أبناؤنا وبناتنا شباب الجامعات يحاولون هذه الأيام المذاكرة علي أمل النجاح والانتقال إلي السنة التالية أو التخرج! وأبناؤنا وبناتنا في الثانوية العامة، يجرون ويلهثون بين المدرسة، والمدرس الخصوصي لكي يستطيعوا تحقيق أحلامهم وأحلام آبائهم وأمهاتهم في النجاح مع مجموع يحقق الحلم! ومصر والحمد لله عامرة بشبابها.. فتيانا وفتيات، ويحسدنا العالم أن لدينا هذه الوفرة في سن الشباب!! ولكن نحن نعتبر الشباب مشكلة.. فهم يريدون وظائف وأماكن في المداس ومساكن ليكونوا أسراً، ويحلمون ويحبطون ويحدوهم الأمل ويصيبهم اليأس.. يتصعلكون ويتسكعون وبعضهم ينحرف والأغلبية تتطرف، وبدلا من احتواء الشباب وتوجيه طاقاتهم نحو العمل والتدريب نتركهم نهبا للأفكار المتطرفة أو السلوك المنحرف، أو الكسل والإحباط.. لا أحد يهتم! والجميع يهتمون!! عندنا وزارة للشباب والرياضة.. تهتم بالرياضة وبعض الشباب، وعندنا حزب يهتم بالشباب ولكن الاهتمام مقصور علي شباب الحزب.. والأقر أولي بالمعروف!! إلي آخر ما نعلمه عن الاهتمام الفردي بالشباب وليس الجماعي والذي يتمثل في مجموعة من الشباب تسافر إلي أبوقير أو بعض معسكرات الشباب ويحاضرهم الوزراء وبعض الكتاب أو المفكرين، ولكنهم قلة لا تزيد علي عشرة بالمائة من أعداد الشباب إن أمكن! ونسمع طوال الصيف عن أبناء الأغنياء الذين يصطافون في أوروبا أو أمريكا، والذين يذهبون إلي الساحل الشمالي أو العين السخنة، أو رأس سدر أو الغردقة والبعض يذهب إلي مرسي علم أو شرم الشيخ! ولكن أغلبية شباب مصر من الأولاد والبنات يمضون الصيف مع والديهم في مدنهم أو قراهم والمحظوظون يجدون عملا للتدريب خلال أشهر الصيف والأكثر حظا يتدربون في أوروبا أو أمريكا أو يحجز لهم آباؤهم الأثرياء في معسكرات خارج مصر ليزدادوا تجويدا للغة الأجنبية التي يدرسون بها في مدارس اللغات أو الجامعات الأجنبية في مصر! وإذا كان مجموع الذين في سن الشباب في مصر ما بين 15 سنة إلي 30 سنة، «أولاد وبنات» يصلون إلي أكثر من عشرين مليونا فلك أن تدرك أن المحظوظين من العشرين مليونا لا يزيدون علي بضعة آلاف وارجعوا إلي سجلات وزارة الشباب والرياضة، أو سجلات الحزب الوطني لتدرك أن أنشطة الشباب في مصر تخدم ما يقرب من خمسين إلي مائة ألف فتي وفتاة وبقية العشرين مليونا في الضياع وتتلقفهم أفكار التطرف أو الانحراف!! هذا النوع من الحقائق يدعونا إلي القلق والقلق الشديد، أما إذا كنت مخطئا فيما وصلت إليه من تفكير فإنني أرجو أن يكذبني الدكتور صفي الدين خربوش وزير الشباب والرياضة، أو المهندس محمد هيبة المسئول عن الشباب في الحزب الوطني الحاكم، أو وزير التعليم العالي د. هاني هلال أو رؤساء الجامعات في العواصم والأقاليم. وسوف أكون في منتهي السعادة لو أثبت لي الذين ذكرتهم بمناصبهم في السطور السابقة أنني غلطان أو أنني أروج للأكاذيب ومستعد للمحاكمة والحصول علي أقصي عقوبة لأنني روجت لإشاعات كاذبة حول أحوال الشباب في مصر. أما إذا كان العكس صحيحا فإنني لن أطالب أحد بتقديم كشف حساب عما يقدمه للشباب ولن أحاول اتهام أحد بالتقصير، ولكني أطالب فقط بقراءة الاقتراحات التي سأوردها هنا، ومناقشتها والعمل علي الأخذ بها إذا كانت تناسب الإمكانيات والخطط والبرامج التي نهدف من ورائها إلي تربية الشباب.. أولاد وبنات.. لكي يصبحوا بحق وحقيق سيدات ورجال المستقبل. والاقتراحات التي أقدمها للدكتور هاني هلال صاحب الولاية علي الجامعات التي تضم ما يقرب من اثنين إلي ثلاثة ملايين طالب وطالبة أو المعاهد العليا التي تضم الآلاف.. والاقتراح للجامعات هو لماذا لا يهتم كل عميد كلية بتوفير الأنشطة الصيفية التي تلائم مناهجه الدراسية والتي تربط ما بين ما يدرسه الطالب والمجتمع الذي يعيش فيه؟ والعميد ليس مطالبا بتحمل المسئولية كاملة في توفير هذه الأنشطة، ولكن عليه أن يدعو الذين يمارسون الأنشطة التي تؤهل طلبته «أولاد وبنات» للالتحاق بها بعد التخرج حتي يتعرف الطالب أو الطالبة علي العمل الذي تؤهله الدراسة للالتحاق به بعد التخرج، وإذا توفرت له المعرفة فقد يكتشف أنه لا يحبه، أو يزداد حبا له بعد الممارسة، وهذا يوفر الكثير علي أبنائنا وبناتنا في اختيار العمل الذي يحبه وبالتالي ينجح فيه. إذا تعاون عميد الكلية وبعض الأساتذة مع القيادات في المؤسسات والشركات فإن ذلك يتيح صيفا مفيدا وإجازة صيفية تضيف إلي خبرة الطالب أو الطالبة النظرية التي يدرسها في الكلية. وأيضا قد يكتشف صاحب العمل أو رئيس مجلس الإدارة أو مدير عام المؤسسة الكوادر التي تلزمه ليستعين بها في تطوير شركته أو مؤسسته. وبهذا يشعر الجميع أن الأجيال تتواصل وأن المعرفة تعم علي طالب الجامعة الشاب أو الفتاة الذين نعتبرهم قيادات المستقبل أو رجال وسيدات المستقبل! إذا تم تقسيم وضع برامج شغل أوقات فراغ الشباب في الصيف ضمن اهتمامات عميد وأساتذة الكلية فإن هذا يجعل الطالب أو الطالبة مسئولية الجامعة ومسئولية الكلية التي يلتحق بها! وهذا الذي أقترحه ليس جديدا وليس بدعة وليس عبئا جديدا علي العميد أو علي أساتذة الكلية ولكنه أمر بديهي وطبيعي تماما مثل المنهج الدراسي والعلوم التي يدرسها، فالإجازة الصيفية تصبح بهذا التفكير وهذا المنهج في التربية وسيلة لتطبيق ما ندرسه نظريا، ويصبح التفوق في الدراسة الجامعية ليس مقصوراً علي الامتحان وأعمال السنة، ولكن أيضا علي الأداء أثناء إجازة الصيف في مكتب المحاسبة أو المصنع أو المستشفي أو الصحيفة أو أعمال النظافة في الفنادق والمؤسسات السياحية إلي آخر تلك الأنشطة التي يمارسها المجتمع ومن بينها الزراعة واستصلاح الأراضي، والحرف اليدوية وكل ما يجري من أنشطة في المدن والقري والنجوع وفي الساحل الشمالي والغردقة وشرم الشيخ ومرسي علم والصحراء الغربية والصحراء الشرقية. إن مصر يا سادة يا كرام بلد كبير وشاسع ومترامي الأطراف، فقط علينا وضع الخطط والبرامج لشغل أوقات الفراغ لشبابنا في الصيف. الذين يدرسون في كليات الزراعة العليا والمتوسطة، والذين يدرسون في كليات الطب البيطري لماذا لا توضع لهم برامج للالتحاق بالمزارع حيث يهتمون بالمحاصيل الزراعية، وبالماشية، والأغنام ويعيشون تجربة الإصلاح الزراعي، والصناعات التي تنشأ قريبا من المزارع. إن الزراعة في الوادي، وفي الأراضي المستصلحة منتشرة في مصر وكلها تستوعب تدريب الشباب إذا وضعنا البرامج لذلك. والمصانع تستطيع استيعاب الذين يلتحقون بكليات الهندسة سواء في أقسام الميكانيكا أو الكهرباء أو في الإنشاءات الميدانية في قطاعية التشييد والبناء، وشركات وزارة الإسكان يمكنها استيعاب طلبة وطالبات قسم عمارة إلي آخر تلك التخصصات الكثيرة في كليات الهندسة وما تحتاجه المصانع والمؤسسات المختلفة لتدريب أبناء وبنات كليات الهندسة من جميع التخصصات. وقس علي ذلك جميع الكليات في جميع الجامعات. ولو أن أمانة الفلاحين في الحزب الوطني وضعت برامج لتدريب أبناء الفلاحين لغزنا بانضمام آلاف بل ملايين الشباب من أبناء الفلاحين للعمل في الحقول والمزارع، إلا إذا كانت أمانة الفلاحين ليس فيها فلاح واحد يعرف كيف يوفر العمل لأبناء