فى الخامس من يوليو مرت الذكرى الثانية لوفاة المفكر الإسلامى د. نصر حامد أبوزيد (1943-2010)، وتخليداً لذكراه تم إنتاج فيلم وثائقى بعنوان «علامة نصر»، ومن خلال شهادات زوجته وعدد من أصدقائه منهم سعيد الكفراوى ود. جابر عصفور، وشهادات كل من د. آمنة نصير ود.عبد المنعم أبوالفتوح، وزملاء جامعتى لايدن وأوترخت بهولندا، يتم توضيح مدى التحول الذى حدث لمسيرته حتى أصبح مثاراً للجدل بين من يعتبره من مفكرى الحركة التنويرية المصرية مثل الإمام محمد عبده وطه حسين، وبين من يراه مرتداً وخارجاً عن الدين.
اشتهر نصر أبوزيد بعد حادثة التكفير الشهيرة التى تم فيها تفريقه عن زوجته بحكم قضائى فى منتصف التسعينيات، بدأت القضية عندما كان نصر أبوزيد أستاذاً مساعداً فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة فى عام 1995، ووقتها تقدم برسالة بعنوان «نقد الخطاب الدينى» للحصول على ترقية إلى لقب أستاذ، ولكن د.عبدالصبور شاهين رئيس لجنة الترقيات قدم تقريراً تضمن عددا من الاتهامات منها: العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة لرفضهما، الهجوم على الصحابة، إنكار المصدر الإلهى للقرآن الكريم، وبناء عليه تحول الموضوع من مجرد رفض للترقية إلى اتهام بالردة.
ونتيجة لهذا التقرير نشأت معركة فكرية بين المؤيدين لأبوزيد وبين المؤيدين لتقرير شاهين، وتطور الأمر إلى القيام برفع دعوى حسبة تطالب بالتفريق بين د. نصر وزوجته د. ابتهال يونس، ودارت مناقشات قانونية وفقهية انتهت بصدور حكم قضائى نص على تفريق د. نصر عن زوجته بناء على دعوى حسبة اعتبرته مرتداً، مما دعاه وزوجته إلى الهجرة من مصر إلى هولندا والعمل بالتدريس بإحدى الجامعات.
وكان أبوزيد مدافعاً عن حقوق المرأة وعن مفهوم المواطن الفرد وحقه بالمشاركة فى تقرير مصيره وعمل فى كل أبحاثه وكتاباته لوقف عملية تديين السياسة وتسييس الدين. ينطلق أبوزيد فى نقده للخطاب الدينى من التأكيد على ضرورة وجود الدين فى أى خطاب يهدف للنهضة، وإن كان يتساءل عن المعنى المقصود بالدين، فالدين رهن بالتأويلات التى تختلف فى كيفية التعامل مع الآخرين، فالخطاب الدينى الحالى يميل إلى نفى الآخر وتكفيره. ثم جاء كتابه «التفكير فى زمن التكفير» لينقض أوهام إمكانية إحياء الخلافة الإسلامية، ويفند مقولة الحاكمية الإلهية ليثبت بالدلائل العقلية أن الحكم هو حكم البشر، حتى لو استعان الحاكم بالفقهاء لتبرير أحكامه، فسيظل الحكم ناتجاً عن عقل بشرى قاصر فسر النصوص المقدسة طبقاً لظروف عصره، فتبقى القدسية للنص ويبقى احتمال الخطأ لكل تفسير بشرى، مما يهدم الأساس الفكرى للدولة الدينية.
لقد مات نصر أبوزيد عن عمر 67 عاما، واستكثر البعض عليه الدعاء بالرحمة، حيث اتصلت وقتها سيدة لتسأل شيخاً فى أحد برامج القنوات الفضائية: «لو القضاء حكم بتكفير شخص ينفع نقول بعد موته ربنا يرحمه؟ فيرد الشيخ: إنت بتتكلمى عن نصر حامد أبوزيد؟ لا وإنما نقول أفضى إلى ما قدم، وهذه الكلمة تقال إلى كل شخص نحسب أنه من المشركين». إن مشهد المفكر المسافر إلى المنفى ومتابعته بشماتة من الذين قاموا بتكفيره، يذكرنا بما حدث لمن ضحوا فى سبيل الحرية والفكر مثل قتل ابن المقفع، وسجن جابر بن حيان حتى الموت، وصلب الحلاج، وإعدام السهروردى، واتهام أبو بكر الرازى والكندى والفارابى بالكفر، أما فى عصرنا الحالى فيجبر المفكرون على مغادرة وطنهم ليعودوا إليه موتى أو فى صراع مع الموت. والآن بعد وفاة نصر أبوزيد يجب أن يتم تقييم فكره بعيداً عن الطعن فى إيمانه، لأن الفكر الموافق للحق يبقى وتذهب دعاوى الباطل هباء، قال تعالى: (..كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) الرعد .17«