تفتح روزاليوسف صفحاتها فى هذا الباب لآراء أبرز الكتاب ليسطروا بأقلامهم ما يرونه حول ما يدور فى الشارع السياسى.. وهذا الأسبوع تسابق 3 كتاب بدون ترتيب فى توجيه رسائل عما يتمنونه من الرئيس المنتخب د. محمد مرسى لمصلحة هذا الوطن وأبناء هذا الشعب العظيم السيد الأستاذ الدكتور محمد مرسى رئيس جمهورية مصر العربية تحية طيبة وبعد...
بالرغم من موقفى المتعارض لتيارات الإسلام السياسى، إلا أننى أحترم نتيجة انتخابات رئاسة الجمهورية التى أسفرت عن فوز سيادتكم كمرشح منبثق عن هذه التيارات يأتى احترامى هذا للنتيجة لأنى أومن ألا سبيل لبناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة إلا باحترام إرادة الشعب من خلال الصندوق الانتخابى، ولأنى أقر بأن رئيسا بدون رضا الإسلاميين سيكون بعيداً عن الشارع المصرى إسلامى التوجه، ولأنى أسلم بأن تيارات الإسلام السياسى أصبحت فى قلب الحياة السياسية المصرية وفقا للإرادة الوطنية التى أفرزتها ومن هنا لا أملك إلا أن أوجه لسيادتكم رسالة نصح متواضعة، مفادها تجنب سلبيات الإسلام السياسى وعدم الوقوع فى أخطائه التاريخية.
فى ظل سيطرة تيارات الإسلام السياسى على اتحادات الطلاب، والنقابات المهنية والبرلمان المرتقب والذى قد تنبثق عنه حكومة إسلامية، أو ليس من فوز سيادتكم بالمعقد الرئاسى، كمرشح أحد هذه التيارات معنى إلا استنساخ تجربة الحزب الوطنى المنحل، ولكن الثورة قامت لإرساء قيم التعددية والمشاركة لا الانفرادية والمغالبة.
سيدى الرئيس: من أجل تحقيق تنوع وتوازن سياسى يحول دون هيمنة فصيل سياسى واحد على السلطة ويطمئن قطاعات المجتمع المختلفة ويفتح مجالات مراقبة ومساءلة ومحاسبة، ليتك تعمل على تشكيل حكومة -إذا أجاز الدستور لك ذلك- يكون رئيسها من تيارات غير الإسلام السياسى مثلما حدث فى تونس عندما توافقت القوى السياسية على رئيس ليبرالى ذى ميل يسارى «المنصف المرزوقى».
وفى ظل مشهد سياسى شديد الاستقطاب تحول إلى حلبة صراع بين الفصائل والتيارات السياسية والمجتمعية المختلفة بات من الضرورى أن تكون رئيسا توافقيا: تقف على مسافة واحدة من هذه الأطراف جميعا وأنت تبنى أرضية مشتركة يقيمون عليها حوارا بناء يجمع شملهم وينظم صفوفهم فتتجاوز بهم مرحلة التشرذم المتزايدة فالثورة قامت لتأسيس مبدأ التعايش لا الصراع.
ليتك تبتعد سيادة الرئيس عن الصراع حول الحقيقة المطلقة للعقائد الدينية وتفسيرات الشرائع السماوية وتركز على حل مشكلات مصر الحقيقية كالبطالة، والانفجار السكانى، والعدالة الاجتماعية والحريات العامة، فالشعب المصرى متدين بطبعه يقدر الدين ويحفظه ولكن الثورة قامت للنهوض بالوطن سياسيا واقتصاديا لا دينيا لبناء المصانع والشركات لا الجوامع والكنائس، فعندنا من الدين ما يكفى، ولكن ليس عندنا من التقدم والرخاء ما يكفى ليتك تعمل مع الإسلاميين دون تحيز تتفق وتختلف معهم حسب القضية محل النقاش بما يتفق مع الصالح العام، فلا تستغل مركزك لخدمة التيارات الإسلامية التى تنتمى إليها على حساب الفصائل السياسية الأخرى فتزيد من تشدد الأولى اليمينى وتضعف من توجه الثانية، مما يضر بالتعددية السياسية على مصر، فالثورة قامت لينتخب الشعب رئيسا يمثل الشعب وحده وليس رؤى أو مصالح حزب أو جماعة بعينها.
