استأذنت رئيس تحرير مجلة صباح الخير الأستاذ محمد عبد النور في سؤال الابنة البكر للصديق والزميل الغالي د. مصطفي محمود عن الرسائل التي كان يتلقاها درش من رفيق عمره الذي كان يرسم له مقالاته الشهيرة في مجلة صباح الخير بعنوان «يوميات نص الليل». ولم يكن مصطفي محمود يكتب يومياته في منتصف الليل، ولكنه كان يحب الكتابة بعد صلاة الفجر، وهو جالس في سريره، ويضع لوحا خشبيا علي مخدة تستند إلي ركبتيه ثم يكتب ما يعن له من خواطر، أو يناقش موضوعات تمس حياة الإنسان. كان القراء يتابعون هذه الموضوعات بشغف وكان الرسام الفنان رجائي ونيس رفيقه بالرسم في صفحتي يوميات نص الليل لسنوات كثيرة. ثم هاجر الفنان رجائي ونيس إلي أستراليا ليعمل رساما في مستشفي يعالج المرضي النفسانيين بالرسم. ولكنه لم ينقطع عن مراسلة أصدقائه وزملائه في صباح الخير. أرسل رجائي رسائله إلي مصطفي محمود أولا ثم إلي جورج البهجوري ثانيا ثم إيهاب شاكر ومن آن لآخر لبعض الزملاء. وأرسلت أمل مصطفي محمود أولي هذه الرسائل إلي رئيس تحرير صباح الخير الذي رحب بنشرها ونترككم مع أمل مصطفي محمود ورسائل رجائي ونيس إليه. صداقة عبر القارات قلبت في أوراق أبي الخاصة فعثرت علي صداقة عبر القارات ،أجمل الأيام وأحلي الذكريات هي أيام الشباب، حيث الكفاح والعمل والاستمتاع بكل لحظة وكل شيء ولو بسيط، الضحك من القلب والجميع ينعم بالسعادة والرضا. هذا الوصف ينطبق علي شلة صباح الخير في أوائل الستينيات أدباء ومفكرين مثل أبي والكاتب السياسي الكبير أحمد بهاء الدين والصحفي المرموق المتميز لويس جريس والأستاذ الكبير ورئيس التحرير إحسان عبد القدوس. وفنانين ورسامين مشاهير مثل الفنان الكبير جمال كامل، يوسف فرنسيس، جورج بهجوري، ورجائي ونيس ولعشق أبي لجميع أنواع الفنون وعلي رأسهم الرسم، فقد جمعته صداقة وطيدة بهم جميعا، وخاصة رجائي ونيس. والمتأمل في لوحات الفنان رجائي التي رسمها لأبي يلمس مدي العمق والفهم لطبيعته، حيث يستخدم اللونين الأخضر والأصفر بجميع درجاتهما ليعكس ما يخفيه مصطفي محمود من براءة ونقاء وعمق وتأمل وميل للفطرة والبساطة وحب الحياة والعطاء. لذا فقد تأثر الفنان رجائي بأبي وفكره وفلسفته، وعلي الرغم من النجاح الذي حققه رجائي في فترة وجيزة مع صغر سنه في هذا الوقت وحداثة عهده بالصحافة -- فهو أصغرهم سنا إلا أن علاقته بأبي جعلته يطرح عدة أسئلة.. ما هي رسالة الفن في حياتنا ؟ هل هي الإحساس بالجمال وإطلاق الفنان للخيال ؟ أم تجسيد الواقع والتعبير عنه ؟ أم الثورة عليه ؟ قال له أبي أنت يا رجائي فنان موهوب متميز وحساس ويجب أن تكون لديك رسالة تخدم البشرية، فبدأ رجائي يبحث عن هدف إنساني للرسم حتي وجده في أستراليا.. الفنانون هناك يعالجون المرضي النفسانيين بالرسم، ونجح الفن في كثير من الحالات التي فشل فيها الدواء وجلسات الكهرباء، حيث يعبر المريض عن مشاعره ومعاناته بصراحة أكثر علي الورق في صورة خطوط وألوان، ويخرج المريض الشحنات السلبية بداخله ليتمكن الطبيب البشري من فهم خفاياه، وتقديم العلاج الأمثل. هاجر رجائي لأستراليا حيث الهدوء والجمال والعلاج بالفن، ولكن لم تنقطع أواصر الصداقة الجميلة بينه وبين أبي، وظل يراسله. وتأملوا معي هذه الكلمات، وكم تحمل من حنين وحب وشوق للوطن. ( الذكريات الحلوة.. أفلام زمن الأبيض والأسود.. سنبكي مع رومانسية أغاني عبد العزيز محمود.. سنتهادي علي كورنيش النيل وقت الأصيل، ونحن نتناول سندوتشات الفشة والطرب التي نبلعها بكوز من الماء المثلج من بائعي الترمس.. الموز المغربي والعنب الفيومي والمانجة الهندي والقلل القناوي، التين البرشومي، والديك الرومي). وأخيرا أليست هذه الكلمات أقوي وأبلغ من الكلمات التي تغنت بها المطربة الجميلة شيرين شربت من نيلها..طب جربت تغنيلها ودعوني أقدم لكم بعض الرسائل وهذه هي الرسالة الأولي: أمل مصطفى محمود