أراد الله أن أمر بتجربة صحية مريرة.. كان أمر ما بها هو اكتشافي لهذا المستوي المنحط الذي وصل إليه حال الكثير من الأطباء في مصر - وكلهم بدرجة أستاذ دكتور! - وكلهم رؤساء أقسام في جامعات مهمة! اكتشفت في تجربة واحدة مدتها أربعة أشهر من التشخيص الخاطئ والعلاجات الخاطئة.. أنني أمام أطباء اختل عندهم معيار الأخلاق ومعيار الضمير.. والأسوأ من ذلك - في حالة الطب بالتحديد الذي يتعامل مع حياة الإنسان - أنهم بلا علم يستحقون عليه هذه الدرجات العلمية وهذه الأسماء الرنانة! لقد أضاف هؤلاء - علي مدي أربعة أشهر من التشخيص غير الصحيح - أنهم أعطوني أدوية تسحق جسدي النحيل تتعارض تماما مع حالتي التي لم يشخصوها! وتزيد من مضاعفات المرض الأصلي الذي كان يجب أن يكتشفه أي طالب في إعدادي طب.. والذي كانت أعراضه تكاد تنطق في ضربات قلبي واضطراب تنفسي وآلام معدتي ونحول جسمي حتي أنني فقدت خمسة عشر كيلو في أربعة أشهر.. تساوي حوالي 17% من وزني!! • مدي الحياة هل أزيدكم جرعة أخري من مرارتي؟! دخلت مستشفي السلام الدولي وأنا في حالة يرثي لها بعد أربعة شهور من غفلة الأطباء التي أوصلت جسدي إلي وضع لا يصلح له إلا (توصيل المحاليل).. وهناك قيض الله طبيباً شاباً ليطلب مني بعض التحليلات البسيطة جداً التي كان يجب أن يطلبها مني الأطباء الأساتذة منذ أربعة شهور.. وبعد أن اكتشفت أن مرضي الأصلي الذي لم يتم تشخيصه هو «زيادة في إفرازات هرمون الغدة الدرقية» وبعد السونار والمسح الذري اللذين أثبتا أن الغدة سليمة تماما من حيث الحجم والأنسجة وأن المشكلة الوحيدة بها هي هذه الزيادة في الإفرازات. وبعد عرضي علي اثنين من أساتذة الغدد.. فوجئت بهما - كل علي حدة - يختاران لي الوسيلة غير المنطقية - من وجهة نظري - في العلاج.. والتي تعتمد علي ما يسمي باليود المشع الذي يحرق الغدة.. والذي يحولني إلي مريض دائم حيث إنني يجب أن أتناول علاجاً يعوض إفراز هذه الغدة - التي سيقضون عليها باليود المشع - مدي الحياة ! • فقدان الثقة.. وفيض الرحمة وعندها كان لابد من السفر إلي الخارج بعد فقدان الثقة - رغما عني - في كل من يرتدي «بالطو أبيض» في ربوع مصر. الأدوية الخاطئة قبل التشخيص والأدوية الكثيرة المتضاربة بعد التشخيص.. والتحاليل ذات النتائج المتضاربة في أكبر المعامل وأشهرها.. هذا هو ما قصدته بوصف «المستوي المنحط» الذي ذكرته في بداية هذه الكلمات التي لم أكتبها لاسترجاع المرارة.. ولكن أكتبها للإشارة إلي فيض الرحمة التي أمدتني بها عناية الله في المستشفي الأمريكي في باريس والمتمثلة في البروفيسور (رولاند دوميت) أستاذ الغدد الصماء الذي يتمتع بضمير مهني لو تم توزيع جزء منه علي كل هؤلاء الأطباء الذين تعاملت معهم في هذه الأزمة لصاروا أفضل حالا.. علما.. وأخلاقاً. أصر الرجل علي أن يفعل كل ما هو صحيح.. وبدأ بإعادة التحاليل . بعد أن شككت نتائج التحاليل التي أجريتها في واحد من أكبر معامل التحاليل بمصر في نفسها! وتعارضت بشكل فج مع نتائج التحاليل الصحيحة التي أجريتها في مستشفي السلام الدولي بالمعادي. ثم قرر أن يبدأ بالطريقة الأخري في العلاج التي لا تحولني إلي مريض مدي الحياة.. وقال إن طريقة «اليود المشع» يجب أن تكون الاختيار الأخير الإجباري في حال عدم استجابة الغدة الدرقية للعلاج الآخر المعروف عالميا.. باسم نيوميركازول.. والذي رفض الأطباء في مصر محاولتي معهم أن نبدأ به.. مع العلم بأنني لم أشر له من قريب ولا من بعيد بما دار بيني وبينهم من مناقشات! وعندما طلبت من الدكتور (رولاند دوميت) أن يعطيني دواء لتهدئة ضربات قلبي رفض قائلا: إن السعال الذي يسمعه مني يجعله يشك بأنني مريض ربو، ناقشته طويلا في أنني لست مريض ربو.. فرفض أيضا. عرضت نفسي علي طبيب صدر هو الدكتور (استيفان لارسي) في نفس المستشفي.. فقال لي بعد فحص مطول أنه لا يستطيع أن يحسم مسألة الربو إلا باختبار دقيق، ولكن أول موعد لهذا الاختبار بعد أسبوعين لأنه يجري مرة واحدة في الأسبوع.. ولما كانت الفترة طويلة فقد عدت للدكتور «دوميت» فما كان منه إلا أن اتصل بطبيب الصدر ليتناقشا سويا في حالتي.. وفي نهاية المناقشة استقرا علي عدم إعطائي هذا الدواء المهدئ لضربات القلب.. مادامت توجد شبهة ربو.. لأن هذا