لم يستغرق قرار النائب العام (المستشار عبدالمجيد محمود) بإغلاق المواقع الجنسية بضع دقائق.. لكنه اختصر للرجل من الناحية الواقعية جولات كان يمكن أن يخوضها مستقبلا مع التيار الدينى. تحرك المئات من أبناء التيار لمحاصرة الرجل، فأجهز عليهم بجرة قلم.. طرحهم أرضا بالضربة (الإلكترونية) القاضية! ألقى النائب العام الكرة فى ملعب (السلطة التنفيذية)، بل وخاطبها بسرعة التنفيذ!.. تخلص من عبء المظاهرات التى أراد البعض أن يحرجه بها، فخرجت يده بيضاء من غير سوء! باتت إدارة الدولة، ذات الصبغة الدينية، هى الخصم والحكم فى نفس الوقت.. وليتصافى أبناء نفس التيار مع بعضهم البعض! .. ولو سعى النائب العام لصفقة سياسية تدعم مواقفه (الصلبة) أمام تيار الإسلام السياسى، ما كانت ستغنيه عما قدمه له السلفيون على طبق من ذهب، بمحاصرته لمكتبه من أجل تنفيذ القرار (شبه المستحيل)!
فواقع الحال، بحسب العديد من الخبراء مثل المهندس (حسام صالح) رئيس جمعية إنترنت مصر، فإن قرار حجب المواقع الإباحية لن يجدى نفعا، إذ سيطبق من خلال تكنولوجيا معيبة، تهدر عشرات الملايين من الجنيهات دون جدوى، لأن مصر لن تستطيع حجب سوى 25٪ فقط من المواقع.. وهو ما أكده (محمد زارع) - عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان - إذ قال: إن تطبيق القرار شبه مستحيل، وسيكلف الدولة ثمنا باهظا، ولن يؤتى ثماره.. إلا أن تطبيق القرار صدر بالفعل، وتمت مخاطبة وزارة الاتصالات رسميا من قبل النائب العام بالتنفيذ!
لكن إن ابتعدنا عن الأبعاد السياسية للقرار واقتربنا من قطاع الشباب المستهدف منه.. لارتسمت أمامنا صورة (مرعبة) للعديد من الأزمات الاجتماعية التى يجب ألا نتعامل معها باستخفاف.. أو نستسهل توصيفات (شباب صايع) لم يجد من يربيه. فالأزمة - كما وصفها لنا أحد الشباب ويُدعى (أحمد سمير) - أنه لا أحد سيجرؤ على القول بأنه ضد غلق المواقع.. لأنه سيكون فى نظر المجتمع (قليل الأدب)، الأزمة تكمن أيضا أننا جميعا ندخل على تلك المواقع، وهى مثلها مثل (الشتائم القبيحة) التى نعرفها جميعا، ونرددها، لكن إذا سمعناها نقول: (أستغفر الله العظيم)! كان لافتا أن معظم الشباب اتفق على كلمة واحدة: (لا لغلق المواقع الإباحية)، رغم أن هناك دراسات وأبحاثاً تقول إن مصر من أكثر الدول العربية بحثا عن كلمة (سكس) ومشتقاتها فى محرك البحث GOOGLE، كما أننا ثانى دولة بعد أفغانستان فى نسبة التحرش! تقول (آية رفعت): القرار سليم، رغم أننى أشك فى إمكانية تطبيقه!.. وأنا كفتاة أخشى الآن من زيادة نسبة التحرش والاغتصاب عن ذى قبل، ونحن المصريين شعب متناقض مع ذاته.. يعمل كل حاجة وعكسها.. يحب يعيش فى دور المتدين، وفى نفس الوقت يعمل كل حاجة غلط، ثم يبرر ذلك بأن الأوضاع الاقتصادية سيئة. أما فيما يتعلق بعودة الأخلاق بعد غلق تلك المواقع، فهذا لن يحدث، وإذا أغلقوا 10 مواقع مثلا، سيقوم الشباب بفتح تلك المواقع بمليون طريقة لأن الأزمة لا تكمن فى الشباب، ولكنها تكمن فى الشخص نفسه.. زمان كان يبررون التحرش بأنهم محرومون من الزواج، وملابس الفتيات فى الشوارع مثيرة، والآن سيتم إضافة سبب آخر هو قرار غلق تلك المواقع التى تعتبر متنفسا لهم، وإن ظنوا بأن التحرش سيقل، فهذا تفكير خاطىء، فالمتحرش لديه انحراف سلوكى وليس ارتباطاً بأى شىء آخر، ولن يعود إلى الالتزام والتدين بغلق تلك المواقع. ∎∎ (س. أ) فتاة فى الخامسة والعشرين من عمرها، رفضت ذكر اسمها، قالت: (طبعا أنا ضد غلق تلك المواقع.. فأنا ببساطة أشاهد أفلاماً جنسية يوميا.. هيخلونى انحرف وبعدين هو حرام على البنات يتفرجوا وحلال على الشباب؟!.. إحنا كمان عندنا كبت جنسى مثل الشباب تماما.. وغلق تلك المواقع سيزيد من كبت الحريات، ومادامت أفعل ذلك بإرادتى، فسيحاسبنى الله لا المجتمع، والكثيرات يمارسن عادات غير سوية مثل الشباب.. وبصراحة يحتجن إلى المشاهدة.. فالكبت الجنسى لا يعرف فارق النوع! حال (هدير أحمد) لا يختلف عن (س. أ) إذ قالت لنا: اسمى على ال FACE BOOK مستعار، لكنى أعترف أنهم إذا أغلقوا تلك المواقع.. سوف أتصرف، وهاجيب أفلام أتفرج عليها.. والفرق بينى وبين أغلب البنات أنى صريحة.. والشباب بيشوفونى فى الجامعة إنى بنت مش كويسة، لكن لو كذبت، ومثلت إنى مؤدبة وبنكسف، سوف يعجبون بى! مجتمعنا متناقض.. ونحن نحب أن نضحك على أنفسنا أراهن أن كل الشباب بيتفرجوا على تلك المواقع، وكمان البنات.. الفكرة مش فى التزام أو انحراف أخلاقى، ولكن السبب هو تأخر الزواج. لست راضية عن نفسى، بس بأعترف إنى غلط، وبقول إن الحل مش الغلق، ولكن الحل هو الزواج.. البنات فى مصر يعانين من كبت جنسى كبير، وبالتالى ليس غريبا لجوؤهن لعمليات ترقيع قبل الزواج.. ونحن - كمجتمع - لابد أن نواجه ذلك. ∎∎ (ط. ق) فى الخمسين من عمره، قال لنا: (القرار يعبر عن عقلية رجعية.. عقلية مهووسة بالجنس.. وعمر القانون ما يمنع جريمة.. القانون لم يمنع المخدرات، ولا القتل، ولا السرقة، وبالتالى لن يمتنع الشباب عن تعاطى الجنس بأشكال جديدة ومتعددة، بل ومبتكرة، نحن مجتمع يعانى من الازدواجية والكبت، وللأسف أن حُكامنا أكثر الناس معاناة من هذه الأمراض النفسية، والدليل قراراتهم العشوائية المترددة. (ابتسام خميس) قالت: (قرار ساذج جدا، وتفكير سطحى.. والكبت سيؤدى إلى الممارسة الفعلية.. فالشعب مضغوط بالفقر والتعليم، ونعانى من البطالة، ويعتقد أن الضغط سيقل بالحشيش والجنس!.. وسيؤدى المنع الإلكترونى إلى انتعاش السوق السوداء، وأتذكر الآن مشهد فيلم ثقافى عندما أراد الشباب يشاهدون فيلما إباحيا فى منزل أحدهم، واكتشفوا أن شريط الفيديو مسجل عليه جلسة لمجلس الشعب)! (محمود حسنين)، وهو شاب ينتمى للدعوة السلفية، قال: (أرى أنه واجب شرعى على الحاكم لأنه هو الموكل بذلك، وكل راع مسئول عن رعيته، وهذه خطوة على الطريق الصحيح).. أما عن البرامج الأخرى التى ربما يلجأ إليها الشباب لمشهادة أفلام الجنس، فقال: (الحاكم فعل ما بيده، وأدى ما عليه، وإذا اجتهد طالب الجنس فى البحث عنه، فيتحمل هو ما فعل، وليس الحاكم).. وأما عن القول بأن نسبة التحرش ستزيد نتيجة للكبت الجنسى، فهذا خطأ كبير لأنه البديهى إذا أزيل مَعين الشهوة، سينسى الشاب البحث عنه، وسيخصص وقته لمشاهدة أعمال أكثر إفادة له، ولدينه، وسيذهب شغفه به مع انتشار الدعوة إلى الله، والتذكرة، وتسهيل الزواج، وهذا بيد الله). أما (محمد أحمد) فقال: (هذا القرار مثله مثل غلق المحلات فى العاشرة مساء.. ومثله أيضا مثل أى قرار آخر لم ولن ينفذ.. وهى مجرد قرارات تعبر عن ضعف الدولة.. العاجزة عن التنفيذ.. وهذا بمرور الوقت سيؤدى إلى تآكل شعبيتها أكثر فأكثر.. ويبدو أن الدولة أصبحت تفتعل لنفسها الأزمات السياسية والاجتماعية، لتقع هى نفسها - فى النهاية - ضحية لهذه الأزمات ؟!∎