نحقق مبادئ الثورة فى ظل التدهور الاقتصادى؟! «لقد وقعنا فى الفخ» بلغة فيلم «مرجان أحمد مرجان»، والفخ هو عمل الثورة وظللنا فى حالة ثورة ولم نخرج برؤية لمستقبل الوطن، وتمادينا فى جلد أنفسنا وجلد هذا الوطن.
∎ كيف؟ - جلد أنفسنا فى تخوين بعضنا البعض ولا نريد أن نقف على مسافة متقاربة، ولا نحاول أن نبحث عن نقاط الاتفاق بيننا، دائما نفتش عن الاختلاف الذى يؤدى إلى الصراع. ∎ ما نقاط الاتفاق حتى نحقق التلاحم المجتمعى ونصبح «إيد واحدة» مثل شعار الثورة؟ - هى نقطة واحدة «إعلاء مصلحة الوطن» ماذا نريد لبلادنا؟ لمصر المستقبل ومستقبل أبنائنا.. نتوقف للاتفاق كيف نساهم فى نهضة مصر، أين العلم والتعليم؟ للأسف أنماط بالمجتمع ترغب فى إظلام النصف الآخر «المرأة» وإبقائها بالمنزل وتزويجها فى عمر الطفولة «9 سنوات» بلا تعليم! وأعتبر هذا إظلاما لنصف المجتمع.
جيل الشباب الحالى يوميا يرى مشاهد العنف والإيذاء والألفاظ النابية والشتائم وهذا يترسخ فى ذهنه! هل هذه اللغة أصبحت المعتمدة فى الحوار؟ للأسف الخطوط العريضة التى نضعها هى خطر على أبنائنا جيل المستقبل. ∎ ما هذه الخطوط الخطرة؟ - العنف فى الحوار وعدم الوصول إلى نقطة اتفاق وعدم تقبل الآخر وعدم القدرة على التسامح وفرض الرأى بالقوة وتكفير الآخرين! وعدم القدرة على التفاهم وممارسة العنف البدنى والمادى، مثال إحراق المصانع ومحطات الكهرباء وسرقة البترول وتدمير القطارات وقطع الطرق!
∎ هل وراء هذا التدمير «الفلول»؟ - لا أعتقد ومسلسل الحرائق موجود قبل الثورة لأكثر من 3 سنوات، وهناك بالفعل أطراف خارجية تتآمر على مصر، وأول السقوط هو تخريب الاقتصاد المصرى. ∎ ما شكل هذا التخريب؟ - وقف العمل وقطع الطرق وتطفيش الاستثمارات والإضرابات والاعتصامات والمطالب الفئوية المبالغ فيها، ودائما فى حالة من الثورة والفوران! كل هذا يؤدى إلى تخريب الاقتصاد وضياع الدولة لأن الاقتصاد هو لب الممارسة السياسية.
حقق اقتصادا قويا ثم مارس السياسة التى تريدها.
يجب على الشعب المصرى أن ينتبه ولا ينساق وراء دعوات التخريب، ما الهدف من إيقاف عجلة العمل وكثرة الإضرابات؟! للأسف «النخبة» وما تفعله فى المجتمع عبر الفضائيات، ارحموا مصر! نتابع التضارب فى الأقوال والصراع فى التصريحات والآراء والتخوين والتشكيك والانحدار فى الفكر والجرى وراء صراعات سطحية بعيدا عن بناء مصر المستقبل! لم أجد من يتكلم عن مليونية تخرج من أجل تعمير الصحراء وزراعتها أو مليونية لزراعة القمح وأخرى لتنظيف بلدنا. ∎ هذا دور الحكومة وحزب الرئيس؟! - الدعوات الجادة دائما تجد الصدى للإصلاح ومادامت «النخبة» تبدى آراءها بالفضائيات إذن عليها المشاركة وإلا كلام وبس؟! وتبقى «إيدك فى إيدى» ثم كيف تنفذ الحكومة وسط قطع الطرق والتفجيرات والحرائق آخرها سوق ليبيا وإهدار الملايين «كل يوم مصيبة سوداء».. كيف تعمل الحكومة فى هذا المناخ؟ أتحدى لو العفريت الأزرق يعرف يشتغل وسط هذه الظروف! دعينا نتكلم بصراحة ووضوح.. هل نحن جادون فى بناء بلدنا؟! بناء مصر يأتى بتضافر يد الحكومة مع يد الشعب، وهذا ليس دفاعا عن أحد، بل تشخيص للواقع، ونكف عن قطع الطرق. كيف تعمل الحكومة وأنت واضع المسدس فى دماغها؟ ∎ لكن الرئيس مرسى اختار برغبته تولى السلطة فى ظل هذه الظروف الشائكة! - وهل هذا معناه أن نعاقبه؟! هو إنسان رضى أن يتحمل المسئولية فى ظل هذه الظروف، وعلينا إعطاؤه الفرصة كاملة حتى يكون قادرا على الإصلاح، وعلينا إعلاء المصلحة العليا للوطن، لأننا للأسف أصبحنا نرقص على جثة الوطن برقصات مختلفة، إما بالرقص بالتذاكى على الوطن، أو الرقص فرحا بكون الوطن ذبيحا! وأصبحت الأرض ملعبى لوحدى؟! ∎ ذكرت «نحن وقعنا فى الفخ بتخريب الاقتصاد» هل هناك تخريبات أخرى متعمدة؟ - أكبر فخ هو الاقتصاد ثم فخ «تحت دعوى المشاركة السياسية» كل الناس بتفهم وتفتى فى السياسة! يجب على الناس التركيز والإنجاز فى عملهم بإخلاص وعلى أكمل وجه، واترك السياسة لأهلها المتخصصين، كذلك فخ الشائعات والأخبار المغلوطة والترويجات والمظاهرات المستمرة، كم من الأفخاخ يحاصرنا فكيف نعمل؟!
