النصب صورة من صور الفساد بل يعتبر البذرة الأولي للفساد والإفساد ويقال إن النصب أقدم مهارة اكتسبها ومارسها الإنسان للتحايل بطريقة خاطئة علي التحديات والعقبات التي تفرضها الظروف وتحول بينه وبين تحقيق طموحاته المشروعة والتي تتحول في أحيان كثيرة إلي أطماع غير مشروعة, وبمرور السنوات وتوالي الازمنة وتراكم الخبرة الإنسانية ومع تنوع الأنشطة البشرية وتعدد فنون الحياة اصبحت للنصب قواعد وأصول كما تدرجت مستوياته وتراوحت بين الفهلوة والأكاذيب البيضاء والرمادية مرورا بالانتهاكات أو المخالفات المكشوفة والتي لا تصل إلي حد التجريم وانتهاء بالممارسات الإجرامية المدروسة, وتظهر بوادر النصب في سن مبكرة عندما يحاول الطفل أن يخفي كسله في أداء واجباته المدرسية بادعاءات وأكاذيب صغيرة أو يحاول استغلال طيبة وتلقائية بعض زملائه فيستلف منهم بعض الادوات المدرسية أو الملابس الرياضية ولا يردها مدعيا أنها ضاعت أو سرقت وقد يستلف منهم بعض النقود ولا يردها ويطلب منهم أن يعزموه علي الكانتين ولايرد لهم العزومة وهكذا تنمو بذور النصب في داخله ثم تتحول تدريجيا إلي جزء من سلوكه اليومي.. وعندما نستقريء الواقع حولنا تصادفنا عشرات الحالات. وهناك الطالب الجامعي الذي لا يحضر محاضراته ويختلس جهد زملائه الملتزمين بينما يمضي وقته في اللهو والصعلكة والمغامرات والموظف الاداري الذي لا يترك سجادة الصلاة ويحمل فوق جبهته الحبة السوداء دليل التقوي ولا يتوقف طوال اليوم عن تسلم الرشاوي وادراجها في كشوف البركة, والطبيب الذي يخون قسم ابيقراط ويلقي خلف ظهره جميع الأعراف الإنسانية التي أرستها هذه المهنة النبيلة ويستغل جهل المرضي وثقتهم فيه ويشارك في بيع بعض أعضائهم البشرية أو يوصي بضرورة إجراء عمليات جراحية عاجلة وهي في الواقع غير ضرورية لكي يتقاضي عنها عدة آلاف من الجنيهات يقتطعها أهل المريض من أجسادهم الحية.أما النصب في مجال البحث العلمي فقد اتسعت رقعته وتنوعت أساليبه ولم تعد تقتصر علي الباحث الذي يقتبس المعلومات والافكار من كتب السابقين دون أن يشير إليهم بل أصبحنا نري بعض اشباه الأكاديميين الذين برعوا في مجال النصب واصبحوا مثلا يحتذي لدي ضعفاء النفوس من الأجيال الجديدة. وهؤلاء يتدثرون بأثواب كهنوتية باطنها الخداع والشراهة والأنانية والخواء العلمي.. هؤلاء السادة يمارسون أخس وأدني أشكال الفساد التي تتمثل في التعاملات المريبة مع هؤلاء المتعطشين للدرجات العلمية وليس المعرفة العلمية.ولعل أكثر الأمور مدعاة للحزن عندما يقوم هؤلاء الأباطرة النصابون من ذوي الالقاب الأكاديمية بتكليف صغار المعيدين والمدرسين المساعدين بجمع المادة العلمية لرسائل الماجستير والدكتوراه والتي يتم منح درجاتها العلمية من غير حق مقابل حفنة من الدراهم.حقا هناك مهنتان إذا أصابهما العطب وإذا أصيبا في جوهر رسالتهما انتكس المجتمع إلي غير رجعة والمهنتان المعنيتان هما التعليم المنوط به تشكيل وتربية العقل والضمير الجمعي, والطب الذي يتكفل بمداواة الأجساد والنفوس عندما يصيبها المرض ولقد نجح أباطرة النصب والفساد في اختراق عقل وجسد المجمتع.. ولا تعزية للشرفاء. د. عواطف عبدالرحمن