المعطيات التى وهبها الله ل «شادية» هى سر خلطتها السحرية التى كانت جسرا أطلت من خلاله على جمهورها العريض المصرى والعربى بمختلف شرائحه، وأسكنتها قلوبهم دون وسيط. «شادية» التى شكلت مفرداتها نموذجا فريدا ليس على مستوى الفن فقط، لكن على مستوى الإنسانية. طلتها، خفة ظلها، بشاشة وجهها، حلاوة صوتها، صدق إحساسها، إخلاصها فى عملها، كلها كانت السبيل لتكون النموذج الاستثناء فى عالم التمثيل والغناء. لقد ظلت «شادية» على مدار أكثر من نصف قرن تشحن عواطفنا وطاقاتنا الحسية والوطنية والروحية بأغانيها وأفلامها التى صنعت فينا حالة من التصوف والسمو الروحى. إنها فعلا الخلطة السحرية لدلوعة السينما المصرية.
∎عبدالرحمن الأبنودى:
شادية فنانة حقيقية وحين نقول حقيقية لا نمن عليها بهذا اللقب لأنها أعطت معظم عمرها لعملها الفنى بإخلاص وصادفت أكثر من جيل فى السينما والغناء، لكن دائما ما كانت تفرض سحرها الخاص الذى يميز غناءها بطابع فريد، فكلما غنت ملأت الدنيا شدوا. وقد أسعدنى الحظ حين التقيت بها أكثر من مرة فى أغنية «أبوالعين العسلية» ألحان بليغ حمدى وأغنية «آه يا اسمرانى اللون»، لتتحول من خفة دمها ودلعها التى شهدناها بها فى أغنية «سونة يا سنسن» إلى أغنية تعبر أنها قد نضجت لتتخطى بعد ذلك تجربتها الأكبر فى فيلم «شىء من الخوف» بطولة محمود مرسى ويحيى شاهين وإخراج حسين كمال، الذى كتبت له الكلمات والحوار وكنت أقوم بتحفيظها اللهجة الصعيدية الوعرة، وكانت تجتهد لإتقانها لأنها كانت دائما تحترم ما تقدمه.
∎حلمى بكر
خلطتها السحرية سواء فى مجال الغناء أو التمثيل ستظل سرا لا يعرفه أحد، فمنذ بدايتها عام 1945 وهى تسير بخطى فنية تصاعدية متوازنة، وهى الفترة التى جعلتها فتاة أحلامى وأحلام جميع شباب مصر. لقد نجحت شادية فى تحقيق المعادلة الصعبة للجمع بين صفات حواء العذراء وكبرياء الأنثى وبساطة الفتاة المصرية وتدفق مشاعر البنت العصرية.
ووسط هذا النجاح من التشجيع الجماهيرى بحثت شادية «الممثلة» عن شخصية فنية تنقلها من دور البنت الشقية والمراهقة والدلوعة إلى نوعية أخرى، وكانت تلك التجربة فى منتصف الخمسينيات فى فيلمها «ليلة من عمرى» ل «عاطف سالم» و«شاطئ الذكريات» ل «عزالدين ذوالفقار»، بعدهما تأتى أهم مرحلة من مراحل نجاحها السينمائى من وجهة نظرى عندما قدمت الشخصية النسائية المحورية، فى أهم أعمال الكاتب الراحل نجيب محفوظ من خلال دور فتاة الليل المطحونة «نور» فى فيلم «اللص والكلاب» التى تساند «سعيد مهران» ظهرت كممثلة بلا عناء لتؤكد أنها فى التمثيل لا تقل مهارة عن الغناء.
∎وجدى الحكيم:
لم تكن هى الابتسامة المبهجة فقط، بل أبكتنا وأضحكتنا وأمتعتنا بفنها الجميل الذى أعطته كل وقتها ومجهودها.
عشق شادية لمصر كان بلا حدود.
حالة العشق عندها كانت لمصر وللمصريين، لا أنسى يوم أن شنت الغارة على مدرسة «بحر البقر» فى الشرقية وجدت سيد مكاوى وصلاح جاهين يتصلان بى فى الساعة السادسة صباحا واستمعت منهما إلى ملحمة رائعة تقول «الدرس انتهى لموا الكراريس بالدم اللى على ورقهم سال فى قصر الأممالمتحدة مسابقة لرسوم الأطفال إيه رأيك فى البقع الحمرا يا ضمير العالم يا عزيزى دى الطفلة مصرية سمرا كانت من أشطر تلاميذى دمها راسم زهرة راسم راية ثورة راسم وجه مؤامرة راسم خلق جبارة راسم نار راسم عار على الصهيونية والاستعمار»، وبعد أن استمعت لتلك الكلمات التى أصابتنى بمرارة الحزن والشجن وجدت جاهين يطلب منى الاتصال بشادية، وبالفعل اتصلت بها ولم أكن أتوقع أن تلبى ندائى بهذه السرعة، وكانت فى الإذاعة بعد مكالمتى بنصف ساعة، وتم تسجيل الأغنية فى نفس اليوم.
شادية التى تنتمى إلى أصول تركية كنت دائما أداعبها بكلمة - العرق التركى - فترد على: اخرس أنا مصرية أبا عن جد.
لقد أخذت فترة الدلع فى حياة شادية منها الكثير خاصة أن ظهورها كان بين عمالقة الفن والتمثيل مثل أم كلثوم وعماد حمدى وغيرهما من العمالقة، فقد أمتعت كل محبيها فهى لم تندم يوما على ما قدمته ولم تفعل مثل الآخرين، فحين قررت أن تتحجب وتعتزل الفن لم تصرح يوما أنها تستحى من عمل قدمته أو مشهد شاركت فيه دائما ما أرى ابتسامتها وبهجتها عند عرض أفلامها على الشاشة، ومن أحب أدوارها «الزوجة 13» و«شىء من الخوف» و«مراتى مدير عام» و«معبودة الجماهير».