داخل قاعة مسرح معهد الموسيقى العربية التى شيدت فى عهد الملك فؤاد الأول عام 1923 عزفت موسيقى النشيد الجمهورى ليقف الجمهور احتراما له معلنين بداية عرض «أبوالثوار».. المسرحية التى تناقش قضية تاريخية - معاصرة - بطلها هو أبوذر الغفارى أحد صحابة الرسول «صلى الله عليه وسلم»، والذى ثار على حكم ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان مطالبا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية بعد أن ارتفع معدل الفقر وانعدمت العدالة فى ولايته.
تأتى أهمية المسرحية من أنها المرة الأولى التى نشاهد فيها عرضا يجسد ملامح من الثورة التى قادها الغفارى الملقب ب«أبوالثوار»، والأهم أن العرض يحكى جزءا مهما من ولاية الخليفة عثمان بن عفان، وكيف انشغل بالتعبد عن الاهتمام بأمور الحكم.
«أبوالثوار» تنتقد البطانة التى صنعها عثمان من أهل بيته وأقاربه عندما كلف كثيرا منهم بمهام السلطة فى الدولة الإسلامية فى ذلك الوقت، مما جعلهم يتحكمون فى الحكم وأموال المسلمين حتى ترتب على ذلك تدهور الدولة وضياع الحقوق والاهتمام بالأغنياء على حساب الفقراء.
المخرج ربط ثورة أبوذر - الشخصية التى جسدها حلمى فودة - بأحداث ثورة يناير بشكل محكم وجذاب، حيث حضر أبوالثوار إلى ميدان التحرير ليقابل الثوار الذين تمنوا وجود شخصية مثله تنقذهم من ورطة انعدام القيادة، فبدأ يحكى لهم عن سلبيات حكم عثمان وكيف كان يحاول دوما مواجهته، وكلما حكى أبوذر تبينت لنا التشابهات بين عصره وعصر ما قبل ثورة يناير.. وليكون الحديث أكثر واقعية، اختار المخرج أن يعرض هذه الحكايات فى مشاهد منفصلة ولا يعتمد فقط على الحكى، فجسد الفنان خالد النجدى شخصية مروان بن الحكم «ابن عم عثمان بن عفان» واستطاع بإتقان أن يعرض لنا كيف كان يدير ابن الحكم الأمور من خلف ظهر أمير المؤمنين، وكيف أهان الصحابى عبدالله بن مسعود عندما كان ابن مسعود مسئولا عن أموال المسلمين وطالب ابن عم عثمان برد القرض الذى أخذه من أموال الدولة.
أبوذر حاور الثوار فى ميدان التحرير وقال لهم إنه جاء إلى زمانهم ليشاهد نهاية القصة التى كان قد بدأها من قبل، لكنه فوجئ أنها لم تنته حتى بعد أن خلع الشعب الحاكم الذى ثاروا ضده، فمازالوا يهتفون بنفس المطالب التى كان ينادى بها فى ثورته «العيش والحرية والكرامة».
رغم أن «أبوذر» كان أقرب الصحابة إلى الفقراء وسخر حياته مدافعا عن حقوقهم، فإن الناس خلال أحداث المسرحية عابوا عليه أنه كان يثور داخل بيوت الحكام ولم يجمع الناس حوله، فتركهم للخوف يتحكم فيهم.. وتتجلى هذه الدراما فى المشهد الأخير للعرض حينما اجتمع فقراء عصر عثمان وثوار عصر مبارك على خشبة المسرح، وظل أبوذر يحاول التقرب من الجانبين ليغفروا له يأسه من الاعتماد على الناس أثناء ثورته مبررا أنه حاول لكنهم لم يقفوا بجانبه.
المؤلف محمد حسين قال إنه لم يخض فى تفاصيل الحكم فى هذه الفترة لأن هدفه ليس إدانة عثمان، ولكنه بحث عن التشابهات بين ثورة «أبوذر» وثورة يناير، وكذلك التشابه بين فترة حكم عثمان وحكم مبارك، حيث سيطرة رجال الأعمال وثراء أقارب الحاكم، وأضاف: لا أقصد أن أقارن بين عثمان وبين مبارك.. إنما أردت أن أقول أنه مثلما قامت ثورة يناير بلا رأس أو قائد، فثورة «أبوذر» كانت رأسا بلا جسد أو بلا شعب، والثورتان لم تحققا أهدافهما - حتى الآن - فالعرض يحاول خلق التكامل بين الثورتين من خلال قيادة «أبوذر» وشعب ثورة يناير.
أما المخرج ياسر صادق المعروف بعروضه ذات الصبغة الدينية، فأكد أن «أبوالثوار» رسالة إلى الرئيس مرسى تحذره من اتباع نهج عثمان بن عفان فى الحكم، وألا يعتمد فى حكمه على أقاربه أو زملائه فى جماعة الإخوان.. ويقول: كون أن سيدنا عثمان مبشرا بالجنة فهذا لم يمنعه من الخطأ لأن العصمة لرسول الله «صلى الله عليه وسلم»، ولذلك أقول للرئيس مرسى «إن كنت أنا أنتقد عثمان، فأنت لن تزيد عنه لأنك ليست أفضل منه».
ياسر - حسبما قال لنا - ظل طوال 21 عاما مهتماً بعرض الروايات الإسلامية على المسرح، وحتى فى ظل الحكم الحالى وإنه لم يخش أبدا مواصلة هذا الدور حتى ولو كان من خلال عرض لقضية حساسة مثل «أبوالثوار»، وأضاف: لم أخش أيضا اتهامى بالتشيع لأننى أرفض فكرة التقسيم فى الإسلام من الأساس وأومن أننا مسلمون كما سمانا أبونا إبراهيم، فالفنان أصلا لا يجب أن يتحزب أو يتبع مذهبا محددا سواء كان شيعيا أو سنيا أو غير ذلك.
مسرحية أبوالثوار تبدأ بفيديو كليب يستعرض مشاهد من ثورات الربيع العربى، وتخللت الفيديوهات مشاهد المسرحية حتى وصلت لخمسة مقاطع وهو ما يشعر البعض بشىء من الملل، وحجة المخرج أن هذه المقاطع وفرت أموالا طائلة.. ووظفت الموسيقى بصورة جيدة حافظت على الشكل العام للعرض وأتقن أصحاب الأدوار الأساسية إلقاء اللغة العربية، وقد تكلف الديكور البسيط حوالى 51 ألف جنيه وكذلك الملابس، بينما تكلف العرض 051 ألفا من ميزانية البيت الفنى للمسرح.