كنت أظن أن خيال محمود السعدني أقوي ما فيه فهو إذا تحدث أضفي علي ما يكتب وما يقوله صورا يستمدها من خيال أوسع من عقليات العلماء. وذمم المرابين لكن مذكرات الولد الشقي أثبتت أن ذاكرة السعدني أقوي من خياله كامل الشناوي عرف الناس محمود السعدني في كتاباته الصحفية بدعاباته المثيرة وسخريته اللاذعة حتي أوشكت هذه الصورة أن تطمس عند الناس ملامح فنان أصيل يناقض في حقيقته ما يبدو أحيانا في مقالاته ومجالسه الشخصية من قلة مبالاة بمشاعر الآخرين وما قد يثيره في نفوسهم نقده الجارح من ألم وحرج. والحق أن السعدني في قرارة نفسه وفي كتاباته الفنية من أكثر أدبائنا تعاطفا مع الناس وإحساسا بشقاء من قست الحياة عليهم أوقضت عليهم الظروف بالجهل أو الحرمان أو جعل تكوينهم النفسي علي قدر من السذاجة لا يستطيعون معه أن يواجهوا مواقف الحياة كما يواجهها الناس. د.عبدالقادر القط كان الزميل محمود السعدني فنانا جريئا عندما اختار شخصيات مسرحية النصابين ورسمها في خطوط صريحة واضحة.. ولكنه بدأ يفقد جرأته وهو يحرك هذه الشخصيات ويستغلها.. بل إنه بدأ يفقد محمود السعدني نفسه ويحاول أن يبدو في شخصية أكثر جدية ووقارا. كأنه لم يعد يؤمن أن محمود السعدني الساخر أكثر تجددا من محمود السعدني الوقور.. وخيل إلي في بعض المشاهد أن السعدني ترك شخصياته وقال لا اتكلموا علي كيفكم.. ورغم ذلك فهذه اللمعة الفنية التي يمتاز بها السعدني تشدك إلي المسرحية من أولها إلي آخرها, وتجعلك تحب شخصياته حتي لو كانت تتحرك بأسرع من المنطق!.. إحسان عبدالقدوس محمود السعدني المتشوق دائما للحنان والعطف تشوق الشجرة الظمآنة للماء, الإنسان الأمين مع نفسه إلي حدود العري والتجرد, ومحمود السعدني الخائف أيضا إلي حدود الذعر, يقض مضجعه خوف بتار قاس لا يرحم هو الخوف من الموت. د.عبدالعظيم أنيس