تتشطر الحكومة علينا.. بعد أن عجزت عن مواجهة الزبالة التى تعشش فى شوارعنا.. والتى وصفها محافظ القاهرة بأنها صندوق زبالة كبير..! تتشطر الحكومة وقد فرضت علينا النوم فى عز الضهر.. وفى عاصمة منورة بأهلها فإن النوم فى العاشرة مساء يعنى النوم فى عز الضهر وخصوصا أنها القاهرة.. العاصمة الثقافية والحضارية الأولى.. وقد وضعتها مواقع الإنترنت العالمية فى المركز الأول بين أكبر عشر مدن عالمية لا تنام.. بما يعنى أنها عاصمة سياحية ومدينة كوزموبوليتان تتعامل مع الغرباء والوافدين وتفتح لهم ذراعيها فإذا بقرار النوم المبكر يفقدها أهم ميزاتها.. ميزة المدينة المفتوحة.
وقد قال البهوات تبريراً لقرار النوم المبكر.. إن جميع مدن وعواصم العالم المتحضر تغلق أبواب محلاتها فى السادسة والسابعة مساء.. وهذا غير صحيح والله.. والصحيح أن كل مدينة لها طابع خاص ومميز.. ولها ظروفها الخاصة.. وفى حين تغلق محلات فرنسا التجارية أبوابها فى السابعة مساء.. فإن المطاعم والمقاهى تستمر حتى الثانية صباحا.. وفى لندن تغلق المحلات التجارية الكبرى أبوابها فى السابعة إلا أن المحلات الصغيرة تستمر طوال الليل.. وعلامات 7*24 موجودة فى واجهة العديد من المحلات.. بما يعنى أنها تفتح أبوابها سبعة أيام ولمدة 24 ساعة متصلة.. بما يعنى أنها محلات لا تنام.
أما فى إسبانيا فحدث ولا حرج.. المحلات تغلق أبوابها بالضبة والمفتاح فى الثانية ظهراً.. تغلق أبوابها تماماً.. سواء المحلات التجارية أو المصالح الحكومية والبنوك.. ليذهب العاملون والموظفون لبيوتهم يتناولون طعام الغداء ويمارسون رياضة النوم اللذيذ.. وفى السادسة مساء تفتح المحلات والمقاهى والمصالح الحكومية أبوابها من جديد لتستمر حتى العاشرة مساء.. ويبررون ذلك بأن إسبانيا من البلاد الحارة معظم شهور السنة.. وبالتالى لا يجوز لها أن تغلق أبوابها فى السابعة كما فرنسا المجاورة.. وفى الحقيقة فإن هناك ست مدن إسبانية تسهر للصباح طبقاً للقائمة العالمية لأهم عشر مدن لا تنام الليل.. والتى تحتل القاهرة المركز الأول وبيروت المركز الثالث.. ويقولون إن هذا الترتيب هام جدا فى التصنيف السياحى ولجذب السائحين من جميع دول العالم.. والسائح لا يذهب لمدينة تنام من المغرب.. وتفتح أبوابها أمام السائحين فقط.. لأن السائح يجب أن يتعامل ويختلط بالسكان من أهل المدينة.
لقد تحدثت الغرف التجارية عن عوار قرار الغلق المبكر للمحلات.. وفند الخبراء بالأرقام خطورة الغلق المبكر للمحلات التجارية.. والتأثير العكسى لذلك على الأمن العام.. خصوصا أن المحلات تلعب دوراً مهماً فى مساعدة الأمن فى مناطق بعينها مثل منطقة وسط البلد.. التى يمكن أن تصبح وكرا للخارجين عن القانون فى ظل الغلق الإجبارى لمحلاتها.
إن المقهى تحديداً هام جدا فى حياة الشعوب.. وإذا كنا نعرف المقهى فى مصر.. فإن بريطانيا تعرف البار.. وفرنسا تعرف محلات الشاى وألمانيا تتعامل مع المطاعم الخفيفة التى تجمع ما بين المقهى والمطعم.. والمقهى مهم لكى تتواصل مع الآخر.. تفضفض له.. تتكلم وتفتح صدرك للأصدقاء.. تتكلم فى السياحة وتنتقد الحكام وتصنع الرأى العام الناصح والواعى.. سواء كنت فى مصر أو فى بريطانيا.. والسيدة العجوز.. أو الرجل المسن يذهب كل ليلة إلى البار.. لا للشرب والعربدة.. وإنما للكلام والفضفضة.. وهناك وعندنا.. نذهب إلى المقهى للكلام والاستئناس بالآخر.
وفى تقديرى بأن المقهى يلعب دور الطبيب النفسى.. والدول التى لا تعرف المقاهى تزور الطبيب النفسى الذى يستمع إليك.. يعطيك فرصة الكلام عن همومك ومشاكلك الخاصة.. وهو ما تقوم به القهوة عندنا.
إن مبادئ علم السياسة تنصحك بعدم محاولة تغيير المزاج العام للناس بجرة قلم.. والناس التى تعودت على السهر لا يمكن إجبارها على النوم بقرار وزارى.. لأن سهرات الناس سوف تنتقل من المقاهى للبيوت أو القعدات الخاصة أو إلى الغرز التى أتوقع أن تشهد ازدهاراً كبيرا فى الفترة القادمة.. فإذا عجز المواطن عن السهر فى المقهى أو الغرزة.. فسوف يضطر للذهاب إلى البيت وسماع برامج التوك شو.. و.. ما أدراك ما التوك شو!.
على الحكومة أن تتوقف عن محاولة التشطر علينا.. ولو أرادت إظهار العين الحمراء.. فعندها الزبالة التى تعشش فى شوارعنا..!