.. يوم 20 نوفمبر يوافق عيد الميلاد الثالث والثمانين لأبويا الجميل محمود السعدني يرحمه الله ويحسن إليه، وفي نفس هذا اليوم جاء إلي الحياة جدي لأبي عثمان محمد السعدني وأيضا جد أبويا الشيخ خليل، والأغرب أنني جئت إلي الحياة. في نفس هذا اليوم، وكنت أحبه وأعشقه ليس لأنه اليوم الجامع لكل هؤلاء السعادنة، ولكن لأنه اليوم الذي شهد مولد أغلي الناس وأحب الناس، وأكثرهم رقة وعزوبة ورحمة ببني البشر السعدني الجميل محمود، واليوم وقد مر علي رحيله ستة أشهر بالتمام والكمال، لم تتحقق أي من الوعود التي تحمس لها أصحابها وهي وعود دائما ما تصدر من أصحابها في لحظة انفعال، وللأسف البعض منهم كان في لحظة افتعال تماشيا مع موجة الحزن العام التي ألمت بالنفوس والقلوب والعقول التي ارتبطت بالسعدني كاتبا وأديبا ومثقفا وصحفيا وإنسانا.. ومع شديد الأسف، فإن هذه هي أسوأ عاداتنا، فنحن أمام الفرح وأمام الحزن نبالغ كثيرا، بل إننا نجيد فن المبالغة، ونباري بعضنا بعضا في هذا الشأن لقد استمعت إلي وعود معسولة ذهب البعض إلي أقصي مدي ممكن وصرح البعض الآخر ووعدوا بتماثيل تزين أماكن بعينها ووعدوا بإطلاق اسم السعدني علي النادي النهري الذي أنشأه وأفني سنوات طويلة من عمره من أجل النهوض به ووعدوا بإطلاق اسمه علي أحد الشوارع في معشوقة وأقرب مكان إلي قلبه علي وجه البسيطة الجيزة وقالوا سنصدر طابعا للبريد يخلد ذكراه، ودعا البعض إلي إصدار عملة تحمل صورته وتاريخ ميلاده وتاريخ رحيله، ولكن مع شديد الأسف لم يتحقق شيء من ذلك كله، وأعتقد أن شيئا لن يتحقق أيضا لأننا تعودنا تماما تبعا لسلو بلدنا وسلوكنا العام أن نركب موجة الحماس، ونعلو بها إلي الحد الأعلي، وكما ارتفعنا بها إلي عناء السماء نهبط بها بسلامة الله إلي سابع أرض وكأن شيئا لم يكن، وبلاهة الأطفال الأغبياء ترتسم علي وجوهنا، رحم الله العمالقة الذين مروا بحياتنا، وانهالت بعد رحيلهم الوعود وأحيل عليها وعليهم التراب بعد أن فتر الحماس، وعادت الحياة إلي طبيعتها ومشاكلها ومشاغلها التي لا مكان فيها لمن غادروها !!