لسنا »بغايا العصر« - كما وصف يوماً »نزار قبانى« الشعوب العربية - ولن نكون (!) فنحن، مواطنون نمتلك »وطن« .. نمتلك حلما يسعى لأن يتجاوز مرارات »الألم« (!) حلما يحفر مستقبله، على جدران الديمقراطية.. يعرف طريقه فوق خرائط الزمن.. يدرك جيدا من يريدون بيعه ومن يريدون أن يقبضوا الثمن.. حلما لا يقع أثيرا لقبضة مالك يسلمه إلى مالك، أو وثن إلى وثن (!) إلا أن الحلم تقاذفته الأمواج .. فرقته الحسابات والتحالفات والمؤامرات.. جعلته شيعا وقبائل ومليونيات.. أوقعت به أسيرا للسيناريوهات (!) .. سيناريوهات المكسب والخسارة، بالطبع (!) ربما كانت هذه الصورة، هى الأكثر تفاؤلا، لما يمكن أن تكون عليه »الحال« فى القريب العاجل.. فبعد أن ظننا أننا اقتربنا من أن نضع حداً فاصلا لعصر مبارك (محتكر السلطة) لنبدأ عصر تداول السلطة .. وجدنا أنفسنا أسرى للاختيار بين سيناريوهات، »أقلها مرارة« ينذر بأن يُذيقنا مواجهات بطعم »الحنضل« (!)
فالمعركة على »كرسى الرئاسة« بعد أن أصدر البرلمان - أمس الأول - تعديلا على القانون (73 لسنة 1956) الخاص بمباشرة الحقوق السياسية، يقضى بإقصاء نائب رئيس الجمهورية ومدير المخابرات العامة السابق »عمر سليمان« .. ورئيس مجلس الوزراء الأسبق »أحمد شفيق«، تبدو - فى مجملها - قانونية، وأن الكلمة النهائية فيها للقضاء. ويصب فى هذا الاتجاه - كذلك - العوائق القانونية التى تنذر بإبعاد مرشح جماعة الإخوان، ونائب مرشدها العام »خيرت الشاطر«.. فضلا عن أزمة الجنسية الأمريكية الخاصة بأم المرشح السلفى القوى »حازم صلاح أبوإسماعيل«.. إلا أن عواقب إبعاد أي من هؤلاء الأربعة (السياسية) أخطر بكثير من تداعياتها القانونية.
فواقع الحال أن كلاً من هؤلاء الأربعة يمثل قوة لا يمكن التقليل من شأنها على أى صعيد.. وله مساندة »شعبية« لابد أن تجعله رقما »صعبا« فى المعادلة الانتخابية.. وهو ما يجعل قراءة المشهد مثيرة للقلق فى ظل احتمالات الإقصاء »المطروحة«.. فماذا يمكن أن يفعل أنصار »سليمان« أو رجال شفيق إذا خرج مرشحاهما من السباق (؟!).. وكيف سيتعاطى أتباع »أبوإسماعيل« مع حكم قضائى ينذر بحرمانه من الترشح على الموقع إلى أجل غير مسمى (؟!).. وماذا تخبئ جماعة الإخوان فى جعبتها، إذا تمت الإطاحة بالرجل الأقوى - على الإطلاق - بها من حلبة المنافسة(؟!) واقع الحال - أيضا - أن السيناريوهات الأربعة التى ترسم مشهد الإقصاءات - ونعرضها خلال السطور التالية - لابد أن تجعلنا نفكر ألف مرة، كيف لنا أن نعبر أزمات كل منها على حدة صونًا لوطن نعشق ترابه؟! يصب خروج »عمر سليمان« و»أحمد شفيق«، دون خروج المرشحين الإسلاميين (خيرت الشاطر - حازم صلاح أبوإسماعيل)، بشكل مباشر، فى صالح الكتلة التصويتية ل»عمرو موسى«.. إلا أن هذا الأمر لا يمكن أن يتم على هذه الصورة، إلا إذا تحصن التعديل الذى أقرته أغلبية (الحرية والعدالة) على قانون مباشرة الحقوق السياسية »73 لسنة 1956«، بحكم من المحكمة الدستورية العليا - بحسب بعض الآراء القانونية، التى ترى أن هذا الأمر ملزم - لكن هناك آراء دستورية أخرى تذهب الى أن (الثورات)، بطبيعة الحال، تخضع لإجراءات استثنائية تتجاوز القواعد الفقهية المتعارف عليها حال استقرار الأوضاع. إلا أنه خلال هذه الفترة - أى ما بين إقرار القانون وحكم الدستورية، وفقا للرأى الفقهى الأول - لن تسير الأمور- من الناحية السياسية - بشكل هادئ، إذ من المتوقع أن تتحرك الكتلة التصويتية لكل من سليمان وشفيق »احتجاجا« على صدور قانون يرونه وضع خصيصا للإطاحة بمرشحيهما.
