مفيد فوزى يكتب: كان طائرًا مغردًا يحلِّق فى الفضاء! لا يمكن اختزال حياة مفكر بحجم د. مصطفى محمود فى مقال أو اثنين.. إن رحيل "أبوأدهم" هو رحيل عميد المتأملين فى الحياة، البشر والحيوان والنبات.. فبسطاء الناس يعرفونه فيلسوف "العلم والإيمان".. والنخبة تذكر له رحلته من الشك إلى الإيمان. ولو عاش الفنان جمال كامل إلى الآن لذرف الدمع السخى على صديق عمره مصطفى محمود الذى شاركه تأملاته وكيف كانا يفتحان ثقبا فى المجهول. ساعات طويلة كان مصطفى محمود وجمال كامل يتناقشان بتحضر حول قضية معاصرة، وكان ينضم لهما أحمد بهاء الدين وصلاح عبد الصبور.. كنا فى بدايات المشوار نصغى فقط.. ونشرب من نهر الفكر المتدفق. وحين اختار مصطفى محمود صحبة الفنان رجائى ونيس، كان يشير إلى ريشة رجائى المختلفة.. ريشة مبصرة بحقائق الحياة.. أما علاقة مصطفى محمود بالموسيقار محمد عبدالوهاب فقد شهدت مولدها حين طلب الموسيقار رقم تليفون "درش" كما كان يسميه، وبدأت العلاقة برأى عبدالوهاب فى أحد تأملات مصطفى محمود.. وعاشت هذه الصحبة الفكرية بين "عوبد" كما كان يسميه مصطفى محمود و"درش". كانت أغلب اللقاءات تليفونية! لم يكن لمصطفى محمود مكتب، بل كان زائرا لكل المكاتب.. لعله من أوائل الكتاب الذين أبدى لهم الرئيس الراحل أنور السادات إعجابه بأحد مقالاته فى السياسة.. وكان رافضا لكل المناصب مع أنه كان من الممكن أن يجلس على قمة مؤسسات صحفية. لكنه كان كالطائر يغرد ويحلق فى الفضاء بحرية ويقهقه ساخرا من نفسه. من أهم دروس مصطفى محمود فى الحياة هى فكرة "الاستغناء" فلم يكن يحب مصطفى محمود القيود والعبودية والمظاهر. كان درش يرى أن الكاتب مصلح.. وإلا كان يعانى من عطب فى بصيرته.. وحين انسحب مصطفى محمود من الكتابة فى صباح الخير وكان واحدا من فرسانها، كان يحلم بالشاشة وببرنامجه المفيد "العلم والإيمان" ولكنه حرص على جمع ما كتبه فى كتب تحمل اسمه وترصع رفوف المكتبة وتعطرها بأسلوبه الفريد. كان مصطفى محمود يشكو من البواسير، وكان يحمل "مخدة" أينما ذهب غير عابئ بتعليقات الآخرين. كان "الصدق مع الذات" أبرز صفاته وسماته. ويوم بدأ مشروعه "المسجد والمستشفى" الذى يحمل اسمه وصار من أهم معالم القاهرة، وجد نفسه.. وأعطاه كل عافيته حتى مات وبقى اسمه حيا.