تغيرت خريطة الانتخابات الرئاسية تماماً بعد التطورات السريعة التي شهدتها مصر علي مدي الأيام القليلة الماضية والتي بلغت ذروتها أمس بإعلان اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق نيته الترشح لانتخابات الرئاسة استجابة لنداء حشود العباسية التي طالبته بالتراجع عن قراره السابق بعدم الترشح. وقد تزامن دخول اللواء عمر سليمان إلي سباق الانتخابات مع خروج الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل منه بعدما أعلن عن حصول والدته علي الجنسية الأمريكية.. وبالطبع المسألة هنا لا تعني مجرد دخول شخص وخروج آخر وإنما تعني إعادة رسم الخريطة السياسية وإعادة توزيع الأوزان للكتل التصويتية علي الأحزاب والتيارات المتنافسة في المعركة الانتخابية. لو استكمل اللواء عمر سليمان إجراءات الترشح وتقدم بأوراقه إلي اللجنة العليا المشرفة علي الانتخابات وأصبح مرشحاً رسمياً فسوف يؤثر بالتأكيد علي حظوظ كثير من المرشحين المتنافسين.. لكن أكثر المرشحين الذين سيضارون بهذا الترشيح اثنان.. اللواء أحمد شفيق والسيد عمرو موسي.. والثلاثة كما هو معلوم لا ينتمون إلي أحزاب سياسية وإنما ينتمون إلي جهاز الدولة المصرية العتيد حتي وإن كان الوفد قد اختار أن يدعم عمرو موسي ويعتبره مرشحه. لا أحد يعرف بالتحديد إلي الآن علي الأقل هل سيظل شفيق مستمراً في السباق أم سينسحب لصالح سليمان كما وعد من قبل.. وربما يدخل معه في صفقة انتخابية كنائب للرئيس.. ولكن إذا لم يحدث هذا فسوف يضعف المرشحان معاً.. شفيق وسليمان.. وسوف يضعف أيضاً عمرو موسي.. وتتوزع عليهم الثلاثة أصوات القاعدة الشعبية التي ينظر إليها علي أنها مؤيدة بالمجلس العسكري ومتعاطفه مع النظام السابق وتسعي إلي إعادة إنتاجه ببعض التعديلات ضماناً للاستقرار وخوفاً من اندفاع القوي الإسلامية والقوي الثورية. تضم هذه القاعدة قطاعات عريضة لا يستهان بها من طبقة الموظفين ورجال الأعمال ومؤيديهم والقوي التي مازالت تثق في المشروع الأمريكي وتتجاوب بشكل أو بآخر مع السياسات الأمريكية والإسرائيلية والخليجية وتري فيها ضمان الخلاص من الأزمات الاقتصادية والسياسية.. وهي نفس توجهات النظام القديم الذي أسسه السادات وسار عليه مبارك. وإذا خرج شفيق من السباق ودخل في معسكر سليمان سوف تتوزع أصوات هذه الكتلة بين سليمان وعمرو موسي الذي يحظي بشهرة أوسع وحضور إعلامي كبير خصوصاً في القري والمناطق الشعبية ومازال يراهن علي مصداقيته والكاريزما التي يتمتع بها. ولاشك أن الإخوان سوف ينظرون إلي ترشيح عمر سليمان علي أنه مكسب لهم وجاء في صالحهم لسببين: الأول أنه سيأخذ من كتلة عمرو موسي التصويتية.. وهي كتلة كانت تسبب أرقاً حقيقياً لا يستهان بها.. والثاني أنه سيحمي وجوههم أمام الناخبين عندما يقولون إننا غيرنا موقفنا ودفعنا بمرشحنا خيرت الشاطر لأننا كنا نتوقع أن يدفع المجلس العسكري باللواء عمر سليمان كمرشح له في آخر لحظة وقد صدقت توقعاتنا. ولا يفوتنا هنا أن نشير إلي أن إجراءات ترشيح عمر سليمان كانت قد قطعت شوطاً طويلاً من قبل الإعلان عن ترشحه أمس.. والرجل يدخل السباق قبل إغلاق باب الترشح ب 48 ساعة وفي يده التوكيلات اللازمة. ومن ناحية أخري فإن خروج الشيخ حازم أبوإسماعيل من السباق