ربما كان محمد المويلحي صاحب مقامات المويلحي هو أول كاتب عربي يستحضر في عمله الأدبي شخصية من التاريخ القديم لتعيش معه عصره وتتفاعل معه وينتج هذا التناقض في الأفكار والمفاهيم والقيم مواقف كوميدية عديدة.. ومن بعد المويلحي تفنن الكتاب في اقتباس الفكرة نفسها ليستحضر لنا محمد الماغوط صقر قريش في مسرحية المهرج, وبمنتهي الصدق والاحترام يقر صاحب مسرحية أبو الثوار محمد حسين أنه استلهمها عن رائعة ممدوح عدوان كيف تركت السيف, لكن هذه المرة يكون الاستحضار بهدف تنوير أصحاب قضية الثورة علي مستوي الوطن العربي بالمخاطر التي يتعرض لها الثوار.. ولهذا اختار المؤلف شخصية سيدنا أبو ذر الغفاري الذي كان ثائرا علي ظلم الحكام وقبلها كان ثائرا علي شهوات نفسه فرفض تولي الحكم أو القضاء وكان يبتعد وينأي بنفسه عن كل ما يسعي إليه طلاب الدنيا.. وقد وفق المؤلف محمد حسين في بساطة استحضاره شخصية أبو ذر الغفاري وسط ثوار الميدان لمجرد استدعاء أفكاره ومبادئه التي حارب من أجلها.. كما وفق أيضا في إخراج سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه من هذا الصراع, فما كان أبو ذر الغفاري يهاجمه, وإنما يهاجم بطانته السيئة من بعض الأقارب وأهل الثقة الذين أثروا علي حساب المسلمين وظلموا وطغوا حتي حكم أحدهم بجلد الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود بدعوي الخروج علي طاعة الحاكم.. كما نجح المخرج ياسر صادق في المزج بين قصص العصر القديم ولوحات العرض من داخل ميدان التحرير مستخدما شاشات عرض تعرض مشاهد من الثورة مصحوبة في معظم الأحيان بأغان متدفقة الحماس والصدق للشاعر خميس عز العرب وألحان كريم عرفة وقام بالغناء فيه مجموعة من الأصوات الجميلة الواعدة هم أميرة سعيد وسامح عيسي ونجلاء حمدي وصلاح غالي وسماح عبدالله وأسامة الخولي.. كما استطاع ياسر صادق أن يجعل الإيقاع سريعا متدفقا رغم ثبات الحدث والاعتماد علي المساجلات الحوارية وأقوال أبو الثوار الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري الذي أدي دوره باقتدار الفنان الخلوق حلمي فودة جاذبا إليه أسماع وأنظار المشاهدين وكأنه بالفعل شخصية قادمة من أعماق التاريخ.. ونجح شريف صبحي رغم صغر مساحة الدور في جذب الانتباه إليه من خلال شخصية الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود ولعب خالد النجدي دور الحاكم الفاسد المستغل انشغال خليفة المسلمين سيدنا عثمان بن عفان بالتعبد مما أعطاه الفرصة لأن يستأثر بالحكم والإثراء علي حساب عامة المسلمين.. وقدم محمد عبدالرازق شخصية الصديق الناصح لأبي الثوار.. كما قدم كل من أكرم وزيري وأحمد زايد وأحمد يوسف شخصيات لتجار من ذلك الزمن القديم.. أما مفاجأة العرض فهم الرواة الثلاثة كريم مغاوري وعبدالعزيز التوني ورحاب عرفة الذين يمثلون قطاعا من شباب الثورة يعملون في فرقة مسرحية ويكون حضور أبو ذر الغفاري وسطهم مصدر إلهام لهم وتبصير بما يجب أن تكون عليه الثورة حتي لا يبتلعها أحد.. وقد أثبت كريم مغاوري أنه طاقة كوميدية كبيرة بعد أن أظهر إمكاناته كمخرج بارع صاحب رؤية فنية مميزة من خلال مسرحية البيت النفادي.. وكانت لفتة جميلة أن ينزل من فوق خشبة المسرح لتقبيل يد والده الفنان الكبير سامي مغاوري.. ولعلي أحب أن أنصحه بالمحافظة علي ثباته الانفعالي خارج خشبة المسرح, حيث كان غاضبا إلي حد الثورة لدعوة إحدي الشخصيات التي تنتمي لقناة فضائية دأبت علي مهاجمة الثورة والطعن في شبابها بل وشهدائها واتهمتهم بأنهم يتبعون الصهاينة تارة ويتبعون فيلم فينديتا الأمريكي تارة أخري.. وهي قناة كانت تحظي بتسفيه عام من العقلاء واستخفاف من الإعلاميين وكانت موادها عادة لا تنتشر عبر الإنترنت إلا من باب التفكه والضحك.. ولكريم مغاوري الحق كل الحق في رفض تكريم من عادوا الثورة.. ولكني أتصور أنه في المستقبل سيستخدم حقه هذا بما يليق مع طبيعة المهنة الجليلة التي يمارسها والرسالة السامية التي يحملها مع زملائه علي ظهورهم.. وهي رسالة الفن المصري الهادف العظيم.. وفي النهاية يجب توجيه الشكر إلي الفنان هشام عطوة الذي يسعي دائما لاستمرار قاعة مسرح الهناجر مضاءة بعروض مختلفة منتجة عبر فرق أخري.. فالكل في النهاية أبناء عائلة واحدة تنتمي للمسرح المصري.