فى رواية "ميرامار" تناول نجيب محفوظ فئات مختلفة من الطبقات والثقافات جمعتهم ظروفهم للإقامة فى هذا البانسيون ليستعرض معنا ما يمكن أن يؤدى إليه هذا الاختلاف من اصطدامات، ومن أبرز الشخصيات التى وفر لها اهتماماً كبيراً من الرواية هى شخصية "زهرة" وهى الفتاة الأمية الهاربة من قريتها بعد أن أراد جدها تزويجها بعجوز مثله لتخدمه، ومن استغلال زوج أختها لنصف الفدان الذى استأجرته لتزرعه بعد وفاة أبيها، فهى ثائرة أمام كل من حاول استغلالها، وقد وصفت نفسها بأنها "فى وقت الشدة كالرجال"، وهى فتاة جميلة وقدمها فى الرواية بأنها "وجه أسمر لفلاحة أصيلة الملامح ريانة الشباب".. توافرت لديها كل مقومات الجمال والأنوثة مما جعلها مطمعا لكل من حولها فى البانسيون، وهى عنيدة لا تأبه إلا لمن أحبه قلبها، وهو من طبقة ثقافية واجتماعية أخرى فدفعها هذا إلى تعلم القراءة والكتابة لتكون جديرة به، وهى على حد وصفه "مليئة بالثقة وغير قابلة للكسر". فهل اقتصر هذا النموذج من الفتيات الحانقات على مجتمعهن الحانق على تلك الفترة التى كتب فيها نجيب محفوظ الرواية أم أن مجتمعنا مازال يفرز هذه النماذج. تقول دكتورة "سامية خضر" أستاذ علم الاجتماع أن هذا النموذج للفتيات موجود فى كل وقت وكل مكان، وفى كل دول العالم المتخلفة والراقية على حد سواء، فالفتاة تهرب من الريف إلى الحضر لتصطدم بكثير من الظروف والمطامع والإغراءات، وهى فتاة قادمة من الريف تحمل بداخلها طموحا كبيرا وتطلعات كثيرة تنهار أمام حياة المدينة الكاذبة.. وترجع السبب فى تطلع بعض فتيات الريف إلى التطلع إلى حياة أفضل أيا كانت العواقب إلى أن حياة الريف خانقة للبعض ولا تناسب تطلعاتهم وهم يريدون الخروج إلى الضوء والحركة والفرص الأفضل، وشخصية "زهرة" فى الرواية فتاة جميلة عندها رغبة دائمة للتغيير ولا يشبع هذه الرغبة إلا حياة المدينة، حتى وإن خدعت فيها، وأمام هذه الرغبة وهى التغيير هناك محاولات من أشخاص قد تنجح وأخرى قد تفشل وأخرى قد تنحرف جداً، وهذا تبعاً لاستعداد الشخص نفسه والبيئة المحيطة به، ونجيب محفوظ قد وضع صورة لواقع كان ومازال مستمرا إلى وقتنا هذا.. وعن هذه الشخصية تقول "د. جيهان النمرسى" أستاذة علم النفس بجامعة الأزهر: إن مثل هذه الشخصية النازحة المليئة بالطموحات، تحلم بالسعى إلى الحياة والاستقرار دون النظر إلى العواقب والتنازلات، وعموماً قد تفتقد الثقة فى نفسها لأنها تشعر أنها غريبة فى بيئة مختلفة فتبدأ بالتخلص تدريجياً من كل ما يربطها بهذه البيئة كأسلوب الملابس واللكنة التى تكون عادة مختلفة خاصة إذا كانت هذه اللكنة قد تجلب لها السخرية، أما نتائج انخراطها فى هذه البيئة فتكون نسبية وفقا لشخصيتها ومدى تشجيع من حولها لها أو مدى استغلالهم، كما تتوقف على مدى تنازلها عن مبادئها أو طمعها فى أسلوب حياة مختلف.