يقينا أن هذا الجيل من الشباب الذي كان يبلغ من العمر عشر سنوات يوم إطلاق مهرجان القراءة للجميع في عامه الأول وأتم عامه الثلاثين اليوم.. قد أتيحت له فرصة ما كانت تلوح في أكثر الأحلام تفاؤلا، ولكنها أصبحت حقيقة واقعة عندما أتم مهرجان القراءة للجميع عامه العشرين ويستعد لدخول عقد جديد تحت مظلة أن القراءة والكتاب كالماء والهواء.. حق للجميع. ويقينا أيضا أن هذا الوطن قد أتيحت له فرصة تاريخية في بناء وجدان أطفاله وشبابه بناء حقيقيا يرتكز علي الإبداع الثقافي والتنويري حيث وقف مشروع القراءة للجميع كحائط صد في وجه أشباح الأفكار الظلامية وتنظيماتها المشبوهة وإبعادها عن عقول أبناء هذا الوطن والتي لم تكل ولم تمل في محاولات أسر هذه العقول وتشويه هذا الوجدان . لقد أدار مشروع القراءة للجميع عجلة بناء الشخصية الثقافية بعد أن تصدي لأكبر المشكلات التي تعيق الإبداع الثقافي وتقف حجر عثرة بينه وبين انتشاره في البيوت المصرية حين أصبح الحصول علي كتاب عبئا اقتصاديا كبيرا يضيف ضغطا علي ضغوط تفاصيل الحياة اليومية. فتتحطم هذه العثرة وتطوف ملايين الإصدارات من الكتب المتنوعة في مجالات المعرفة الإنسانية.. التاريخ والسياسة والاقتصاد والأدب والفن وأدب الأطفال أرجاء مصر كلها.. في المدن والقري والنجوع وتدخل كل الأبواب بتكلفة زهيدة رمزية لا تؤدي بأي حال من الأحوال ثمن الحبر الذي طبعت به هذه الكتب. فأصبحت الأعمال الأدبية والفكرية والعلمية في متناول الجميع.. ولتتمكن أجيال الشباب من تكوين مكتبات خاصة تضم العشرات من إصدارات كتب «القراءة للجميع» المتنوعة ربما لو تم حساب ما دفعوه ثمنا لها لما وصل لثمن عشرة أو عشرين كتابا كانوا يتمنون قراءتها ومنعهم عنها سعرها المطبوع علي ظهر الغلاف.. ولتشهد مصر ولأول مرة في التاريخ حجز الكتاب عند البائع بمجرد الإعلان عن إصداره. لقد دارت حركة الانتشار الثقافي وتواصلت حركة الإنتاج الإبداعي بإيقاع مذهل تنمو في زخم كثيف علي مدي عشرين عاما.. ومعها تم ضخ دماء الحياة في حركة التأليف ونشر الكتب التي كانت مهددة بالتوقف أو بالانحسار علي أقل تقدير بسبب ارتفاع سعر التكلفة والذي يؤدي بدوره إلي ضعف الإقبال علي شراء الكتب. فلم يتوقف مشروع القراءة للجميع علي نشر أعمال الكبار من الكتاب والأدباء والباحثين وإنما أيضا كان بابا دخل منه شباب الأدباء والكتاب والباحثين يشهد ميلاد المواهب ويتيح إنتاجهم للقراء ويضمن التواصل بين حلقات الحركة الإبداعية والثقافية. وفي نفس الوقت يحقق كرامة الحصول علي الدخل للمبدع والأديب والباحث بما يتيح له الاستمرار في الإبداع والتأليف وخدمة هذا الوطن في إعلاء ثقافته وإبداعه ووجدانه. فيتاح لملايين القراء من الأطفال والشباب والكبار قراءة التراث القديم مثل «البخلاء» للجاحظ وغيره.. واقتناء موسوعات الفكر الإنساني.. «قصة الحضارة ووصف مصر وتاريخ الجبرتي وتاريخ مصر القديمة» والتي تقع في أجزاء تتجاوز العشرين جزءا والتي ما كان ممكنا التخيل أنها قيد الإتاحة وبهذا السعر الزهيد والذي لا يقترب من سعر كتاب واحد عند واحدة من دور النشر الخاصة. فضلا عن أمهات الكتب والتي كان الحصول عليها أو اقتناؤها حالة مستعصية علي شباب الباحثين في رحلة شاقة بين مكتبات الجامعة ودار الكتب وسور الأزبكية وحتي باعة «الروبابيكيا».. فأصبحت في الإمكان وقيد الاقتناء. وباليقين الثابت.. لا أتجاوز حين أقرر أن مشروع القراءة للجميع هو أهم المشروعات الثقافية التي شهدها هذا الوطن طوال تاريخه بما قدمه من خدمة جليلة في ضمان حركة ثقافة وتنوير وإبداع مستمرة ومتواصلة.. وفي إثراء عقول وبناء وجدان الملايين من الأطفال والشباب والكبار بما يليق بأبناء هذه الحضارة التي تمتد لآلاف السنين. ومن ثم فكلنا.. شبابا وكبارا، قراء وكتابا ومبدعين وباحثين وناشرين.. مدينون بالعرفان والتقدير للسيدة الأولي سوزان مبارك التي أطلقت هذه المبادرة ودعمتها بالجهد الدءوب والرؤية المستنيرة إيمانا بحق هذه الأجيال في المعرفة والإبداع والتواصل الثقافي.. فحصدنا جميعا الثمار الناضجة.. في كتاب زهيد الثمن. أجيال جديدة من القراء.. وأجيال جديدة من المبدعين.. وصناعة نشر لا تزال واقفة علي قدميها.. وأخيرا مكتبة شخصية تضم العشرات من الكتب. ومن ثم أيضا.. فإن أوان تكريم السيدة سوزان مبارك قد حان.. تكريم في مبادرة من المجتمع المدني والذي تحققت الفائدة الكبري لأطفاله وشبابه في ضمان حقه في المعرفة والتنوير.. من ناشري الكتب وصانعيها والذين تحقق لهم الاستمرار في رسالتهم وبقاء تجارتهم. تكريم في مبادرة من المثقفين.. من أجيال المبدعين كبارا وشبابا الذين عرفوا انتشارا واتصالا بالقراء ما كان ليتحقق لولا مشروع القراءة للجميع.. وجهد السيدة الأولي سوزان مبارك. لقد حان أوان التكريم.. اعترافا وتقديرا وعرفانا للسيدة سوزان مبارك. عشرون سنة قراءة للجميع.. ملف (ص 15 - 40)