∎ فى مؤتمر «مصر فى مفترق الطرق ما بين الحاضر والمستقبل» وصفت أن محصلة استثمار الثورة ذهبت لصالح فصائل بعينها تعمل لمصلحتها الشخصية.. كيف؟ - الناس الذين قاموا بالثورة تراجعوا، وحل محلهم شرائح معينة وهى القوى الدينية وهم المستفيدون من الثورة، وهى المتصدرة الآن، بينما تراجعت الأحزاب والائتلافات السياسية الأخرى. وهذا نتيجة أمرين: الأول إن هذه الشرائح «الأحزاب والائتلافات» لم تكن منظمة بالقدر الذى يتيح لها الممارسة السياسية بشكل منظم ولم تجد لنفسها البرامج التى تجتذب لها جميع الفئات الأخرى، وهذا العدد الضخم من الائتلافات أراهن أن يعرف أحد الخريطة السياسية فى مصر حاليا! وأين أنتم من أرض الواقع؟! بينما القوى السياسية الدينية اشتغلت على أرض الواقع لعقود طويلة، واستطاعوا اجتذاب الفئات التى تستطيع دعمهم باستخدام المداخل الاجتماعية المرادة. أرجو من الأحزاب والائتلافات السياسية الشابة أن تنظم أنفسها وتحدد برامجها لأن دورها هو تنوير المجتمع بعيدا عن افتعال المشاكل والخناق عبر الفضائيات، بينما القوى الدينية تعمل باجتهاد على أرض الواقع. ∎ ما رأيك فى صعود التيار الدينى؟ وإلى أى مدى يستمر؟ - فى بادئ الأمر كان التيار الدينى مرحبا به كبديل مختلف عن الحزب الوطنى، وربما كان التبرير الذى يذكر «إحنا عاوزين ناس تعرف ربنا»، وكان هذا هو المدخل «نحن نتقى الله»، ومن خلال تعاملهم على أرض الواقع وتلبية احتياجات الشعب فى ظل تجاهل وإهمال متعمد من حكومة الوطنى لسنوات طويلة. أما الآن فأنا لا أعتقد أن التيار الدينى له نفس الأرضية التى كان عليها من قبل لظهور بعض الممارسات التى انفصلت عن الخطاب، وهى نحن لا نرغب فى الاستحواذ على السلطة ولن نرهب الشعب المصرى ونحن نعظم قيمة الأزهر ونحترم الآراء المعارضة فى صياغة الدستور - ثم - تظهر خطابات أخرى مغايرة ضد كل ما قيل مما أحدث فرقة بين فئات كثيرة وبينهم. ∎ تقصدين «أخونة الدولة»؟ - نعم أخونة الدولة وتهميش دور الأزهر وتهميش المرأة ودورها فى المجتمع والقضاء على مكتسباتها التى كانت بجهود علماء مسلمين بالأزهر ومجمع البحوث الإسلامية وآراء فقهاء ولها من الأسانيد الدينية.
