حينما يتفق شعب على هدم وطن، وحينما يكون الغباء والنرجسية هما سيد الموقف، وحينما تتكون دويلات داخل الوطن الواحد، وحينما يكون أرذل القوم سيدهم، تكون أنت فى دولة مباركستان. لقد فقدنا معانى كثيرة ومبادئ عظيمة كانت هى المكون الأساسى لشعبنا العريق، فحين تكون داخل دولة لا تعيش آمنا فيها على نفسك وأولادك وسيارتك، وحين يعتلى نواب الشعب مراكزهم بكيلو سكر وباكو شاى، وحين يكون التوكيل اللازم للترشح لرئاسة الجمهورية بثلاثين جنيها، وتكون هناك لجنة يرأسها قاضٍ شهد عليه أكثر من مائة قاضٍ بكذبه، وتلك اللجنة قراراتها غير قابلة للطعن ولا الاستشكال ولا الاعتراض، فأنت تكون بدولة مباركستان، وتكون داخل منظومة منتظمة شكلا وفاسدة موضوعا.
فالغالبية العظمى لا تعمل لصالح هذا الوطن، إنما كل يعمل لفئته، لذلك لا تعجبوا من المظاهرات الفئوية، فنحن نعيش عصر الدويلات، فبدويلة القضاء تجد القضاة يتحزبون ضد المحامين، والمحامون يتحزبون ضدهم، والإعلاميون يتجمهرون كى يحصلوا على مغانم قانونية تتيح لهم مزايا أعلى، ومن يعملون بالبترول يقبضون أعلى ممن يعملون بوزارة الصحة وكأن البترول بترولهم، ومن يعمل بقطاع البنوك أعلى مرتبا ممن يعمل بوزارة الأوقاف، لأن الأوقاف تعمل على نشر الأخلاق، لذلك يجب أن تهبط مرتباتهم أسفل سافلين، أما أهل البنوك فهم يتعاملون بالنقد والمثل يقول طباخ السم دواقه، وهكذا انقسم العمل الوظيفى العام لدويلات فئوية منها المحظوظ ومنها دون ذلك وكانوا طرائق قددا.
ودويلة الجامعات ليست أقل نرجسية من سابقيها، فلا علم يتم تطويره، ولا تعليم يتم أداؤه لكنهم جميعا يسعون لتقوية كادرهم الخاص، لذلك استشاط المعلمون بالمدارس غضبا فأنشأت لهم وزارة التربية والتعليم الكادر الخاص كى تميز فئة المعلمين عن فئة الإداريين داخل الوزارة، وحتى تتشكل دويلة المعلمين بالمدارس، كدويلة المعلمين بالجامعة، ألم أقل لكم بأننا دويلات، فبالأمس القريب كانت مصر إقطاعيات فهذه إقطاعية المماليك البحرية، وتلك كانت تسمى بالمماليك الشرقية، وهكذا، وكان نظام الضرائب يخضع لنظام اسمه المحتسب الذى كان يدفع ضريبة قطاع معين للدولة ثم يقوم هو بجمعه من أفراد ذلك القطاع من المصريين أضعافًا مضاعفة، وبعهد مبارك كانت بجمهوريته المسماة مباركستان أبعدية الداخلية التى كانت تحكم وتتحكم فى الشعب بالحديد والنار.. وهكذا فنحن دويلات وأبعديات داخل الدولة، لذا لا تعجب أن يكون الحقد الطبقى هو سيد الموقف.
وعودة لمن اعتلوا المناصب من أعضاء مجلس الشعب بالذات، ومجلس الشورى، أو الذين يتسابقون الآن على مقعد الرئاسة، إنهم فى غالبهم يمثلون منظومة فساد وإفساد لهذا الشعب، فحين تكون الرشوة الانتخابية هى سيد الموقف، فإننا نكون بصدد منظومة انهيار أخلاقى من القمة إلى القاع، كيف نسمع ونستسيغ من السيد رئيس المجلس وهو يقول النائب المحترم فلان الفلانى... اجلس، ونحن نعلم بأن هذا المحترم أصبح محترما بكيلو سكر وباكو شاى، أو كيلو لحمة، أو بوريقات كثيرة من فئة العشرين جنيهاً كانت تتوالى من جيبه كالمطر ليشترى أصوات الفقراء من الشعب.. وما أكثرهم، حتى وصل هو لمقعد بالمجلس الموقر ويكون هو النائب المحترم، كيف ننتظر خيرا من نائب هكذا حاله.. وما أكثرهم!
