كل صباح أنظر فى مرآة كبيرة للمراجعة.. بنطلون كلاسيكى متسع لا يظهر أى مفاتن، بلوزة أو جاكيت طويل وواسع، لا فتحات فى الصدر ولا اكسسوارات على الإطلاق، شعر قصير خفيف لا يوحى بأى إغراء، مكياج بسيط جداً.. وعلى ظهرى أحمل سنوات عمر من المفترض أن تقينى عذاب التحرش الجنسى اليومى. 20 ألف جريمة تحرش فى العام بمعدل حالة كل 27 دقيقة هكذا تقول الدراسة.. وأؤكد أنا الموقعة أدناه ومن خلال رحلتى اليومية أن الحقيقة أن 27 سيدة أو فتاة تتعرض للتحرش كل دقيقة. أتوكل على الله وأنزل إلى الشارع بعد دعاء بالصحة والستر لأولادى. فى الشارع الفرعى تطاردنى نظرات كبت جنسى من رجال الأمن الخاص ومنادى السيارات وبعض الحراس - معظمهم يؤدون الصلاة على الرصيف فى مواعيدها ويقرأون القرآن بصوت مسموع - لا أسمع كلمات جارحة ولكن أشعر بنظرات جائعة تقتحم كل جزء فى جسدى.. فأعود للدعاء بالحمد أننى على الأقل لا أسمع. فى الشارع الرئيسى حيث يتحرر الرجال من التزامات الوظيفة والمعرفة ينطلق سيل الكلمات البذيئة والنابية والمهينة التى تخرق أذناى وجسدى وروحى.. أكره نفسى وجسدى واليوم الأسود الذى بدأ. دراسة للمركز المصرى لحقوق المرأة تؤكد أن التحرش بالألفاظ البذيئة تبلغ نسبته 30 فى المائة وأن 30 فى المائة من المعتدى عليهن تعرضن له بشكل يومى.. إذن أنا واحدة من ال30 فى المائة ولكنى أجزم أن كل من تمر بأى شارع فى القاهرة تتعرض للألفاظ البذئية كل يوم. أشير إلى أول تاكسى واهمة أننى أحتمى من الشارع، وسواء كان صوت الكاسيت داخله يردد آيات القرآن أو الأغانى الشعبية الفاضحة تكون النتيجة واضحة.. ألاحظ تنقل نظرات السائق الفاضحة - مهما كان عمره شابا أو عجوزا - إلى كل سيدة أو فتاة تسير فى الشارع تعريها وتفضحها.. وغالبا يفلت منه تعليق بذىء ثم تبدأ مرحلة تهدئة السرعة على أمل أن تصعد الزبونة وتقترب أكثر.. أخيراً أصل إلى عملى وأحمد ربى! أعتبر نفسى محظوظة حيث لا أتعرض للتحرش فى عملى، لأن دراسة أخرى تقول إن 89 فى المائة من النساء يتعرضن للتحرش فى العمل يحدث هذا فى المصالح الحكومية والمصانع والمتاجر ويكون من زميل أو رئيس. فى رحلة العودة أفضل السير قليلا فى شارع قصر العينى لأتفادى الزحام الشديد، وتبدأ مرحلة جديدة من التحرش تختلف باختلاف المكان حيث يقترب الموتوسيكل منى كثيرا وأسمع وصلة من المعاكسات الخادشة للحياء.. مرتين، ثلاث، أربع.. العدد يعتمد على مدى بطئ إشارة المرور.. أما الأيام التى يفتحها الله على الإشارة فلا تتوقف التاكسيات وإنما السيارات الخاصة التى تقترب من الرصيف وتهدئ من سرعتها وتطل رأس صاحبها فى دعوة صريحة للفسوق.. وفى كل مرة يطاردنى نفس السؤال ما هى الأفكار التى تدور فى رأس هذا الرجل التى تجعله يأمل أن سيدة فى سنى ومظهرى من الممكن أن تصعد إلى سيارته؟ والغريب أن بعض السيارات الخاصة كانت تطاردنى وإلى جوارى ابنى حين كان عمره 7 سنوات وأعود لأتساءل ما الهواجس الجنسية التى تسيطر على رجل ليس لديه مانع من اصطحاب سيدة وابنها؟! يعود الزحام وتقل المسافات على الرصيف فتبدأ احتكاكات وارتطامات مقصودة وتمد الأيدى إلى مناطق حساسة فى الجسد المنتهك الذى هو جسدى. وبعيداً عنى وأمامى وفى زحام من السيارات والتاكسيات والميكروباصات والموتوسيكلات والمتاجر والرجال وبحراسة الشرطة تتعرض كل من تسير فى الشارع سيدة أو فتاة، محجبة عن حق أو محجبة عن موضة لكل أشكال التحرش الجنسى باللفظ واللمس والاحتكاك العنيف، ولا أحد يشكو ولا أحد يتدخل وكأن التحرش بالمرأة فى شوارع القاهرة قد أصبح عادة وممارسة طبيعية لا تدعو للتوقف أو حتى للتعجب! تشرح دراسة لمنظمات نسائية مع صندوق الأممالمتحدة الإنمائى تعد هذه الظاهرة من التبلد الاجتماعى والأخلاقى حيث توضح أنها مبررات للقبول الاجتماعى والصفح عن العنف الجنسى ترجع إلى رغبة المجتمع فى عقاب المرأة على التمرد على دورها التقليدى فى المنزل وإعاقة النساء الحاصلات على وظائف بحجة ارتفاع معدلات البطالة. هذا التسامح مع التحرش الجنسى يشمل النساء حيث يرى معظمهن أن السبب فى ذلك الملابس المثيرة التى ترتديها الفتيات والتى تثير غريزة الشباب الذى يعجز عن الزواج بسبب الفقر والبطالة. وبالرغم من أن التحرش الجنسى تتعرض له النساء من كل الأعمار والطبقات الاجتماعية ولا يفرق بين المحجبات وغيرهن.. إلا أننا نفضل أن ندفن رؤوسنا فى الرمال ونكذب ونتهم فيلم 678 الرائع بتشويه سمعة مصر. بالمناسبة آخر حادث تعرضت له كان على يد طفل فى عمر ابنى حيث تعمد أن يمسك بيدى وأنا أقدم له النقود أمام الكشك الصغير فى شارع جامعة الدول العربية بينما كانت تجرى أمامى ثلاث فتيات محجبات هاربات من حصار عدة أطفال.. وكان الجميع يشاهد ويتفرج وينتظر الأسوأ.