وسيتقاطع هذا الأمر مع تحركات »موازية« لعدد من القوى الثورية التى أعلنت تضامنها مؤخرا - رغم اختلاف الرؤية - مع موقف الإخوان، والثلاثى الذى تقدم بمشروع القانون (ممدوح إسماعيل - عمر حمزاوي - عصام سلطان)، لحماية ما وصفوه ب»البقية الباقية من مكتسبات الثورة« .. وعدم سطو »الفلول« على السلطة .. وهى صورة سوف تعيد بلا شك إنتاج مشهد (العباسية - التحرير) من جديد. خلال هذه الفترة ستظهر، أيضا، مبادرات »لم الشمل«، التى ستسعى جماعة الإخوان للاحتماء بها حاليا، بعد أن باتت صورتها أمام أغلب فصائل الميدان - إن لم يكن جميعها - فى أدنى صورها، إذ غررت الجماعة بالكل، وتحولت عن »المشاركة« السياسية إلى »المغالبة« والاستحواذ على السلطة.
يستتبع هذا الأمر، من الناحية القانونية، تزايد دعاوى »إرجاء الانتخابات الرئاسية« أمام محكمة القضاء الإدارى، لحين الفصل فى دستورية القانون.. وهى وجهة نظر ستستند إلى أن إجراء الانتخابات فى الوقت الحالى، سوف يعنى العودة إلى نقطة (الصفر) مرة أخرى، إذا حكم ببطلان القانون بعد إجراء الانتخابات، إذ سيقتضى هذا الأمر إعادتها مرة أخرى.. مما سيوقع ضررا ماديا هائلا على »الدولة« والمرشحين، على حد سواء. لكن المشهد ربما يكون أسهل، من حيث حسابات المنافسة، إذا رجحت كفة الرأى الدستورى القائل بعدم جواز الطعن على التعديل أمام الدستورية حال تصديق المجلس العسكرى عليه.. إذ ستبقى الصورة محصورة بين فصائل رئيسية يمكن أن تتفاوض معا، لتقليص حدة الصراع .. فسيبقى - وفقا للتعديل - عمرو موسى، ناجيا وحيدا ممن نالتهم اتهامات التبعية للنظام السابق، إذ استثنى التعديل وزراء نظام مبارك من العزل (!).. وسيخوض الإخوان المعركة بخيرت الشاطر، على فرض بقائه(!)