انظرى إلى عدد مقاعد المرأة فى مجلس الشعب المنحل عدد هزيل!! وعلينا أن نضع علامات الاستفهام حول إقصاء المرأة عن عدد من المشاهد السياسية مثل التشكيل الوزارى الأخير وبعض الدعاوى التى تحاول القضاء على بعض مكتسبات المرأة - وخاصة - فى قانون الأحوال الشخصية وخفض سن الزواج «9 سنوات» والرؤية. وقد أفزعنى حوار أحد الشيوخ حينما استضافت مصر «مؤتمر السكان الخاص بكين» - وقال خاطئا - إن مصر وقعت على اتفاقية تبيح «زواج الشواذ جنسيا» وهذا المفهوم حينما يروج عبر وسائل الإعلام يحدث بلبلة وشائعات نحن فى غنى عنها ومصر تلتزم ببنود الاتفاقية فى حدود أعرافنا وديننا الحنيف وترفض بنودا أخرى لا تتوافق مع مجتمعنا الشرقى. إنهم يستخدمون أسلوب الترهيب - فى رأيى - الدين الإسلامى ليس فزاعة وكلنا نؤمن بالله ونوقر أهل البيت والشعب المصرى «يتبارك بهم» ونحن متدينون ونتراحم مع بعضنا البعض.. والست البسيطة التى تخرج للعمل حتى تربى أطفالها بعرق جبينها أعتبره قمة التدين. العنوسة وخروج المرأة للعمل وتزاحمها مع الرجل فى سوق العمل وأنها السبب فى مشاكل الطلاق والرؤية- يجب طرح كل ذلك بموضوعية شديدة بعيدا عن التهويل والرجوع للدراسات الاجتماعية ونتائجها لاستخدامها فى علاج المشاكل المختلفة. حينما تزوج طفلة 9 سنوات فتحت عليها باب الطلاق وهذا لن يمنع العنوسة.. نحن نعانى من زواج الشباب فى بداية العشرينيات لطلاقهم السريع بسبب عدم قدرتهم على تحمل المسئولية!! فما بالك بطفلة هل أعلمها أم أتركها جاهلة وندخل فى سلسلة من الجهل من جيل لآخر؟! والأمثلة عديدة سيدة توفى زوجها وهى بلا مورد.. ماذا تفعل؟! وأخرى تعول الأسرة والزوج لا يعمل أو بخيل - علينا - أن نترك المرأة هى التى تختار ما تريد - بعيدا - عن الفرض والوصاية. ∎ كيف نقاوم هذا التهميش المتعمد للمرأة المصرية - فى ظل حكم الإخوان؟! - إبراز النماذج الناجحة والمشرفة للمرأة فى المجتمع والمتولين المناصب العليا وتقديم قصص كفاح المرأة التى ربت أجيالا من الرجال. أرجو ألا تحارب المرأة المرأة!؟ للأسف أجد هذه الدعوات من نساء يرددن أن المرأة مكانها البيت وأن الشغل «بهدلة»!! وأنصحها بأنها اختارت البقاء بالمنزل وعليها أن تحترم اختيار الأخريات فى العمل.وفى رأيى أن البهدلة بعينها هى أن المرأة تفقد عائلها ولا تجد أى منفذ للعمل أو تصبح غير قادرة على تلبية احتياجات أولادها؟! التيار الدينى نفسه يضم كفاءات نسائية عديدة فى جامعة الأزهر وأساتذة جامعات متميزات.
∎ هل تتوقعين استمرار التيار الدينى بهذه القوة أم انتهاءه؟ - هناك مقدمات لأى تيار إن توافرت بالتأكيد ستؤدى إلى انتهائه وهى ألا يعمل للصالح العام وأن يكون هناك انفصال بين القول والعمل وإقصاء الآخر والاستحواذ على السلطة بمفرده كل هذه العوامل كفيلة بالقضاء على التيار الدينى وأيضا الشعب المصرى أصبح لا يتحمل أى اعوجاج. ∎ ذكرت أخاف على الشباب الذين يتم تضليلهم تحت ستار الدين هل أساليب التضليل اختلفت بعد وصول الإخوان لكرسى السلطة؟ - فى الماضى كان الشباب يسعى إلى فكرة الجهاد والاستشهاد - بينما - الآن الصورة اختلفت وحادث مقتل الشاب المهندس بالسويس والذى كان جالسا مع خطيبته دليل على ذلك. ∎ هل تم تهميش الأقباط والليبراليين فى ظل التيار الإسلامى؟ - لا.. الشعب المصرى لديه الوعى الكامل لإدراك أن هذه الأزمات مفتعلة ومصطنعة.. وخير دليل انتخابات البابا الأخيرة والكثير من المسلمين سارعوا بالتهنئة لإخوانهم الأقباط.
منذ أيام شاهدت فيلم «البداية» لصلاح أبوسيف وكأنه يشخص الواقع، دائمًا يستخدمون الدين كمدخل للتأثير لأننا شعب متدين لكننى أتمنى أن يصبح هذا المدخل طريقنا للبناء والتنمية من خلال إعلاء قيمة العلم والعمل والصدق والأمانة والتسامح والسلم الاجتماعى، من حقنا جميعا أن نعيش فى مجتمع آمن.
∎ ما تنبؤاتك تجاه التيارات الفكرية فى المجتمع؟ - التيارات الفكرية هذه «هلامية» ولست قادرة على تبينها، وأنا كأستاذ علم اجتماع عجزت عن تفسير ما يحدث فى المجتمع!! من كم التغيرات فى المواقف والتبديل والتحول الذى يطرأ على الفرد بين عشية وضحاها!.. تتعدد التيارات الفكرية وتختفى ولذلك المسألة صعبة التفسير.