ربما كان التعبير الذى استخدمه النائب الشاب مصطفى النجار عن إحدى مشكلات ثورة يناير هم من أطلق عليهم «ثوار ما بعد الثورة» هو الأدق لتوصيف حالة الشيخ السلفى حسن أبوالأشبال ومن هم على شاكلته. الشيخ أبوالأشبال الذى أصبح مثار اهتمام وجدل بعد تصريحاته المتطرفة أثناء أحداث العباسية التى طالب فيها بإعدام المجلس العسكرى وقال بعبارات واضحة إن أعضاء المجلس العسكرى «كفرة لابد من قتالهم» واحد من ثوار ما بعد الثورة.. فقد خرج إلى العلن ضمن جحافل السلفيين وكان فى طليعة من حاولوا تصوير التيار الإسلامى باعتباره محرك الثورة وقلبها النابض وبدلا من الاعتراف بأنه لولا الثورة التى قادها الشباب لكان هو وأمثاله لا يزالون يصدرون الكتيبات والخطب عن عدم جواز الخروج عن الحاكم.
إذا به وبهم يحاولون الانحراف بمسار الثورة من المطالبة بدولة مدنية إلى الجهاد من أجل دولة دينية ومن الأداء الكفاحى السلمى المبهر الذى ابتدعه الشباب وقوى الشعب الحية والعاقلة إلى حمل السلاح تحت رايات سوداء مقبضة يحملها أفراد تبدو عليهم أمارات التطرف وعدم الفهم والسعار الحاد للانقضاض على كل شىء.
لم يكن حسن أبوالأشبال شيئا مذكورا قبل ثورة يناير وقبل ظهوره كواحد من أشرس المدافعين عن المرشح الرئاسى حازم صلاح أبو إسماعيل فلم يعرف عنه طيلة ثلاثين عاما سوداء من حكم مبارك أنه قال أعظم ما أتى به الإسلام «كلمة حق فى وجه سلطان جائر» فقد ولد فى قرية ميت سويد فى 4 فبراير 57 بمحافظة الدقهلية وحصل على ليسانس الحقوق ولم يعمل بالمحاماة حيث تفرغ لدراسة الشريعة وحصل بالفعل على الدراسات العليا فى الشريعة الإسلامية واللغة العربية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عام 1994 وأخذ العلم على يد عدد من المشايخ أبرزهم ناصر الدين الألبانى حيث صاحبه وأخذ عنه العلم لمدة ست سنوات كاملة قضاها فى الأردن «مابين 1979 1985» والشيخ أبوإسحق الحوينى وطيلة سنوات حكم مبارك أصدر أبوالأشبال عددا من المؤلفات فى نقد الشيعة وتكفيرهم وفى الإعجاب الشديد بأفكار ابن تيمية حيث كتب عنه وحقق عددا من كتبه،
وكعادة هذا النوع من شيوخ السلفية.. بدت مسيرة وكتب وخطب أبوالأشبال نموذجا للانفصال عن الواقع والحكم على الأوضاع من زاوية دينية مغلقة، فقبل الثورة كان من المؤيدين لفكرة أن ما تعيشه مصر نتيجة لذنوب العباد وبعد الثورة سيطرت عليه فكرة أن سقوط الفرعون هو بداية لتمكين الدين فى الأرض هكذا لا يقرأ الشيخ شيئا فى السياسة ليعرف فيم يتحدث ولا يعرف عن الليبرالية أو الأحزاب أو الفصل بين السلطات سوى أنها مفردات يستخدمها أفراد بعيدون عن دين الله غارقون فى عبادة الدنيا والملذات وليس لهم هم سوى إبعاد الشعب عن عقيدته ولا يبدو فى أحاديثه مؤمنا بفكرة الوطن الذى يجمع أبناءه مع اختلاف عقائدهم ويضمن وينظم لهم الواجبات ولم يستطع أبوالأشبال الظهور كشيخ مؤثر حتى بعد الثورة وما أتاحته من حرية بلا حدود فلم يملك قدرة الشيخ محمد حسان على استدرار مشاعر الجماهير ولابدا مثل الحوينى متحديا الجميع بعلمه ولا امتلك حتى قدرات محمد حسين يعقوب على الأداء المنغم الفخيم الزاعق ولهذا وجد فى الشيخ حازم أبوإسماعيل ضالته،
حيث استطاع أبوإسماعيل أن يجمع كل ما يجذب الجماهير فى أداء هؤلاء المشايخ فى خطابه السياسى نحو كرسى الرئاسة وفى أثناء وداع أحد المشايخ السلفية الشيخ رفاعى سرور رحمه الله كان أول ظهور قوى لحسن أبو الأشبال الذى أمسك الميكروفون والشيخ يوارى الثرى، ودون مراعاة لقدسية اللحظة والتف حوله جمع غفير من اللحى الغاضبة وقال كلاما يجعلنا نشكر الله على خروج أبوإسماعيل من الانتخابات الرئاسية، صرخ أبوالأشبال والميكروفون فى يده: نحن يا إخوانى نبنى أمة من أول السطر.. من أول الطريق.. أمة الإسلام كما بناها محمد لأننا أمة فى وضع أسوأ من الجاهلية قبل الإسلام.. وبين أفراد الأمة الآن من هو أجهل من أبى جهل ومن أبى لهب ولم يتقدم لحمل المسئولية ولحمل مشروع الإسلام إلا هذا العبد حازم صلاح أبوإسماعيل ومن لم يؤيده خرج عن الشريعة وعن الدين واختتم خطبته صارخا «لعنة الله على من انصرف عن هذا العبد».