إلا أن ترشح »الشاطر« سيقلل بدوره فرص الإسلاميين الآخرين، مثل: حازم صلاح، وعبدالمنعم الفتوح.. وسليم العوا، الذى كان يعتمد كثيرا على تأييد الجماعة (!) ورغم أن الجماعة حاولت خلال الفترة الماضية مغازلة كتلة (أبوإسماعيل) التصويتية، التابعة للتيار السلفى، بادعاء أنها كانت فى طريقها لدعمه لولا قضية »جنسية والدته« .. فهى أيضا مهددة من داخلها، إذ يعتمد عبدالمنعم أبوالفتوح - الخصم التقليدى للشاطر - على شريحة مهمة من شباب الإخوان(!).. كما أنه يتلقى قبولا بين فصائل الميدان يتجاوز بمراحل ما يلقاه »رجل الجماعة الحديدى«.. وهو ما جعله على رأس العديد من الاقتراحات المطالبة بمجلس رئاسى يمثل »التحرير« يضم إلى جواره كلا من حمدين صباحى، وخالد على، المرشحين الآخرين. إذا رجحت كفة الرأى »الفقهى« القائل بضرورة خضوع التعديل لرقابة »الدستورية«، فإن المشهد سيختلف برمته.. إذ سيبقى كل من سليمان وشفيق - بعيدين عما يتم ترديده عن احتمالات تنسيقية فيما بينهما - داخل حلبة المنافسة بصورة كبيرة. وإذا افترضنا أن أياً من المرشحين الإسلاميين: الشاطر وأبوإسماعيل، أو كليهما، أصبح خارج الحسابات، للأسباب القانونية التى تتعلق برد اعتبار الأول، وجنسية والدة الثانى .. فإن الصورة - فى ظل الاتهامات الموجهة للمجلس بحماية رموز النظام السابق من قبل بعض القوى الثورية - سوف تجعل الأمر كأنه مدبر (!) وحينها، ربما يستعيد الفصيل الإسلامى، تعاطفا جماهيريا، كان قد فقده عبر ممارسات نيابية غير ناضجة، جعلت قطاعا كبيرا ممن صوتوا له فى الماضى يعيد تقييم هذا التيار سياسيا فى الوقت الراهن. وخطورة هذا الأمر أنه سيؤدى إلى مواجهات لا تخلو من عنف، إذ سنجد من يسعى لترسيخ (فكرة الحرب على الإسلام بأوامر خارجية)، كما فعل »أبوإسماعيل« نفسه خلال لقائه وأنصاره بجامع »أسد بن الفرات« الأسبوع الماضى.. وهو ما قد يجدد موجات الاحتقان الداخلى واستهداف الأقليات الدينية (!) لكن لو هدأت الأمور، وقُبلت أحكام القضاء، فإن حسابات المشهد الانتخابى سوف تخصم إلى حد بعيد من كتلة »عمرو موسى« التصويتية .. كما سيصب انسحاب »شفيق« - على فرض حدوثه - فى مصلحة »سليمان«، الذى يمتلك، حاليا، تأييدا جماهيريا لا بأس به.. بينما يذهب أغلب »الصوت الاسلامى« إلى صف »عبدالمنعم أبوالفتوح«. إلا أنه من غير المتوقع أن تهدأ المعركة القانونية، إذ سيتجه (الثنائى) الإسلامى إلى الطعن فى شرعية الانتخابات على أكثر من مستوى.. ابتداءً من الطعون على تشكيل »العليا للانتخابات« من حيث الأصل، وانتهاء بالطعن على المراحل »الإجرائية« فى المعركة الرئاسية (!).. وهو ما سيتوازى معه - على الأقل من جانب رجال أبوإسماعيل - استكمال المعركة »الإعلامية« والخطابية حول فكرة استهداف المشروع الإسلامى (!).. فى حين ستسعى جماعة »الإخوان« إلى عدم الانزلاق أكثر خلف الخسائر، وستتحرك جاهدة لعقد صفقات هنا أو هناك تمكنها من البقاء تحت الأضواء الآخذة فى الانحسار عنها، إذ خسرت الشارع والقوى الثورية فى آن (!) إذا بقى أى من الثنائى الإسلامى الأقوى (الشاطر - أبوإسماعيل) داخل