الفلاحين! والحرفيون أيضا يحاولون بحكم تريبتهم تسليم الحرفة لأبنائهم من بعدهم، ولكن هناك من يتسربون ويريدون سلوك طريق مغاير لما شب عليه الآباء. علي كل حال هذا ليس خطأ إذا كان الشاب استطاع أن يجد طريق مغايرا لما يريده له أباه، فمن حقه ألا يعيش في جلباب أبيه كما دعانا الأديب والروائي الكبير إحسان عبدالقدوس. إنني أدعو المسئولين عن الشباب وضع البرامج التي تكفل للشباب قضاء صيف مفيد ومثمر بوضع البرامج التي تفتح الآفاق أمامهم ليزدادوا خبرة ومعرفة بأنفسهم وبمستقبلهم. وإذا لم تكن هناك برامج موضوعة للشباب فإنني أدعو وزارة الشباب تغيير استراتيجيتها نحو ما تفعله كل عام في معسكرات الشباب وتحريك هذا البرنامج الذي شاخ ومطلوب تغييره إلي برامج أكثر فائدة وأكثر فاعلية. والبرامج التي اقترح أستبدال المعسكرات الصيفية بها هي برامج القوافل المتحركة التي تقودها وزارة الشباب والجامعات وأمانة الشباب وأمانة الفلاحين في الحزب الوطني الحاكم، وذلك من خلال ترتيب برامج للقيام بتوعية الناخبين للمشاركة في الانتخابات وبالذات انتخابات مجلس الشعب، وانتخابات الرئاسة التي ستحل في عامي 1911، 1912، وأمامنا فسحة من الوقت لتوفير برامج القوافل التي تدعو للمشاركة في الانتخابات تحقيقا للمارسة الديمقراطية. ولكي نحصل علي نتيجة إيجابية في وضع هذه البرامج يجب أن يسبقها اجتماع لوزراء الثقافة والتعليم العالي والتعليم والشباب والرياضة حتي يمكن وضع الاستراتيجية لبرامج قوافل الشباب التي تتحرك من مديريات الشباب في الجامعات وفي المحافظات ومن قصور الثقافة وبيوت الثقافة في العواصم والمدن والقري والنجوع. أما بالنسبة لهذا الصيف فإنني أدعو إلي ما اقترحته في برنامج «حالة حوار» الذي يقدمه الدكتور عمرو عبدالسميع وهو أن يقوم الشباب بالطواف علي قري الساحل الشمالي وعلي منتجعات سيناءوالغردقة ومرسي علم والوادي الجديد وذلك بالدعوة للمساهمة في إنقاذ الساحل الشمالي الغربي من الألغام التي خبأها النازي والحلفاء بقيادة بريطانيا في المنطقة من السلوم حتي العلمين، حيث عكفت قوات نازية من ألمانيا وقوات بريطانية من الحلفاء وقوات إيطالية بقيادة موسوليني علي غرس الألغام في الساحل الشمالي من السلوم وحتي الإسكندرية. كذلك تلك الألغام التي غرستها إسرائيل في سيناء خلال حروب 1956، 1967، والتي قمنا بتمشيط بعضها وإزالة الألغام من طريق الجيش المصري الذي انتصر في حرب 1973. الألغام تحاصر أراضينا في الساحل الشمالي الغربي وفي سيناء، وقد استطعنا من خلال اللجنة القومية لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي من إزالة الألغام في مساحة قدرها 31250 فداناً، وقريبا تبدأ المرحلة الثانية والثالثة والرابعة حتي تتم إزالة الألغام من الساحل الشمالي الغربي من مساحة تصل إلي ربع مليون فدان تكون صالحة للاستثمار والاستصلاح واستيعاب بعض سكان الوادي الذي ضاق بسكانه. إن الاهتمام بالشباب في الجامعات وفي القري وبين أبناء الحرفيين ووضع البرامج التي تجعلهم يعرفون بلدهم والإمكانيات المتاحة أمامهم في الأرض المحررة من الألغام والمستصلحة بالطرق الحديثة وباستخدام الميكنة في الزراعة وإنتاج المحاصيل التي تصلح لتلك الأرض. هذا كله يستوجب الاهتمام بالشباب ابتداء من هذا الصيف وتوعية نصف سكان مصر من الشباب بالمستقبل الذي ينتظرهم في مصر التي توفر لهم برامج تدربهم علي خوض معركة المستقبل وهم مسلحون بالمعرفة والإدراك العلمي لإمكانيات بلدهم بدلا من حلم الهجرة غير المشروعة التي تودي بحياتهم!!