رؤية الشيخ أبوالأشبال ومعه عدد هائل من مشايخ السلفية للثورة وعدم قناعته من الأصل بالديمقراطية وتداول السلطة، وكراهيته الفطرية لكلمة مثل «الدولة المدنية» ظهرت أكثر بعد ذلك لكنها تجلت بقوة فى أحداث العباسية الأخيرة وعلى حين كان من ضمن الغالبية العظمى من التيار الإسلامى من دافعوا عن التعديلات الدستورية المربكة وكانوا يعتبرون أى مظاهرات بعد الثورة فتنة تسعى لهدم الاستقرار فضلا عن الدفاع والتحالف الدائم مع المجلس العسكرى، ففى أحداث العباسية بدا الشيخ على حقيقته تماما.. يعتبر كل ما حدث ضرورة لوصول تياره إلى الحكم والتغاضى عن أى شىء جائز شرعا طالما السبل ممهدة للوصول إلى الحكم والتمكن وقد كان هو نفسه ممن اعتبروا أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو فتنا صنعها مفسدون ومخربون ولم ينطق بكلمة بعد سقوط قتلى اختلف الوضع تماما ففى أحداث العباسية اعتقد تيار واسع من متشددى التيار الإسلامى أن الحصار الأخير للمجلس العسكرى قد آن أوانه أن ضربة توجه له فى حصنه «مقر وزارة الدفاع» كفيلة بإسقاط هيبته وتدافع الملايين وراء التيار الإسلامى لإحداث فوضى تعقبها سيطرة على الحكم وأطلق أبوالأشبال تصريحا لم يقل فيه إن أنصار أبو إسماعيل ممن قرروا نقل اعتصامهم من التحرير إلى وزارة الدفاع هم السبب فى هذه الفتنة بل ذلك الفريق المسعور من الإعلاميين والصحفيين الذين لا يريدون لمصر أن تهدأ وفى ذروة سقوط قتلى ووسط فوضى عارمة خرج أبوالأشبال فى قناة الحكمة متصورا أن هذه هى اللحظة المناسبة لإخراج الملايين وراء التيار الإسلامى لهدم كل شىء والبدء فى بناء الدولة الإسلامية وقال بعد أن استبان لجميع فصائل الشعب بلطجة المجلس العسكرى وأنه لا يراعى إلا ولا ذمة منه هو وليس من الشعب لابد لجميع فصائل الشعب أن يخرجوا الآن.. لنجدة أبنائهم فى ميدان العباسية هذا هو الحل الوحيد وكنا نقول من قبل برحيل المجلس العسكرى، لكن الآن نقول: لابد من القبض على المجلس العسكرى وأن يحيط الشعب بالمجلس ويقبضوا على أعضائه شخصا بعد الآخر لابد من قتلهم وذبحهم فى ميدان العباسية فهم لا يعرفون الله وقد انقطعت صلتهم بالله.. وبهذا أعطى الشيخ درسا فى الكذب فهل قال من قبل برحيل المجلس العسكرى أم كان يعتبر من يقولون ذلك دعاة فوضى وتخريب.
الآن اسم الشيخ أبوالأشبال ضمن قائمة المطلوب القبض عليهم بتهمة التحريض على أحداث العباسية وللأسف الشديد وبدلا من أن تكون إحدى ثمار الثورة العظيمة الحوار والنضال السلمى فإن ثوار ما بعد الثورة يسحبون الأحداث إلى منطقة مظلمة حيث يقول البعض فى الشارع المصرى إن ما كان يفعله مبارك من اعتقال هؤلاء هو الحل.
لعنة الله على مبارك وعهده.. وعلى أى تقييد للحريات.. وعلى ثوار ما بعد الثورة من لا يؤمنون لا بالدولة ولا بالثورة ولا بالديمقراطية.. وعلى الذين يكذبون كما يتنفسون.