فى بلاد الخواجات المسألة أسهل كثيرا والتصويت هناك فى بطاقات ممغنطة.. سعادتك تضع العلامة أمام اسم المرشح الذى تفضل.. وتضع البطاقة فى الصندوق أمام أعضاء لجنة الانتخابات.. وبعد انتهاء مواعيد التصويت يفرغون الصناديق فى ماكينة خاصة.. تقوم بالفرز والعد أتوماتيكيا.. تنتهى الانتخابات فى السابعة مساء.. وفى تمام العاشرة تعلن النتائج بدقة.. حاجة كده أسهل من شكة الدبوس.. بلا شغب أو تخوين.. أو خطأ فى العد أو التدوين..! أقصد أن بلاد الخواجات لا تعرف الفرز اليدوى.. ولا الأقلام المسحورة.. لا تعرف مندوبى المرشحين ينامون أمام اللجان بالشوم والخرطوش لمراقبة وحماية الصناديق.. لا يعرفون الشمع الأحمر وجنود الشرطة والجيش والمدرعات تحمى المقار الانتخابية.
بلاد الخواجات حاجة تانية.. وقد استخدمت العلم والتكنولوجيا استخداما مفيدا.. ولهذا تمر الانتخابات عندهم بهدوء وسلاسة.. لا يعرفون التوتر والبلبلة وإعادة الفرز مرة واثنتين وعشر.. لا يعرفون اختراعا اسمه «الطفل الدوار» أو تسويد البطاقات مسبقا ومن المنبع.. فالبطاقة الممغنطة لا يمكن تقليدها أو تزويرها..!
لا تعرف بلاد الخواجات حاجة اسمها قضاة من أجل مصر.. يشتغلون لحساب مرشح على حساب المرشح الآخر.. لأن المفترض فى القاضى الحياد والنزاهة.. والقاضى الذى ينتمى لجماعة سياسية أو دينية يستبعد فورا من ميدان العدالة لأنه لا يلتزم الحياد.. وبصراحة عندما تشاهد مجموعة تطلق على نفسها قضاة من أجل مصر.. يتبادر إلى ذهنك وجود مجموعة أخرى هى قضاة من أجل ليبيا.. أو قضاة من أجل إيران.. أو قضاة من أجل أمريكا أو إسرائيل.. وهو المرفوض تماما فى بلاد برة.
فى بلاد برة يشرف على الانتخابات فى كل حى مجلس الحى.. ويختار مجموعة من المواطنين والمواطنات.. على المعاش غالبا.. ربات البيوت.. يتميزون كلهم بالنزاهة.. معروفون بالسمعة الطيبة.. لم يصدر على واحد منهم حكم قضائى مخل بالشرف والأمانة.. وهذا المجلس هو المشرف على الانتخابات.. سواء كانت برلمانية أو رئاسية.
ولأنهم من الحى الذى تنتمى إليه سعادتك.. فهم يعرفونك تقريبا.. قابلتهم صدفة فى سوبر ماركت.. أو فى الأوتوبيس العام.. أو فى أحد المقاهى بالحى.. أو حتى تعرف وجوههم عندما تصادفهم بالطريق.. وهم المسئولون تماما عن إدارة الانتخابات.. وتنحصر مسئوليتهم فى التأكد من أن سعادتك تضع بطاقة واحدة بالصندوق.. وأنك لا تشير أو تتصرف بأسلوب يوحى للآخرين بالتصويت لمرشح بعينه.. لأن الدعاية عندهم ممنوعة فى لجان الانتخاب.. أو أمامها.. ولا يعرفون ظاهرة اليفط والبوسترات.. الدعاية تتم من خلال خطابات بريدية تشرح البرنامج والأهداف.. وعليك باختيار المرشح الذى تفضل من خلال المناقشات العائلية.. وليس بأسلوب «بالروح بالدم نفديك يا فلان».
يوم الانتخاب فى بلاد برة هو يوم احتفالى مشهود.. تتقابل فيه الأسر والعائلات والجيران والأولاد والبنات.. يقضون جميعا يوم الإجازة يأكلون ويشربون ويتسامرون ويرقصون.. ثم يعودون للبيت وقد عرفت النتائج بالتفصيل.
ولاحظ أن الانتخابات عندهم تتم يوم الأحد.. يوم الإجازة.. حيث لا يعطلون الشغل والإنتاج. هكذا أحوال الانتخابات فى بلاد برة.. فى بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وسويسرا وأمريكا وألمانيا التى نعرفها جيدا.. فما بال الأحوال عندنا تختلف.. والإخوة الناخبون متناحرون دمهم حامى.. يستخدمون كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة من أجل الفوز.. لا يعرفون الهزيمة ولا يتقبلونها.. لأن الهزيمة تمس الشرف الرفيع الذى يراق على جوانبه الدم!
صدقونى.. الانتخابات فى بلاد الخواجات أسهل كثيرا.. والأحوال أكثر هدوءا.. والمهم أن النتائج وبفضل البطاقات الممغنطة التى لا يجوز تزويرها.. تظهر بعد ساعتين.. ساعتين فقط لا غير.. والفضل للعلم والتكنولوجيا!