- كما تبرق قطعة من الماس الأصيل من بين أكوام التراب .. رأيتها .. سيدة في أواخر العقد الثالث من العمر .. تبتسم للحياة دون سبب واضح أو مقتنع لأمثالنا الواقفين في طابور الشاكين المتذمرين. - قالت: عندي ثلاثة أولاد: ولدان وبنت وأتبني الرابع..!! - سألت بدهشة: ماذا؟ لقد رزقك الله البنات والبنين، فلماذا التبني؟ - ضحكت في سرور وسعادة .. وبدأت تحكي قصتها مع المعاني التي تاهت منا وعثرت هي عليها مع زوجها البسيط.. - يعمل زوجي خفيراً بإحدي الشركات .. بعد أن انتهي من وردية المساء وأثناء عودته إلي المنزل في السادسة صباحاً، وجد شيئاً ملقي علي الأرض بجوار بلاعة المجاري خلف المساكن .. كان شيئاً ملفوفاً بجزء متهالك من جاكت بيجامة كستور رجالي يهتز في الهواء ونسمات الصبح في أحد أيام شهر ديسمبر الباردة .. انحني علي هذا الشيء، وأمعن فيه النظر، وعندما أدرك هويته، انطلق إلي زوجته ليوقظها ويحكي لها.. لم تمهله ليروي تفاصيل ما رأي.. وجدت نفسها تهب من الفراش واقفة وأخذت تعدو إلي الخارج حافية القدمين وهي تقول له: احك لي في الطريق .. انطلقت إلي حيث أشار لها زوجها .. انحنت لتلتقطه وتحتضنه بشدة ليهدأ قلبها مع نظرات الدعة والاطمئنان التي انطلقت من العينين الصغيرتين. - تقول: لقد زرع حبه في قلبي في لحظة، وكانت نظراته المسكينة هي سهام مصوبة إلي قلبي لينخلع من مكانه.. ويتسع ليحوي هذا الصغير. - هل يمكن أن تمتلئ الدنيا بأغلي وأنقي من حنان قلب يخفق طربا لبعض من جمال الطبيعة ودقة التكوين المعجز لمن نطلق عليه لقب إنسان؟.. حملته بين ذراعيها وانطلقت تعدو به إلي منزلها المتواضع أو علي الأصح إلي تلك الحجرة التي تؤوي الأسرة الصغيرة في أحد بلوكات المساكن الشعبية .. خلعت عنه ملابسه الرثة. وقدرت عمره بيومين علي الأكثر وأخذته إلي الحمام الذي لا تزيد مساحته علي متر واحد. وضعته في طبق بلاستيك وملأته بالماء لينال من الحياة بضعا من قطرات مائها ليخرج بعدها نظيفا من أدران الأنانية وأوصال الخطيئة ويتطهر بقلب ملأته الرحمة فصار كبيرا. وغمره الحب فاتسع ليأخذ الصغير بين جنباته. - عندما استيقظ أهالي الحي الشعبي المتواضع وجدوا في انتظارهم حكاية جديدة تصلح كرواية للتداول وانتشر الخبر بسرعة. وجاء الجميع ليروا هذا الطفل الصغير ويقدموا بشأنه الاقتراحات. - قالوا لها: إن لديك أبناء وبنات فاتركيه لمن هي أحق منك ممن لا تنجب. - صرخت: لا .. لقد أحببته رغم أن لدي أولادا.. والأخري قد تنجب بعد أن تأخذه كيف أضمن أن تبقي علي حبه حينئذ .. إنني لن أتخلي عنه أبدا إلا لأمه الأصلية - إن وجدت. - اقترح زوجها وأهالي الحي أن تذهب به إلي قسم البوليس لتثبت الحالة .. ذهبت بالفعل، وعندما قالوا لها سلميه لنا لنودعه في ملجأ، وإذا أردت أن تأخذيه فيما بعد، فاذهبي إلي هناك بعد سنتين وأتمي إجراءات التبني بالكامل. - فزعت من هذا الاقتراح قائلة: إنني أريده الآن، لا أستطيع أن أتركه مدة سنتين لا أدري ماذا يحدث له فيهما. - رد عليها الضابط المسئول: إذن لماذا جئت إلي هنا إذا كنت تريدينه فاذهبي إلي مكتب الصحة واستخرجي له بطاقة ميلاد تكونين أنت أمه فيها وزوجك هو أبوه .. استحسنت الفكرة، ولكن خافت من أي مسئولية جنائية قد تظهر .. استشارت إمام الجامع في الحي فأشار عليها أن تنتظر بعض الوقت ربما يظهر فيه أبواه ثم بعدها تتوكل علي الله وتفعل ما اقترحه عليها الضابط. - في الأسبوع القادم نستكمل القصة.