ليتك سيادة الرئيس تدين بالولاء للشعب المصرى لا لمرشد الجماعة التى تنتمى إليها فعندما تحلف قسم الولاء هذا الشهر تعلن على وجه السرعة نقضك لقسم السمع والطاعة الذى حلفته للسيد المرشد والذى نصه:
«أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جنديا مخلصا فى جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع فى العسر واليسر والمنشط والمكره إلا فى معصية الله وعلى أثره على وعلى ألا أنازع الأمر أهله».
فالثورة قامت لينتخب الشعب رئيسا يكون جنديا مصريا مخلصا لمصر لا لجماعة الإخوان يسمع ويطيع ويبايع الشعب المصرى الذى انتخبه لا المرشد العام تكون مرجعيته هى شعب مصر لا محمد بديع.
ليتك تدافع عن قضايا المرأة الحقيقية مثل العنف الجنسى والختان فلا تشن هجمات على حقوقها كما فعل بعض نواب تيار الإسلام السياسى فى مجلس الشعب المنحل عندما تقدموا بمشاريع وقوانين متتالية: واحد يهبط بسن زواج الفتاة من 18 إلى 14 عاماً وثان ينتقص من حق المرأة فى خلع زوجها، وثالث ينتزع حق الأم فى حضانة طفلها فالثورة قامت للانتصار لحقوق المرأة، لا لمصادرة ما حصلت عليه بالفعل من بعض الحقوق البسيطة.
ليتك يا سيدى الرئيس تؤمن بأن الأقباط شركاء متساوون فى الوطن، فترفض مثل تلك التصريحات العنصرية كالتى خرج بها السيد مهدى عاكف، مرشد جماعة الإخوان الأسبق، لجريدة الأهرام ويكلى بأنه يقبل برئيس ماليزى مسلم لمصر ولا يقبل برئيس مسيحى أو كالتى صرح بها المرشد الخامس للجماعة، السيد مصطفى مشهور فى حوار مسجل لمجلة روز اليوسف بأن على الأقباط أن يدفعوا الجزية بدلا من الالتحاق بالجيش حتى لا يتحالفوا مع العدو فى حالة الحرب مع دولة مسيحية غربية، فالثورة قامت للانتصار للمواطنة والحقوق المتساوية ومبدأ تكافؤ الفرص بغض النظر عن الديانة.
أتمنى ألا تقتصر رؤيتك لهوية مصر على أنها إسلامية فقط، ولكن تراها أيضا فرعونية، قبطية، أفريقية، عربية، بحر متوسطية، شرق أوسطية، وجزئيا آسيوية، فلا تفرض على مصر هوية واحدة فالثورة قامت لتعزيز هوية مصر المصرية، لا الإسلامية فقط لسيادة الشعب المصرى لا الأمة الإسلامية.
ليتك سيادة الرئيس لا تؤمن بمبدأ التقية الدينى الذى يبيح إخفاء المعتقدات عند الضرورات خشية الضرر المادى أو المعنوى فلا تغير مواقفك باستمرار مثلما فعل الجناح السياسى لجماعة الإخوان حزب الحرية والعدالة تحت قيادتك عندما دفع بمرشحين لحوالى 90٪ من كراسى البرلمان المنحل بعدما أعلن أنه لن يدفع سوى ب 30٪ ثم الأعجب من ذلك أنه أعلن مرارا وتكرارا عدم نيته ترشيح أى عضو من أعضاء الحزب أو الجماعة فى انتخابات الرئاسة، ولكن دفع بمرشحين أساسى هو المهندس خيرت الشاطر، واحتياطى هو سيادتكم فالثورة قامت لينتخب الشعب رئيسا يؤمن بمبدأ الشفافية، بدلا من مبدأ التقية، فلا تتراجع مصداقيته بعد فترة قصيرة من توليه المنصب.
أتمنى أن تفصل بين الدين والسياسة: ففى عهدك لا يرفع الأذان فى البرلمان كما فعل النائب السلفى ممدوح إسماعيل مع بدء جلسات مجلس الشعب المنحل، ولا نوظف دور العبادة فى الدعاية الانتخابية كما فعلت بعض جماعات الإسلام السياسى، وعلى رأسها جماعة الإخوان التى تنتمى إليها، فى انتخابات الرئاسة عندما قالوا للمصلين إن التصويت لمرسى واجب شرعى فى بعض الجوامع كجامع القائد إبراهيم بالإسكندرية وغيره فالثورة قامت لفصل الدين عن السياسة فليس للسياسة دين.
