حمدى رزق جوني وسألوني .. آه يا أسمراني اللون.. حبيبي الأسمراني يا عيوني ناسياكي عيون حبيبي الأسمراني تحت الرمش عذاب وحنين وعذاب وعيون ما تنام دقت معاك طعم الأيام والوقت بعيد يا سلام جوني وسألوني جوبتهم عني دموع عيني علشانك أمشيها بلاد من غير لا ميه ولا زاد آه ياللي عيونك شمعة وضحكة وبحر في نسمة طيف أنت رسيت وأنا وسط الشوق حيرانة من غير مجاديف جوني وسألوني جاوبتهم عني دموع عيني......... ينساب صوتها حريرا فتنشلك من الهم والغم والنكد، تنسيك شفيق ومرسي وتسقيك ع الريق تمر هندي لذة للشاربين، تستعين بظل رموش عينيها علي وعورة الطريق باتجاه الراحة بعد يوم عمل شاق، نسمة طيف في ظهر صيف قائظ، وشمعة وضحكة وبحر، وأنا وسط الشوق حيران من غير مجداف، جوني وسألوني جاوبتهم عني دموع عيني. وعلشانك أمشيها بلاد، من غير ميه ولا زاد، مشيناها خطي كتبت علينا، ومن كتبت عليه خطي مشاها، مشت الحاجة شادية، - شوشو - كما يدلعها أولاد شقيقها، مشوارها كاملا حتي احتجبت في ألق يليق بفنانة لا تتوب عن فن، الفن ليس معصية، ولكنها اختارت طريق الصالحين الزاهدين الخيرين، تفرغت للأعمال الخيرية، دون كلمة، دون همسة، دون مزايدة بالتوبة، طلبًا لمغفرة ورضوان من الله، هنيًا يا حاجة. اعتزلتنا، التحفت بالصمت، احترمنا صمتها، صمتها من ذهب، وإن أوحشتنا طلتها الباسمة والغمزات في الوجنتين تؤشران إلي ثغر باسم، لم تفقد ابتسامتها المشرقة، آخر صور شاهدتها للحاجة كانت في عيد ميلاد عائلي، بالحجاب الأبيض والطرحة وسط الصديقات لا تزال صبوح تلك السيدة، ربنا أنعم عليها بوجه كالبدر ليلة تمامه، نور علي نور. شادية حالة جديرة بالتأمل، بالتوقف، بالإنصات، تجربة مدهشة في التخارج من الزحام، الانفراد بالذات، الاختلاء بالنفس، الابتعاد عن حياة كاملة، تقضي ساعات طوالا في زاوية صغيرة في خلاء الروح تصوم وتقوم وتصلي وتذكر مع الذاكرين، وتسبح علي أصابعها التي تكاد تنير من إسباغ الوضوء. لا أعتقد أن تجربة الاعتزال في حالة شادية دلوعة السينما المصرية كانت قاسية، كانت رغدة، أفاء الله عليها من فضله، ولكنها آثرت الابتعاد، وفضلت الاختفاء بعيدا، بينها وبين الله سبحانه وتعالي عمار، أين لنا بشادية فنانة ممثلة ومطربة مصرية أسعدتنا وجملت حياتنا، ولم تثر فينا سوي البهجة والسرور، وهي شادية المعتزلة تحب شادية الفنانة، تحب أدوارها، وأغانيها، وضحكتها، وشقاوتها، لم تنفر شادية المعتزلة المحتجبة من شادية المنفتحة الفنانة والمطربة، من تغني بأغلي اسم في الوجود مصر. شادية المحتجبة عنا طوعًا، هي فاطمة أحمد شاكر، المولودة في العام 1928 في أنشاص بمحافظة الشرقية، من يومها وهبها والدها للفن، سرعان ما تبدت ملامح العبقرية والموهبة المشعة المبكرة، علمها والدها الملحن قواعد الغناء والمقامات والعزف، يكبر مع الفتاة حب الفن لتنطلق، كما الصاروخ المضيء، في أنحاء السماء يتخطفها المنتجون ويسعي لها المخرجون ويلجأ إليها كبار الممثلين وتصبح شادية نجمة الشباك الأولي. في سنوات قليلة تزيح شادية من علي القمة نجومًا كبارًا تربعوا عليها لسنوات قبل ظهورها وغطي وجهها المتألق علي أنوارهم فآثروا الاعتزال والابتعاد رغم أن الساحة فسيحة للجميع إلا أن شادية كانت الأقرب لقلوب الجماهير بحيويتها وخفة دمها وتلقائيتها وابتعادها عن التقليد أو التصنع. بداية شادية، كما نهايتها، تألق لافت، ظلت شادية نجمة الشباك الأولي لمدة تزيد علي ربع قرن، وكانت ومازالت جميلة ومن أفضل منها في جمالها وكانت مرحة ومن أفضل منها في مرحها وكانت دلوعة ومن أفضل من شادية في دلعها وصوتها لا يختلف عليه أحد. جاءت فرصة العمر لشادية- كما تقول- في فيلم المرأة المجهولة لمحمود ذو الفقار عام 1959? وهو من الأدوار التي أثبتت قدرة شادية العالية علي تجسيد جميع الأدوار من يصدق أن شادية "31 سنة" تظهر أما لشكري سرحان "34 سنة" وتؤدي بهذه البراعة، وليس أمامك إلا أن تصدقها. وفي "أغلي من حياتي "عام 1956 مع صلاح ذو الفقار، وهو أحد روائع محمود ذو الفقار الرومانسية وقدما من خلاله شخصيتي أحمد ومني أشهر عاشقين في السينما المصرية.. وتوالت روائع شادية التي حفرت تاريخًا لها وتاريخ للسينما المصرية أيضاً من خلال روايات نجيب محفوظ (اللص والكلاب 1962 - زقاق المدق 1963 - الطريق 1964 - ميرامار 1969) وأيضاً أفلام شيء من الخوف 1969 - نحن لا نزرع الشوك 1970 وتوالت أعمالها في السبعينيات والثمانينيات إلي أن ختمتها بلا تسألني من أنا عام 1984. أخيراً وبكل جرأة تقف ولأول مرة علي خشبة المسرح وتقدم رائعتها ريا وسكينة مع سهير البابلي وعبد المنعم مدبولي، وحسين كمال وبهجت قمر لمدة 3 سنوات في مصر والدول العربية. وبعد ذلك تفاجئ الجميع، وهي في قمة نجاحها بقرار اعتزالها وحجابها لتحرم منذ ذلك الوقت الوطن العربي كله من الاستمتاع بفن رفيع في التمثيل والغناء. في حجابها واعتزالها ما يقال، ولكن الحق يقال إن مرجعيتها كان المغفور له الشيخ الجليل محمد متولي الشعراوي، الذي كان بمثابة شيخ الطريقة والمعلم الهادي علي الطريق، لم يترك شادية في حيرة بل ذهب بها إلي بر الأمان، شادية مطمئنة إلي ربها راضية. شادية مريضة، شفاها الله وعافاها، شادية تتعافي، بدعوات المحبين، شادية بخير وستعود إلي فرشتها وحجرتها ومنزلها التي لم تفارقها طوال الثلاثين عامًا الأخيرة، ألف سلامة يا شوشو.