مضمار المنافسة، سيخصم هذا الأمر - تحت أى ظرف من الظروف - من الكتلة »المحتملة« لعبدالمنعم أبوالفتوح .. التى كان من الممكن أن تنحاز له، إذا ما خرج »الثنائى« من الماراثون فى التوقيت نفسه. فخروج »أبوإسماعيل« دون الشاطر، يعنى أن حرب تكسير العظام مع خصمه »أبوالفتوح« سوف تزداد اشتعالا عما هى عليه الآن.. إذ هنا سيكون الشاطر - فضلا عن بديله د. محمد مرسى - فى موقف دفاع صعب عن تماسك »التنظيم« الذى شق أبوالفتوح عصا الطاعة داخله مرتين: الأولى بقراره الترشح.. والثانية باجتذابه العديد من القطاعات الشبابية بالجماعة الداعمة لترشحه.. بينما سيرى أنصار (الشيخ حازم) فى الأمر، استمرارا للمؤامرة على شيخهم.. وهو ما تجاوز حد الاحتمالات، إلى حد التهديدات بالمواجهة العنيفة، من قبل أنصار الشيخ نفسه، عقب لقائه السالف (!) وبقاء أبوإسماعيل دون الشاطر، يعنى أن أبو الفتوح سيخسر كتلة »محتملة« جديدة كان من الممكن أن تضاف إلى صالحه، فى مواجهة سليمان وموسى وشفيق .. ولن يكون أمامه سوى السعى قُدما نحو ترسيخ وجوده بين الائتلافات أو الدخول فى تحالف رئاسى مع مرشحى الميدان. يبقى المشهد أكثر إثارة للجدل حال استبعاد الرباعى (سليمان - شفيق - الشاطر - أبو إسماعيل) بقرارات أو أحكام قضائية، إذ ستخلو الساحة تماما من أية منافسات (شعبية) يمكن أن تخصم من الكتل التصويتية لكل من: عمرو موسى أو عبدالمنعم أبوالفتوح.. وستبدو المعركة أكثر تحديدا وتركيزا بين الأخيرين دون سواهما من المرشحين.. رغم صعوبة تخلى جماعة الإخوان عن مرشحها (البديل) د. محمد مرسى.. لكن واقع الحال أنه أقل فرصا من خيرت الشاطر، إذ لن يتوحد خلفه »الصف« الإخوانى بالصورة التى يمكن أن يتوحد بها خلف سلفه (!) . بل ربما يزيد بقاء »مرسى« كمنافس على كرسى الرئاسة الموقف داخل الجماعة تعقيدا (!)
ورغم أن هذا السيناريو سيسهم إلى حد بعيد فى تهدئة الأجواء »المتوترة«، إلا أنه لاشك سوف يكون بوابة »مناسبة« لتجديد الحديث عن أن هناك »صفقة ما« بين الجماعة والمجلس العسكرى، يأتى بموجبها عمرو موسى - الناجى الوحيد من تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية - رئيسا لمدة أربع سنوات قادمة، تحتفظ خلالها الجماعة بما حققته من مكاسب تشريعية، إلى جانب تشكيلها الوزارة، بعد أن تكون الجماعة قد حققت بهذا الأمر تقويضا لكتلة تصويتية كان من الممكن أن تذهب إلى »ربيبها« فى السابق، وخصمها - الحالى - »د.عبدالمنعم أبو الفتوح« (!) وهو ما يمكن أن يجعل العديد من القوى السياسية، خاصة الثورية منها، تشعر بأنه غُرر بها أكثر من مرة.. الأمر الذى سيعيد أجواء التوتر إلى الميدان، بصورة لا يمكن أن نقطع فى الوقت الحالى أنها سوف تكون خالية، تماما، من »الصبغة الدينية«.. بعد أن عرفت بعض القوى (غير المسيسة) فى الماضى، طريقها إلى لغة المكسب والخسارة (؟!).. فالطريق إلى »قصر العروبة« ليس مفروشا - دائما - بالنوايا الحسنة (!) .. ويبقى: (كثيرون حول السلطة.. قليلون حول الوطن) المهاتما غاندى. عمر سليمان أحمد شفيق خيرت الشاطر حازم صلاح أبو إسماعيل