لا أحب كرة القدم، ولا عمري شفت ماتش ولا أعرف أسماء اللاعبين ولا حتي الأندية، مباراة مصر والجزائر في السودان كانت أول مباراة أشوفها في حياتي، بناء علي طلب صديق سألني.. هتشوفي الماتش فين؟! قلت مش هشوفه.. رد عليا غاضباً.. لازم تشوفيه.. دي مصر اللي هتلعب مش إسرائيل.. شوفي الماتش وهسألك فيه. اضطررت للمشاهدة، ليس تشجيعاً ولكن منعاً للخجل والإحراج لو سألني فيه بجد.. جلست أتابع في فتور.. مش فاهمة حاجة ولا حتي عارفة الجون بتاعنا فين، ولكن بعد دقائق انقلب الفتور إلي اهتمام ثم إلي حماس.. صحيح لسه مش فاهمة حاجة لكن مهتمة وبشجع وبدعي من قلبي بصوت عال يارب مصر تكسب. بعد المباراة وجدتني أبكي حسرة ليس علي الهزيمة ولكن لأني حسيت زي كل مصري- إني انكسرت من جوه- سهرت طول الليل أقلب في القنوات الفضائية أبحث عن أي خبر يطمئني علي الجماهير اللي اتعمل لها فخ في السودان، دعيت علي الجزائر من كل قلبي لا يفرحوا ولا ينجحوا ويترد لهم الصاع صاعين.. كرهتهم مش علشان هزمونا ولكن علشان غلطوا في مصر. أقول لكم علي سر.. أنا اتفاجئت أني بحب مصر.. بحبها ومكنتش عارفة إني بحبها.. بحبها وكتير ظلمتها!! ظلمتها لما قلت إن شوارعها مش نظيفة.. طيب ما أنا وغيري اللي رمينا الزبالة. ظلمتها لما قلت جوها يخنق.. ما أنا وغيري اللي حرقنا قش الأرز واتسببنا في السحابة السوداء ظلمتها لما قلت المواصلات زحمة ورديئة وبايظة.. ما كلنا بنتنطط في القطارات والمترو من غير تذاكر .. لو كنا دفعنا تذاكر كانت العربيات اتصلحت بثمنها.. ظلمتها لما قلت التعليم بايظ.. ما أنا وغيري شايلين شهادات قد الدنيا خدناها علي حساب الدولة وماحدش انتفع منها بسطر ولا نظرية، ولا حتي ولادنا. ظلمتها لما قلت الفن هابط.. ما كلنا بندفع فلوس علشان نعبي شرايط لمعيز وأفلام لناس مخاصمة هدومها!! تبقي فين بقي مصر اللي بنحبها؟! مصر أكبر من مجرد مباراة يتنافس فيها الفريق القومي غلب أو اتغلب. مصر مش مجرد حبر علي ورق. مصر هي التراب اللي بنمشي عليه وقرفانين منه وهو اللي اتخنق. مصر هي الجناين الخضراء اللي بندوس عليها بالجزم ونقتل زرعها. مصر هي الشارع اللي بنرمي فيه الزبالة ونقول مش نظيف. هي النيل اللي بنرمي فيه مخلفاتنا ونقول ملوث. هي صناديق الانتخابات اللي بنقاطعها ونقول انتخابات مزورة. هي مصالح الخلق اللي عطلناها بالروتين وقلنا اللوايح. مصر هي النعمة اللي كفرنا بيها وغيرنا بيتمني تراب أرضها. مصر اتظلمت معانا كثير ويمكن جه الوقت علشان نعتذر لها. سامحينا يا مصر مكانش قصدنا.. كلنا بنحبك ونفدي ترابك بدمنا. مش بس جيل أكتوبر هو اللي حب وضحي بالروح والدم.. إحنا كمان ممكن نفديكي باللي باقي من عمرنا. لابسين جينز وضاربين چيل وبنفطر شيبسي وبنسمع تامر وسعد وبنحب مهند لكن من جوه جدعان وولاد بلد وشاوري بطرف عينك تلاقينا. كلنا بنحبك يا مصر.. اللي بكي واللي شكي واللي اتضرب في السودان، واللي اتهز من جواه لما سمع انزل يا واد من فوق كتاف القاهرة واللي اشتغل في الملف اللي رايح للفيفا علشان يا خدلك حقك. أيوه بنحبك يا مصر.. بس المحبة كانت مستخبية ظهرت لما جه وقتها. لكن المحبة وحدها مش كفاية.. لازم نعمل حاجة نثبت بيها حبنا ليها. مش هقول نحبها أكثر علشان مفيش أكتر من كده.. لكن لازم نحبها صح. تعالوا.. كل واحد فينا يلم القمامة اللي قدام بيته. تعالوا.. نحترم المصالح والمرافق العامة، لا نسيء إليها ولا نزوغ مندفعش. تعالوا.. نعلم ولادنا إن حب البلد يبدأ من حب البيت والمدرسة والشارع اللي يحافظ علي نقطة الميه ويذاكر دروسه ويزرع شجرة قدام بيته يبقي بيحب مصر. تعالوا منعملش ضغط علي بعض.. اللي مش عاجبه تصرف ينبه صاحبه من غير تجريح. تعالوا اللي نجح فينا ياخد حد في ايده ويساعده بأي حاجة.. فرصة عمل.. جنيه.. نصيحة تعالوا ندفع ضريبة بسيطة للتعليم المجاني.. كل واحد أخذ شهادة يعلم واحد بس القراءة والكتابة. تعالوا كل واحد في ايده صنعة يعلم واحد من أصحابه أو جيرانه أو قرايبه تعالوا نتبرع بجنيه واحد كل شهر لمريض أو فقير أو يتيم. تعالوا نتطوع في الجمعيات الخيرية ولو نساعد بجهدنا كام ساعة كل شهر. تعالوا بقي نشوف مصر بقت إزاي. شفتوا مصر بقت حلوة إزاي.. إحنا كده خدنا بتارنا ومش مستنيين الفيفا وبناقص الجزائريين اللي مش هياخدوا غير الحسرة. مهما يحاولوا يطفوا الشمس.