وسط الواقع المتردى الذى تعيشه النساء هذه الأيام لاتزال هناك عقول مستنيرة وأياد بيضاء تعمل جاهدة لدفع النساء على طريق التنمية مهما كانت التحديات، ومن بين هؤلاء تبرز شخصية مصرية واعية، وهى: د. شهيدة الباز المستشارة الدولية فى الاقتصاد السياسى للتنمية والخبيرة الناشطة فى مجال المرأة والطفولة، حيث لها العديد من الأبحاث فى مجالات المرأة والنوع الاجتماعى والأطفال فى الظروف الصعبة. حول قضايا المرأة والتنمية فى أفريقيا كان حوارنا مع د. شهيدة. صباح الخير: شهد القرن الحالى نجاحات كبيرة للمرأة الأفريقية فى مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن من منظور عالمى نجد تلك الجهود لاتزال خطوات متواضعة على طريق التحديات التى تواجهها، فمتى نسمع للنساء صوتا مؤثرا وموازيا تماما لصوت الرجل؟! د. شهيدة: لا ننكر أن هناك تمييزا واضحا بين الرجل والمرأة فى كل دول العالم وليس فى أفريقيا وحدها، وإن كانت حدته تختلف من مجتمع لآخر، وهو يظهر بوضوح أكبر فى مجتمعنا العربى والأفريقى الذى يعانى من انخفاض المستوى الاقتصادى والاجتماعى وويلات الحروب وتفشى الأمراض المزمنة، ويتقلص فيه مفهوم الدولة من وسيلة للضبط إلى مجرد هيكل استغلالى. وللأسف النساء - رغم أنهن عصب التطوير والمنتج الأساسى والأفضل للتنمية - إلا أنهن هن ضحايا التدهور السياسى والاقتصادى ولاسيما غير المتزوجات والمطلقات، وهن فئة تساهم مساهمة مباشرة فى الإنتاج وتنمية المجتمع المحلى والعالمى، رغم قلة الخيارات المتاحة أمامهن لكسب العيش وفقدان الأمان والضمان الاجتماعى. ومن هنا يأتى دور المجلس الأفريقى لتنمية البحوث الاجتماعية كوديسريا Codesria فى تفعيل الدور الحيوى للنساء الأفريقيات فى المجال العام والتنمية الشاملة، وهو الدور الذى لايزال مهمشا حتى الآن، وبذلك يتحول مفهوم المساواة من رفاهية تنادى بها بعض الأقلام أحيانا إلى حق مجتمعى تلتزم به كل المنظمات الحكومية والأهلية على السواء. لنتعرف على الآخر صباح الخير: كعضو فى المجلس الأفريقى كيف يتمكن المجلس من توظيف جهوده لحل مشاكل المرأة فى مصر وأفريقيا بوجه عام؟! د. شهيدة: المركز الأفريقى بالتعاون مع مركز البحوث العربية والأفريقية بالقاهرة الذى يعتبر نقطة الارتكاز فى أفريقيا، وبجهود نخبة من المثقفين الأفريقيين قام بعمل مجموعة بحوث رائعة عن التحديات التى تواجه النساء فى أفريقيا وكيفية مواجهتها لتحقيق المساواة الاجتماعية وتصفية جميع أشكال التمييز ضد النساء، والارتقاء بأوضاعهن فى مختلف أنحاء العالم. بالإضافة إلى إصدار مجلة ومختارات عربية وأفريقية، مما صنع جسرا بين العلوم الاجتماعية الأفريقية والعربية وهى نقطة مهمة جدا لقناعتى وإيمانى بكونى أفريقية تماما مثل كونى عربية، ولكن المشكلة أن الوعى الأفريقى فى مصر منخفض والمواطن المصرى لايزال ينظر لأفريقيا على أنها الآخر. فمنذ عهد عبدالناصر خضعت أفريقيا للتقسيم الاستعمارى وصورت على أنها القارة السوداء، والآن جاء الوقت لننهى هذا التقسيم ونعيد بناء جسور الأخوة