«إيه فى أمل» بتلك الكلمات الموحية بالتفاؤل تطل علينا الساحرة فيروز بعد سنوات من الغياب، ترسل لنا رسالة موجزة معلنة أن الأمل لا يزال موجودا. تذكرت شابا فى الخامسة والعشرين من العمر.. ملامحه هادئة لا تفارقه الابتسامة لحظة، كلما قابلته أتعجب من تلك النظرة المطئنة التى تغلف عيونه وتكسو ملامحه. تساءلت: هل السبب هو العمر.. هل هو الفارق الزمنى بينى وبينه، هل سيصمد هذا الفتى أمام إحباطات الدنيا الكثيرة وينجو بنفسه؟ إلي أن يصل إلى مثل عمرى. تعود فيروز تنادينا «إيه فى أمل». قال لى: أنا مبحسدش نفسى، بس أنا عندى القدرة على أن أرى الحياة جميلة وتستحق أن نعيشها.. الغريب فى الأمر أن فيروز وهى التى تجاوزت السبعين من عمرها تغيب تغيب ثم تعود بتلك الرسالة. لا أنكر أن ثمة أمل يغمرني عندما أستمع إلى تلك الأغنية الجديدة، ولكن كيف وأين السبيل؟ أجلس فى مقاعد المتفرجين أمام أندريه بوتشيللى ومن خلفه تاريخ الأهرامات وأبوالهول ومحاولة منى أن أحقق نبوءة فيروز «إيه فى أمل». معركة عنيفة خضتها حتى وصلت إلى حيث هذا التاريخ، كم من القبح وعدم التخطيط اعترضنى كاد أن يفسد على ليلة بوتشيللى، فهل من المعقول أن أصل إلى مكان «الصوت والضوء» عبر حارات ضيقة صغيرة غير مرصوفة، هل من المعقول أن يكون مكان الانتظار غير ممهد تكسوه شبورة ترابية جراء سير العربات، هل من المعقول أن يقف أهالى المنطقة يقومون بمساعدة السيارات على أن تستقر فى مكان على جانبى الطريق الضيق؟ وعلى الرغم من هذا المجهود الرهيب إلا أننى استطعت أن أقتنص لحظات تجلى فيها بوتشيللى وغنى مقطوعات يحفظها المستمع المصرى، يعلو التصفيق فيعود ربما لأكثر من ثلاث مرات وقد امتزج كل شىء فى المكان أبوالهول والأهرامات والطقس الجميل ومكان الصوت والضوء الرائعين، صوت بوتشيللى، كل هذا صنع حالة من التوحد مع أشياء جميلة لنحقق نبوءة فيروز «إيه فى أمل» لأن بوتشيللى فى حد ذاته بتجربته الفريدة يعلن ويؤكد تلك المقولة فإن الضرير الذى استطاع أن يقنع «بافاروتى» بنفسه دون أن يقابله، استمع إليه الأخير فى أغنية كان من المفترض أن يؤديها بافاروتى، إلا أنه قرر أن يترك الأغنية لهذا الصوت الشاب الذى لا يعرفه أحد. وصار فى أمل ليصبح بافاروتى وبوتشيللى معا فى صف واحد. أعود إلى صديقى المتفائل وأتساءل: هل لابد أن ننشد لحظة الهدوء من داخلنا أم ننتظرها من الخارج، هل هى من صنع أيدينا أم ننتظرها من الظروف المحيطة بنا ومع ألبوم فيروز والبحث عن الأمل وطوق نجاة نواصل الحديث. آخر حركة الحضور فى حفل بوتشيللى غير شكل على رأى اللبنانين.. ناس غير ما نراهم بالنهار على محطات الأتوبيس وفى المترو وفى طوابير العيش.. وفرق لا نستطيع أن نتجاهله.؟