ليتك تتخذ قراراتك بناء على حقائق ومعلومات أهل الخبرة والمراكز البحثية، لا على فتاوى الشيوخ والأئمة وحدها، كما فعل نائب التيار الإسلامى بناء على فتوى الشيخ عبدالبارى الزمزمى عندما قدم اقتراحاً بمشروع قانون يبيج للزوج ممارسة الجنس مع جثة زوجته فى الساعات الست الأولى بعد وفاتها والمعروف إعلاميا بمشروع بمضاجعة الوداع والذى كان من المزعوم طرحه لكن تمت تنحيته من قبل لجنة المقترحات فالثورة قامت لإقامة دولة العلم والعلماء، ولا دولة الفتاوى والأئمة.
أتمنى ألا يكون أداؤك كالأداء الهزيل لبعض نواب التيار الإسلامى فى البرلمان المنحل، الذى انحصر فى إطلاق الشعارات والخطب والمقدمات الطويلة المملة والكلام الإنشائى المرسل، بعيدا عن دورهم البرلمانى الأصلى فى الرقابة والتشريع وحتى عندما انتقد الرأى العام أداءهم فبدأوا فى ممارسة دورهم التشريعى الأصلى، لم يناقشوا قضايا الوطن الحقيقية والملحة، بل طرحوا بدلا منها إما:
1- قضايا غير مناسبة مثل «الهبوط بسن زواج الفتاة» و«تطهير المجلس من النواب الخونة»، و«إلغاء تدريس اللغة الإنجليزية فى المدارس» - لأن تدريسها هو جزء من «مخطط أجنبى ضد مصر».
2- أو هوامش القضايا مثل «حجب المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت» و«تطبيق قانون العزل على أقارب سوزان مبارك»، و«الكشف عن فاتورة علاج الرئيس السابق فى المركز الطبى العالمى» و«توسعة مسجد مجلس الشعب»، و«رفع الجلسات خلال وقت الصلاة».
ولكن الثورة قامت لينتخب الشعب رئيسا يمارس ما نسميه فى العلوم السياسية، السياسة البراجماتية (Realpolitik) المبنية على اعتبارات علمية وفقا لبرامج محددة بعيدا عن الأيديولوجية وفن البلاغة والخطابة والفصاحة والنثر.
ليتك، سيدى الرئيس، تؤمن بأن الأحزاب السياسية هى أداة من أدوات الديمقراطية، وليست أداة غربية لتقسيم الأمة الإسلامية امتثالا لفكر مؤسس جماعة الإخوان، السيد حسن البنا ومنظرها السيد سيد قطب، فالثورة قامت لبناء تعددية حزبية، لا للإبقاء على احتكار فصيل سياسى واحد للسلطة.
فى النهاية أذكرك دكتور مرسى بكلمة أعلنها السيد المرشد الدكتور محمد بديع، فى لقائه مع الإعلامى وائل الإبراشى قبل تغيير الجماعة موقفها من الدفع بمرشح لانتخابات الرئاسة أنه يخشى على مصر من رئيس إسلامى، وكذلك أنا أيضا.
لم تكن تحتاج مصر لشيخ ولا لجنرال، لا لجماعة الإخوان ولا للحزب الوطنى، لا لفلول النظام العسكرى ولا للإخوان المسلمين، لا لدولة دينية ولا دولة عسكرية، بل دولة مدنية ديمقراطية حديثة رئيسها مدنى، غير إسلامى وغير عسكرى ما بين مراجعة لصراع القرن بين القوتين التقليديتين فى السياسة المصرية النخبة العسكرية والتيارات الإسلامية أبطلت صوتى فى هذه الانتخابات حتى لا أكون كالتى «نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا» ويبقى أعظم نجاح للثورة أنه كان لى حق الاختيار، حتى لو لم أختر.
مع أنى لم أخترك، سيدى الرئيس، إلا أنى لا أملك فى هذه اللحظة، وأنت داخل القصر الجمهورى، غير أن أبعث لك بهذه الرسالة، متمنيا لك كل التوفيق، سدد الله على طريق الصواب خطاك بعيدا عن أخطاء الإسلام السياسى فعندما يخطئ الرئيس يدفع الشعب الثمن.