فى زحمة الكتب التى صدرت عن العلاقة بين الإسلام والمسيحية والتى تفرق أكثر مما تجمع احتجزت هذا الكتاب لأحدثكم عنه هذا الأسبوع الذى يحتفل فيه المصريون جميعا: مسلمين ومسيحيين بعيد القيامة المجيد وعيد شم النسيم، الكتاب يحمل عنوان «المسيحية فى الإسلام»، لمؤلفيه منير غبور وأحمد عثمان عن الهيئة المصرية للكتاب، ما يميز الكتاب عن أقرانه من الكتب أنه يحاول أن يعلى من شأن ما يجمع بين الإسلام والمسيحية ولذلك حرص المرحوم شيخ الأزهرالسابق الدكتور سيد طنطاوى أن يقدم الكتاب بنفسه، وحرص منير غبور أن ينشر مقدمة شيخ الأزهر كما هى بخط يده. الكتاب اعتمد على نصوص محددة فى القرآن، ووقائع مؤكدة فى التاريخ لإثبات العلاقة الحميمية، ليس فقط بين الإسلام والمسيحية، وهو تاريخ تآخى متبادل بين الجانبين ظل سائدا قرونا طويلة لم يكن فيها مشايخ يصفون المسيحيين بالمشركين، ولا كان المدرسون يقولون لطلبة المدارس ألا يسلموا على المسيحيين لأنهم كفار، ولا كانت الناس فى الشوارع تحرق الكنائس، وتعتدى على المساجد. من هنا جاءت أهمية هذا الكتاب الذى أرشحه ليصبح ضمن مقررات المدارس لنعلم أبناءنا منذ الصغر التعاليم الصحيحة للدين الذى ينتمون إليه، ونعرفهم بهذا التاريخ المضىء للإسلام والمسيحية، بدلا من أن نقول لهم ألا يسلموا على الطلبة المسيحيين لأنهم كفار. فخلال تاريخ مصر الطويل منذ مجىء عمرو بن العاص لم يتعامل المواطنون مع بعضهم بعضاً على أساس مسلم ومسيحى، بل على أساس أنهم جميعاً مصريون. لكن ما حدث فى السنوات الأخيرة هو ظهور بعض الآراء التى تفرق بين المصريين على أساس دياناتهم، بل إن البعض يزعم أن المسيحيين كفار غير مؤمنين بالله. ورغم أن محتويات الكتاب ليست جديدة، فهو يعتمد على ما جاء فى القرآن وسيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، فغالبية الناس لا تعرف هذه المعلومات الآن، ذلك أن جماعات الإسلام السياسى التى تتصدر الحياة الدينية فى وقتنا هذا لا تهتم إلا بالتفرقة بين المواطنين. لم يعد الناشطون الآن فى مجال الدعوة الإسلامية يتحدثون عن الإيمان والعقيدة والعبادة، بل هم يتحدثون عن السياسة والحرب والقتال. والصوت الذى يسمعه الغربيون الآن متحدثاً باسم الإسلام، هو صوت الإسلام السياسى المتطرف، الذى يكفّر الجميع ويحارب الجميع مما جعل العالم يسىء فهمنا. قبل أن تعيش مع كلمات الكتاب المختارة بعناية وفهم ووعى كاملين، تجد ما كتبه المرحوم الإمام الأكبر الدكتور سيد طنطاوى كلمة قدم فيها هذا العمل الجليل ووصفه بأنه مكتوب بروح طيبة وبمقاصد كريمة وبنغمة الأخوة الصادقة. وما إن تستغرقك القراءة يفاجئك تقديم ثان للدكتور مصطفى الفقى يزيدك شوقا ولهفة يخبرك عن المؤلف أحمد عثمان كباحث مدقق ومؤرخ غير تقليدى اقتحم ميادين الفكر والكتابة، وأبلى فيها بلاء حسنا، ووصف الفقى عثمان بأنه صاحب رؤية ونظرة إلى التاريخ الإسلامى، وأنه عالم متميز ومثقف رفيع الشأن يعيش بجسده معظم الوقت فى العاصمة البريطانية، لكن قلبه وعقله يعيشان فى مصر. تشعر بذلك تماما عندما تقرأ كلمة منير غبور فى مقدمة الكتاب: «أنا لست داعية أو كاتبا أو مؤلفا، إنما أنا مصرى غيور لحاضر ومستقبل وطنى الحبيب مصر، لا أعرف فرقا بين جارى أو صديقى المسلم، لكن فى السنوات الأخيرة ظهرت أصوات فى مصر تخالف ما كان سائدا فى بلادنا، وتدعى أن الأقباط كفار مشركون. هذا الأمر أشعره بخطورة شديدة على وحدة الوطن، وعلى صورة الإسلام الحقيقية، فجعله يفكر فى نشر هذا الكتاب كمحاولة لإلقاء الضوء على العلاقة المميزة بين الإسلام والمسيحية تلك التى قال عنها الشيخ الشعراوى ذات مرة «إذا تكلمنا عن نقاط الاتفاق بيننا فلن يبقى من الوقت لنتكلم عن نقاط الاختلاف». هذه العلاقة الفريدة التى استوطنت بلاد المشرق لم يعرفها أبناء الغرب ولم يتذوقوا حلاوتها ولم يتعايشوا فى أحضان دفئها، ولم يتعمقوا فى فهم رسالتها، لكن بلدا مثل مصر استوعب الفكرة وعلَى من شأنها، فخشعت القلوب لدقات أجراس الكنائس، وطربت الأرواح لأصوات الأذان فى المساجد، وعلى ضفاف النيل عاش المسيحيون والمسلمون معاً فى سلام وأمان. لا يمكن اختصار كتاب بهذه القيمة فى هذه المساحة الصغيرة، فهو يستحق أن يكون له مكان فى بيوت المسلمين والمسيحيين على السواء، وهو دعوة للتسامح ودعوة للتأمل ودعوة لنشر روح المحبة والإخاء، وخير دليل على أن بلدنا مصر بلد يستحق أن يجمع بين الديانتين على ضفتى نهر واحد هو وصية الرسول الكريم حين قال «إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة ورحماً» والحقيقة إنه لولا المسيحية ما كان الإسلام، ولو لم يأت يسوع المسيح عليه السلام بالبشارة، ما كان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قد أكمل الرسالة وأتم النعمة ورضى بالإسلام لنا دينا. تحية لصانعى هذا الكتاب الذى وضع العلاقة بين المسيحية والإسلام فى أفضل صورها، وحول النور فى الكتب المقدسة إلى كلمات شافية عافية تجمع لا تفرق، تبنى لا تهدم، تصلح لا تخرب.