الدواء في هذه الحالة سيضرني بشكل كبير. • فوضي الدواء ولتكتشفوا معي مدي جرائم بعض الأطباء في مصر أقول لكم إنني قبل أن أغادر مستشفي السلام الدولي بيوم واحد جاءني أستاذ دكتور في الغدد الصماء وكتب لي هذا الدواء المهدئ لضربات القلب برغم حالة السعال الرهيبة التي رآها بنفسه وبرغم أن الأطباء الذين رأوني قبله في جميع التخصصات كانوا يعطونني اثني عشر دواء أتناول منها ثلاثا وعشرين جرعة يوميا! والحمد لله أنني توجست خيفة من تناول هذا الدواء فلم أتناوله (ظللت بعد خروجي من المستشفي ولمدة ثلاثة أيام أعاني من ارتفاع مستمر في درجة الحرارة.. وتشنجات شديدة بالمعدة تؤدي إلي القيء.. ولم تتوقف هذه المعاناة إلا بعد أن توقفت عن تناول جميع الأدوية بلا استثناء). • لماذا أكتب هذا المقال؟! أكتبه ربما ينتبه المسئولون في نقابة الأطباء وفي كليات الطب إلي مشكلة تشخيص إفرازات الغدة الدرقية في مصر.. بعد أن علمت أن هناك أكثر من 2 مليون مصري مصابون بها.. يعاني أغلبهم بسببها معاناة شديدة تبدأ مع التشخيص الذي يتأخر كثيرا ولا تنتهي مع عدم فاعلية الأدوية المستخدمة في العلاج، حيث لا توجد رقابة (حقيقية) علي النسب المفروض وجودها في المادة الفعالة في الأدوية المصنعة في مصر. أكتبه.. لكي ينتبه القارئ إذا زاد وزنه أو قل بلا مناسبة.. لا قدر الله، أو إذا جاءته ضربات قلب سريعة وأجري فحوصات القلب ووجده سليما.. عليه في هذه الحالة - حتي إن لم يطلب منه الأطباء ذلك - أن يجري تحليلا للهرمونات في مكان موثوق به.. بصرف النظر عن شهرة هذا المكان.. وإجراء تحاليل الغدة الدرقية خطوة وقائية قد تنفعه نفعا كبيرا ولكنها بالتأكيد لن تضره. أكتبه.. حتي تنتبه طبيبة القلب الشهيرة التي ذهبت إليها بمجرد ظهور الزيادة في ضربات القلب و(النهجان).. وأن تتذكر أنه في حالة سلامة القلب - كما قالت لي بعد أن مررت بكل الأجهزة التي في عيادتها (وكله بحسابه) - فإن عليها أن توجه المريض لعمل فحص إفرازات الغدة الدرقية.. وألا تكتب للمريض أدوية لحساسية الصدر كما فعلت.. لأن هذا يؤذي المريض ولا يفيده. أكتبه.. لكي ينتبه جراح الكبد والجهاز الهضمي الكبير الذي لجأت إليه بسبب الآلام الشديدة للمعدة - وهو أحد عوارض الإفرازات الزائدة للغدة الدرقية - أنه يشغل نفسه بأعمال كثيرة خارج نطاق الطب.. وأنه يؤذي مرضاه بتشتته وعدم تركيزه.. حتي أنه نسي أن عنوان رسالته للدكتوراه - كما ذكر لي فيما بعد - هو: العلاقة بين أمراض الغدة الدرقية وأمراض المعدة!!، ومع ذلك لم يطلب مني أن أقوم باختبار هرمونات الغدة هذه! بل وأعطاني أدوية ساهمت هي الأخري في تفاقم حالتي حتي اضطررت للسفر إلي الخارج! أكتبه.. حتي أشكر النزاهة العلمية والرقي الإنساني الذي يمثله الدكتور (رولاند دوميت).. والمنظومة الطبية المحترمة التي يعمل في سياقها وكذلك المنظومة السياسية والإنسانية التي تنتج مثل هذه النزاهة والرقي. .. وبعد فكل كلمة كتبتها هنا أملك مستنداتها بخطوط أيدي كل الأطباء الذين آذوني في مصر أو كادوا يؤذونني.. ومع هذا لم أذكر أسماءهم لأنني لا أريد أن أحول «قضية تراجع منظومة الطب في مصر» إلي مسألة شخصية. الجانب الشخصي في الموضوع وحقي عند هؤلاء أنتظره من عند الله سبحانه وتعالي. أما الجانب الموضوعي.. فهو أن منظومة الطب في مصر في تراجع شديد (يشهد علي ذلك أن كل الكبار في مصر لا يعالجون بداخلها) هي قضية تحتاج إلي مناقشة واسعة بعد أن استشرت ثقوب الضمير علي حد تعبير الدكتور أحمد عكاشة. •• إنني أتمني من الله تعالي أن تنتهي محنتي سريعا.. بعد أن قضيت شهوراً في حالة ألم بدني ونفسي رهيب.. كانت إحدي علاماته تلك الكمادات التي كنت ألجأ إليها لتخفيض درجة حرارة البدن. أما الروح - وطبقا لمعلوماتي - فلا توجد لها كمادات تخفض درجة ما بها من ألم علي ما وصلنا إليه. هل كان الدكتور رولاند دوميت هو نقطة الضوء الوحيدة في هذه التجربة المؤلمة؟! أبداً.. لقد كان هناك أيضا الطبيب الشاب أحمد خطاب الذي أرسله لي الدكتور مجدي الصيرفي، حيث كنت أرقد في مستشفي السلام الدولي.. وكذلك طاقم التمريض بالمستشفي الذين تحملوا عصبيتي الزائدة التي اكتشفت أيضا أنها ملازمة لأي خلل في إفرازات الغدة الدرقية.. وقاكم شرها وشر جميع الأمراض.