منذ وصول مبارك إلى سدة الحكم عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 81 جرى فى عهده أكثر من 72 انتخابا ما بين شعب وشورى ورئاسة ومحليات، بجانب عشرات الانتخابات الجامعية والاتحادات الطلابية والنقابات المهنية والعمالية وغيرها. ولم تخل واحدة منها من التزوير الفاضح والممنهج حتى وصلنا إلى انتخابات 2010 البرلمانية التى كانت بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير لما حوته من تزوير فاضح ومهين واستهتار بإرادة الشعب، وقد ترجم ذلك فى جملته الشهيرة: «خليهم يتسلوا» الجملة التى عجلت بنهاية مبارك على حد وصف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل.
عملية تزوير الانتخابات بدأت فى عهد مبارك بالتدخل السافر من الأجهزة الأمنية بابتكارها حيلا وألاعيب شيطانية لكى تتدخل من وراء ستار لكى يتم تزوير الانتخابات لصالح الحزب الوطنى من خلال سلسلة من الإجراءات التى تتخذها قبل وأثناء العملية الانتخابية وتعطيها فرض المزيد من السيطرة على العملية الانتخابية وتتمثل فى الآتى:
- التعسف الذى تبديه وزارة الداخلية عندما يذهب المواطن لطلب استخراج البطاقة الانتخابية، لعبة الجداول الانتخابية، وكانت تتم بطريقتين الأولى من خلال عدم حذف أسماء الأموات منها، ومن ثم إضافتهم إلى مؤيدى الحزب الوطنى الحاكم. الثانية من خلال نزع أسماء المعروفين من المؤيدين للتيارات المنافسة خاصة التيار الدينى بسبب ظهورهم الواضح من خلال اللحية والحجاب من جداول دوائرهم ووضعها فى دوائر انتخابية بعيدة عنهم دون إخبارهم حتى لا يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات.
- سلطان المال تدخل لشراء الأصوات من بعض أفراد الشعب الذى ضربه الجوع ولعلنا نتذكر واقعة نائب الحزب الوطنى الذى وقف فى انتخابات 2005 وقال: أنفقت فى الجولة الأولى 25 مليونا، وسوف أنفق أكثر فى الجولتين الثانية والثالثة.
- استخدام قوات الأمن المركزى فى محاصرة الدوائر الانتخابية ومنع المواطنين من الإدلاء بأصواتهم وقد وصل الأمر فى انتخابات 2005 إلى إطلاق الرصاص الحى على المواطنين وقتل العديد منهم حسب تقارير رسمية وحقوقية.
- استخدام أصحاب السوابق الإجرامية الذين يحملون السيوف والسلاسل الحديدية فى ترهيب المواطنين وإبعادهم عن الدوائر الانتخابية حتى لا يختار الشعب الناقم على القيادة السياسية ممثليه حسب وصف بعض قيادات الحزب الوطنى فى حينها.
- تزوير الانتخابات من خلال صناديق انتخابية جاهزة لهذا الغرض.
جريمة تزوير إرادة الشعب التى لم يحاكم عليها الرئيس المخلوع فى مثوله اليوم أمام قاضى الحكم لم تتوقف فقد تمت بعض الممارسات التى ذكرناها، لكن هناك حيلا قانونية فصلتها مجموعة من «ترزية القوانين» كما يطلق عليهم، كشفتها دراسة أعدها الباحث الأمريكى «رائف الويشى» تحت عنوان: «هل يستقيم الظل والعود أعوج» تحدثت عن تدخل القوة الأمنية لنظام مبارك فى انتخابات مجلس الشعب فى أكتوبر/ ديسمبر ,2005 وقد حصرت عددا من المعارضين للحزب الوطنى ب 88 عضوا من إجمالى 444 عضوا، وتدخلت أيضا فى انتخابات الشورى فى يونيو 2007 وسمحت بوصول عضو واحد من حزب التجمع من إجمالى أعضاء المجلس البالغ عددهم 88 عضوا كما تدخلت قوة البطش الأمنى لنظام مبارك فى انتخابات المحليات فى المحافظات التى أجريت فى أبريل 2009 ولم تسمح بنجاح أى معارض فى الوصول لعضوية المجالس المذكورة والبالغ عدد أعضائها 52 ألف عضو فى مختلف المحافظات وألقت القبض على الكثير من مرشحى المعارضة قبيل الانتخابات. وقد أصدرت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان فى تقريرها السنوى فى 12 يناير 2009 والذى تناول أوضاع حقوق الإنسان حول العالم عام 2008 أن مصر ليست حرة لاعتمادها على نظام انتخابى غير ديمقراطى وأنها من الدول الأكثر عنفا فى التعامل مع أحزاب المعارضة والمنظمات غير الحكومية.
وتأتى انتخابات 2010 وهى بمثابة سطر النهاية لحكم نظام مبارك الفاسد فقد شهدت انتهاكات شديدة فى جميع الدوائر على مستوى الجمهورية بتدخل سافر من قوات الأمن المركزى لصالح مرشحى الحزب الوطنى الحاكم وكانت أبرز هذه الانتهاكات - كما رصدتها تقارير منظمات حقوقية ورقابية - ترك الموظفين اللجان الانتخابية للنجاة والحفاظ على حياتهم بعد هجوم البلطجية عليهم لتنفيذ ما عرف وقتها بخطة بدء التسويد.
ربما كانت الواقعة الأكثر إيلاما واقعة التعدى على القاضى وليد الشافعى المندوب كعضو باللجنة العامة لمتابعة عمليات الفرز والاقتراع بمدينة البدرشين بمحافظة 6 أكتوبر وحسب المذكرة التى تقدم بها إلى رئيس اللجنة العليا للانتخابات فقد تم احتجازه من قبل رئيس مباحث البدرشين ويدعى أحمد مبروك.
إن القراءة فيما بين السطور تلقى الضوء على حقائق كثيرة ترقى إلى مستوى الجرائم الكبرى!
استخدمها مبارك لإذلال هذا الشعب وكتم أنفاسه لسنوات طويلة - لكنها للأسف جرائم لم يحاكم عليها مبارك إلى اليوم.