والمنظومة القانونية التى اشترطت الحصول على ثلاثين ألف توقيع لزوم قبول الترشح لرئاسة الجمهورية، جعلت من نفسها وسيلة من وسائل إفساد الشعب، بل التمييز الطبقى، فهذا شيخ للمسجد يحمل ميكروفونا يخطب فيه بالناس ويروج لنفسه أو لزميله الشيخ فى دويلة الشيوخ لينتخبه الشعب رئيسا للجمهورية، وإلا دخل الشعب نار جهنم خالدا فيها، وهذا آخر معه مليون من الجنيهات لينفقها وليشترى أصوات الثلاثمائة ألف توكيل وليضعهم فى عربة لورى ليذهب إلى اللجنة العليا للانتخابات ليسلم حمولة اللورى من التوكيلات المطلوبة للترشح، بينما هناك من المرشحين من لا يملك هذا المبلغ لذلك لن يدخل سباق الرئاسة.
ولا يقتصر الأمر على الرشوة الانتخابية وانعدام الأخلاق والإرهاب، بل هناك زيف يتم تصنيعه ووهم يتم تكبيره، فإن استغلال عدم فهم البسطاء من شعب مصر للتأثير عليهم بمنظومة الدين ومصطلحاته هو أكبر وأشهى طبق يسعد البسطاء وهم لا يشعرون، لذلك تم التلاعب على الأربعين بالمائة من الأميين من شعب جمهورية مباركستان ليهرولوا لصناديق الانتخاب خوفا من غرامة الخمسمائة جنيه لمن يتخلف، فدخلوا فى دين الله أفواجا وانتخبوا ابن الدايرة السلفى أو الإخوانى الذى لم يمارس العمل السياسى يوما، حتى يكون مجلسنا الموقر خاليًا قدر الإمكان من الخبرات.
وجماعة الإخوان منذ أن أعلنت رغبتها تطبيق الشريعة ويعاونها فى ذلك حزب النور السلفى لا نجد بدولة مباركستان إلا انهيارا لشريعة الله، لأن أعضاء حزبى «الحرية والعدالة وحزب النور» لم يضعوا منظومة الأخلاق ضمن فهمهم عن الشريعة، لذلك تجدهم يكذبون ويناورون، والشعب من ورائهم يكذب ويتجمل، والجميع يبحث عن تطبيق الشريعة بسن قوانين حد الحرابة ووقف قانون الخلع وتنظيم التظاهر وقانون السلطة القضائية والصياح لأجل تفعيل بتر يد السارق.
وتجد الإخوان يريدون تشكيل وزارة بدلا من وزارة الراجل العجوز القادم من العهد البائد، وأن يكون منهم رئيس بدلا من المخلوع، وانشغلوا بأغلبيتهم فى تأسيسية الدستور، وأعجبتهم كثرتهم، فشكرهم «ماكين» وشكرتهم «كلينتون» وزيرة الخارجية الأمريكية على دورهم لصالح المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الأجنبى، وكلها صفقات مشبوهة، لكنها عما قريب ستكون وبالا عليهم، وعموما الجميع يكذب ويتجمل ويرى أنه يسعى لرضوان الله بأن يضحى بمصالح وأخلاق الشعب، ويساعد على إفساده، فضلا عن هضم حقوقه، فذلك هو ما تم تطبيقه من شريعة بدولة مباركستان.
لذلك فالطريق إلى الفشل وهدم الدولة يجرى رصفه على قدم وساق، لأننا فقدنا الرشاد الفكرى فى الإصلاح، ودفعنا بمقومات النرجسية والفئوية والمصالح الحزبية ومبادئ المصلحة الخاصة لتأكل الأخضر واليابس، بل نحن نقوم بالتعميق والعمل على تجذر سوء الخلق وانعدام الضمير بجمهورية مباركستان، ونساعد على استمرار تقسيم الوطن إلى دويلات بخلق نظام المرتبات والكوادر الخاصة، لذلك لا نعجب إن كان الجيش يريد له إقطاعيات خاصة وليكون فوق المساءلة فكل يعمل على رفعة دويلته داخل جمهوريتنا العزيزة مباركستان، وكان من المتعين أن نفطن بأن الدول لا تصنعها إلا مبادئ الإخلاص للوطن وليس الإخلاص للانتماء الحزبى أو الفئوى، وأن استغلال فقر الشعب جريمة فى حق الوطن، وأنه لا خير يمكن أن يقدمه الراشى إلا إهلاك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وأن الرجل المناسب يصنع تاريخه بعرقه منذ عشرات السنين قبل أن يرشح نفسه رئيسا للجمهورية أو نائبا للشعب، فالمناصب الجادة لا تصنعها رغبات محمومة للسيطرة فى غفلة يستغلها من يستغلها.