الانتخابي سيصب هو الآخر بعد حسم النزاع علي جنسية والدته في صالح مرشح الإخوان خيرت الشاطر وذلك بالنظر إلي الحوارات المكثفة التي تجري الآن علي قدم وساق بين الإخوان وحزب النور وبين الشاطر وقادة التيار السلفي الذين وإن كانوا لم يجمعوا علي تأييد أبوإسماعيل إلا أنهم كانوا يستشعرون نوعاً من الحرج الأدبي أمام قواعدهم إذا أعلنوا تفضيل مرشح الإخوان علي المرشح السلفي. وهكذا.. فبينما تتفتت كتلة عمرو موسي وأحمد شفيق التصويتية بدخول عمر سليمان تتدعم كتلة خيرت الشاطر التصويتية بخروج حازم أبوإسماعيل.. ولكن هناك تخوف آخر لدي الإخوان من أن يذهب جزء لا بأس به من أصوات الإسلاميين السلفيين تحديداً إلي د.سليم العوا نكاية في موقفهم من الشيخ حازم وعدم دعمهم له.. وغضباً من تغيير رأيهم إزاء الترشح في الانتخابات ودفعهم بخيرت الشاطر.. وهناك قطاع عريض من الإسلاميين غير الإخوان ما يزال يري في هذا الأمر خلفاً للوعد. وإذا استمر الدكتور سليم العوا في السباق الانتخابي فسوف يحصل علي أصوات مهمة من المثقفين الإسلاميين الذين يعرفون مكانته العلمية ويقدرون مشروعه التنويري.. ولكن المشكلة أن هذه القطاعات مازالت محصورة في النخبة ولم تحقق التواصل المطلوب مع الشارع والحارة والقرية والعزب.. وحتي إعلان حزب الوسط دعمه وترشيحه لن يسد هذا العجز بالنظر إلي أن حزب الوسط مازال هو الآخر حتي الآن حزباً نخبوياً. ثم هناك منافس مهم هو الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح الذي يمثل خطراً علي الجميع.. فهو شريك للمرشحين الإسلاميين في أصوات الكتلة التصويتية الإسلامية.. وسوف يأخذ من شباب الإخوان وشباب السلفيين.. وله قبول واسع لدي التيارات الليبرالية والناصرية مما يجعله بشكل أو بآخر شريكاً مهماً لكل من د.أيمن نور وحمدين صباحي اللذين يراهنان علي القوي الثورية والقوي الشبابية. والمحصلة النهائية لهذا العرض تؤكد أن المشهد الانتخابي تغير كثيراً بدخول خيرت الشاطر وعمر سليمان وخروج حازم أبوإسماعيل ومن يفكر بعده في الخروج.. وكل طرف الآن يعيد تقييم الموقف وقياس وزنه وما دخل عليه بالخصم والإضافة. وأتمني في هذا الإطار ألا يهمل الجميع عنصراً مهماً وجديداً طرأ علي السباق الانتخابي إزاء ما نشهده من انقسام الكتل التصويتية وتبادل الاتهامات وتغيير المواقف والتقلبات السريعة التي لم نتعود عليها من قبل.. هذا العنصر الجديد هو الألم النفسي الذي أصاب المجتمع المصري بالإحباط وعدم الثقة.. وقد ينعكس ذلك في الإحجام عن المشاركة في الانتخابات فيعيدنا إلي نسبة ال 10% من أصوات الناخبين بكل ما يحمله ذلك من عيوب وأمراض.. وعندما تفتح صناديق الانتخابات تصرخ في وجوهنا: الشعب غاضب.. الشعب مقاطع. إشارات: * قال فضيلة المفتي: "السياسة نجاسة" وهو يعني السياسة بالمفهوم الغربي.. السياسة بلا أخلاق ولا ضمير.. أما في تراثنا العربي الإسلامي فالسياسة تاج العلوم.. فلماذا نستسلم للمفهوم الغربي؟! * لو ثبت أن والدة الشيخ حازم أبوإسماعيل لا تحمل الجنسية الأمريكية فسوف يعود إلي السباق أكثر قوة.. وربما يكتسح. * يا د.جنزوري.. توشكي ليست لأهل أسوان والنوبة فقط.. توشكي يجب أن تكون لكل المصريين القادرين علي الزراعة والإنتاج والعمل بجد.. وسعوا الدائرة.