كان الإمام محمد عبده من أبرز شيوخ عصره الذين وضعوا علي كاهلهم مسئولية التغيير والتنوير والاجتهاد في النص الديني والتحقق التام من المصادر الإسلامية وكتب الفقه عبر البحث، والتمحيص، والتوثيق، والاستنتاج، والدراسة.. كما أنه من الشيوخ الأوائل الذين طالبوا بإعمال العقل في النصوص الفقهية الإسلامية.. وأوضح أن النظرة التجديدية لا تقوم علي رفض التراث جملة وتفصيلا، ولا تقوم أيضا علي الوقوف عند التراث كما هو ودون بذل أية محاولة لتأويله وتطويره، بل إن النظرة التجديدية إنما يجب أن تكون ثورة من داخل التراث نفسه، أي أنها إعادة بناء التراث بحيث يكون متفقا مع العصر الذي نعيش فيه. فالتجديد إذن هو إعادة بناء، ولا ينبغي التمسك بالبناء القديم لمجرد أنه قديم، وقد نجد في التراث العديد من الأفكار البناءة التي تعد أكثر حيوية من بعض آراء المعاصرين في العديد من المجالات. احتل الأستاذ الإمام محمد عبده مركز الصدارة بين رجال العرب ومفكريهم العظام في القرن التاسع عشر، وقد كانت حياته غاية في الثراء الفكري والنشاط الثقافي والاجتماعي، نجد هذا كله واضحا غاية الوضوح طوال السنوات التي عاشها، سواء في مصر، أو في فرنسا، حين عمل مع أستاذه جمال الدين الأفغاني علي تأسيس الصحيفة الأسبوعية المعروفة باسم «العروة الوثقي» التي كان هدفها الدعوة إلي الجامعة الإسلامية والدفاع عن الشرقيين، بالإضافة إلي محاربة التسلط والظلم والطغيان والدعوة إلي التخلص من الاحتلال الإنجليزي، وكانت هذه الصحيفة، أول صحيفة عربية تظهر في أوروبا. كان الإمام محمد عبده رجل إصلاح من طراز نادر، وشُعلة مُضيئة توضح بجلاء صورة الإسلام المعتدل للعالم وسط فتاوي التكفير والانغلاق والجمود، وقد نُشرت مقولة «حجاب ونقاب وزبالات أخري» للإمام محمد عبده، وهي تحمل تحذيرًا لخطورة الأفكار المتجمدة والمتطرفة والمنغلقة علي الإسلام بقوله: «ولكنه دين أردت إصلاحه وأحاذر أن تقضي عليه العمائم». وبالفعل، حدث ما توقعه الإمام الراحل محمد عبده ، لقد استطاعت العمائم بما لديها من كهنوت ديني أن تخدع الكثيرين من البسطاء وأن يجهضوا هذه الحركة الإصلاحية التي بدأها الشيخ محمد عبده الذي كان من أشد المدافعين عن حقوق المرأة، فنادي بضرورة تعليم المرأة، ونادي بعدم تعدد الزوجات في حالة إذا ما كان الرجل غير قادر علي تحقيق العدل بين الزوجات .بل رأي أنه من الصعب أن يتحقق العدل للمرأة في ظل تعدد الزوجات. فهو يري أن للتعدد والتسري مفاسد كان لها الأثر الأكبر في ضعف الأمة وسقوطها إلي الدرك التي هي فيه، بعد أن خرج بهما المسلمون عن هداية الشرع إلي الإسراف في استفراغ الشهوة بدون ملاحظة الغرض الديني.. من هذه المفاسد التي تترتب علي التعدد والتسري فساد البيوت بانتقال التعادي والتباغض من الزوجتين أو الزوجات إلي أولادهن فيتعذر معها تهذيبهم ... أما السلاطين والأمراء فإذا كان في قصر أحدهم هذا العدد الكثير من النساء فمتي يصفو فكره للإصلاح والنظر في شئون الأمة؟! أما عن الحجاب والنقاب، فقد رأي أن النقاب عادة ناتجة عن الاختلاط بأمم أخري وليس من الشرع الإسلامي.. حيث جاء في تقرير لوكالة «رويترز» للأنباء تحت عنوان: الشيخ محمد عبده: «ليس في الشريعة نص يوجب الحجاب».. وكان رأيه في النقاب رأي صائب،حيث قال إنه عادة ناتجة عن الاختلاط بأمم أخري وليس من الشرع الإسلامي. لايزال للحديث بقية ما بقي لرمضان بقية فإلي الأسبوع القادم.