الأفريقية من جديد، فنحن نحتاج إلى هذه الأخوة والتكتل الأفريقى لنأخذ دورنا كفاعل وليس كمفعول به. الرياضة.. قضية أساسية صباح الخير: ما القضية التى يطرحها الكوديسريا للمناقشة هذا العام من خلال المؤتمر الذى يقام حاليا بالقاهرة. د. شهيدة: هذا العام يناقش المجلس واحدة من أهم مجالات التمييز ضد المرأة، وهو المجال الرياضى حيث استقر على أن يكون عنوان المؤتمر هذا العام هو المرأة والرياضة فى تنمية أفريقيا. فالرياضة هى أول مجالات التمييز سواء على المستوى الأفريقى أو حتى العالمى، ولا أقصد بالرياضة المنافسة فى البطولات الرياضية المختلفة فقط، بل الرياضة كمفهوم وأداء وممارسة، وهى نقطة غاية فى الأهمية، والدليل على ذلك أن المرأة التى تمارس الرياضة باستمرار ولو بشكل فردى تكون أفضل صحيا ونفسيا وأقدر على المشاركة الاجتماعية، لكن للأسف كثير من المجتمعات لا تنتبه للرياضة، وعندما تكون هناك فرصة لممارستها يتجه التفكير إلى الولد، أما البنت فتكون هى الاستثناء ويظهر هذا جليا فى المجتمعات الفقيرة عنه فى المجتمعات الغنية والأكثر رقيا وتقدما. ولهذا فقد اعتبر ال كوديسريا قضية الرياضة هى قضيته الأساسية هذا العام، ونأمل أن يجعلها المجتمع كله قضية من قضاياه، وبالتالى تعود مراكز الشباب للازدهار والازدحام ثانية. ونحن كمصريين فى أمس الحاجة إلى تطبيق مثل هذه الأفكار، فالرياضة عندنا ليست لها الاهتمام الكافى سواء على المستوى الحكومى أو الشعبى، فعندما ازدحمت المدارس وأصبحت فى حاجة إلى بعض الحجرات الإضافية ألغيت حجرات التربية الرياضية، مما زاد المشكلة التى انعكست على جوانب كثيرة بعد ذلك، فالرياضة ترتبط ارتباطا وثيقا بالصحة الجسدية والنفسية، والمشاركة المجتمعية وهى الجوانب التى سوف يناقشها المؤتمر باستفاضة. ويأتى اختيار عنوان المؤتمر هذا العام لسبب آخر وهو أن المونديال سوف يقام هذا العام فى جنوب أفريقيا، ولذلك تكون الفرصة مهيأة لنشر الوعى الرياضى فى القارة الأفريقية بهدف أكبر وهو كيف نبنى أفريقيا وكيفية الاندماج العربى الأفريقى فى المجتمع الدولى، وذلك عبر التكتل العربى الأفريقى الذى يستطيع عبر اتحاده السيطرة على السوق العالمية. التكتل العربى الأفريقى.. مستهدف بعد ما حدث للمصريين فى السودان من الجزائر هل نستطيع أن نواصل كلامنا حول التكتل العربى الأفريقى؟ ولو حدث هل سوف يصدقنا الناس خصوصا اللى انضربت؟! د. شهيدة: أنا متغاظة جدا مما حدث فى السودان. ووقعت بالموافقة على وثيقة حرمان الجزائر من دخول كأس العالم - عبر النت - ولكن بعد الانفعال تعالوا نفكر فيما حدث بصوت عال، ونتساءل: ما السر فى النار التى شبت فجأة فى العلاقات المصرية الجزائرية؟ ومن الذى أبلغ الجزائريين بحكاية الموتى المزعومين؟! نعم كانت هناك لخبطة بين مصر والجزائر، لكن ليس لهذه الدرجة، ومن الواضح أن هناك مؤامرة وناس مصلحتها عدم لم الشمل العربى وتسعى لإحداث فجوة بين الدول العربية تارة، وبين المسلمين والمسيحيين تارة أخرى، لأنه حتى هذه اللحظة الجزائر لسه محسوبة مع الدول التى تناهض الاستعمار، وهناك من يريد أن يمنع قيام الدولة القومية والعربية، ويريد ضرب التكتل العربى الأفريقى فى مقتل. وهى ليست أول مؤامرة ولا احنا أول ناس اللى حصل معانا حصل أكثر منه فى لبنان والعراق التى انقسم فيها المسلمون إلى سنة وشيعة بيعادوا بعض بعدما كانوا عايشين معا فى سلام عشرات السنين. بدون العولمة.. أفضل صباح الخير: نحن - كمصريين وأفارقة - كيف نتمكن من تحقيق التنمية الشاملة التى تضعنا على قدم المساواة مع دول العالم الأول؟ د. شهيدة: أنا مؤمنة تماما بالتنمية المستقلة، والمعتمدة على الذات أى نعمل لسد احتياجاتنا أولا ثم نتعامل مع العالم الخارجى من خلال هذا الإطار. والتنمية الشاملة تعنى تنمية الريف والحضر معا تنمية متوازية، مما يعنى مشاركة كل الفئات الرجال والنساء معا، وبذلك ترتكز التنمية على ساقين، الأولى هى المشاركة المباشرة، والثانية هى العدالة الاجتماعية. مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك نقاط ضعف تقف حجر عثرة فى طريق التنمية بهذا التصور، وأهمها أن العولمة أحدثت فى دول العالم الثالث عملية استقطاب اجتماعى واقتصادى، حيث انقسم الناس إلى فريقين، الأول يمثل القلة وهو المستفيد، والثانى هو الأغلبية العظمى المغلوب عليها التى لا تستفيد من عوائد التنمية، أى أن 09٪ من كيلة التنمية تذهب إلى الأغنياء و01٪ لغالبية الفقراء. وهذا ما ينسف العدالة الاجتماعية ويضربها فى مقتل. فساد للركب! صباح الخير: فما هى أول خطوات تحقيق التنمية الشاملة؟! د. شهيدة: العمل هو أول هذه الخطوات، فالتنمية الحقيقية تتم باستخدام الطاقة البشرية كلها فى بناء مجتمع، فهم الأساس، ولا نعنى بهذا الرجل فقط، بل المرأة أيضا، حيث إنها عامل مهم من عوامل تحقيق التنمية الشاملة، وهذا يتم على محورين: الأول: دور الدولة فى إدارة التنمية، وهو تنظيم الإنتاج وتوزيع العائد حسب معايير عادلة ومتساوية بحيث لا تكون هناك ازدواجية، وأن يقدم المجتمع خدماته وحاجاته الأساسية من صحة وتعليم ورعاية وخلافه فى نظام واحد وليس نظامين واحدا للأغنياء والثانى للفقراء. ثانيا: منظمات المجتمع المدنى والتى يجب أن تكون معنية ببناء الإنسان من الداخل وتعبئته للدور المشارك الناقد، وليس بتدعيم الكسل وتلقى المساعدة زى الشحاتين. صباح الخير: ما رأيك فى المنظمات والجمعيات الأهلية الموجودة فى مصر حاليا؟ د. شهيدة: هناك بعض الجمعيات التى تعمل وفق هذا المنهج مثل الهيئة الإنجيلية وجمعية الصعيد، حيث تهتم ببناء الفرد أولا وتعليم الأسس السليمة فى التفكير. وعلى النقيض تماما هناك جمعيات فيها فساد رهيب وكل يومين يجيبوا حد من معارفهم يكرموه ويصفقون له بدون داع والحكاية كلها قايمة على المصالح. ويجب أن ندرك جميعا أن المجتمع المصرى فى حالة بناء، ونحن فى حاجة إلى تنظيمات قاعدية للمشاركة، محتاجين منظمات ترتقى بالناس الفقراء لأن الفقر المادى لا يعنى فقر العقل أو الشخصية، فالتجارب أثبتت أن الفقراء فيهم كوادر إيجابية وقادرة على النجاح والإنجاز وخدمة المجتمع.