لا أعرف لماذا تعجبني المرأة التي تكبرني في السن؟! بعض أصدقائي يقولون لي إن عدم خبرتي في الحياة تجعلني أبحث عن امرأة ذات خبرة أعوض بها ما ينقصني، وأصدقاء آخرون كانوا يضحكون ويقولون إنني مصاب بعقدة أوديب، وحينما أبحث أو أفضل امرأة ناضجة فهذا يعني تعبيرا عن علاقة خاصة كانت تجمعني بأمي ولم أستطع عبورها، لذلك أظل أبحث عن أمي في أي امرأة ألتقيها. عموما التفسير النفسي لهذا الاهتمام كان يمكن بحثه قبل سنوات قبل أن أعرفها وأتزوجها، كنت في الثلاثين من عمري.. وناهد تكبرني بثماني سنوات.. يعني في الثامنة والثلاثين، رأيتها عند صديق لي صاحب مكتب هندسي شهير. كنت أنوي بناء مقر جديد لشركتي.. واستدعي الأمر تصميما هندسيا من مكتب هندسي لذلك ذهبت إلي صديقي، وهناك فوجئت بناهد التي كانت تتابع كل صغيرة وكبيرة في المشروع، بل في الشركة كلها.. إنها العقل الحقيقي للمكتب الهندسي.. ومن خلال العمل اليومي لعدة أشهر اجتمعنا معا عدة مرات. في البداية انبهرت بشخصيتها القوية والمنظمة، وقدرتها علي الإدارة وتسيير الأعمال في مكتب هندسي يعمل به أكثر من مائتي شخص غير الفنيين الذين يعملون في التنفيذ والبناء، وبعد فترة بدأ هذا الإعجاب المهني يغزو قلبي ويتغير إلي مشاعر مختلفة. عزمتها علي العشاء في مطعم صيني بالقاهرة، وكشفت لها بصراحة عن مشاعري نحوها، ثم طلبت يدها. قالت: لكن فارق السن سيظل حائلا بيننا. - لا أعتقد: فارق السن لن يكون حائلا لكنه سيؤدي إلي أن نكمل بعضنا بعضا، أنت لديك خبرة في الحياة وأنا لدي طموح.. وحين تتكامل الخبرة والطموح يمكننا بناء شراكة كبيرة. - هذا الأمر يصلح في البيزنس لكن في الحياة الزوجية الأمر مختلف. قلت: الزواج هو نموذج مصغر من الحياة. ردت: أريد منك وعدا صريحا ليس بألا تتغير مشاعرك، فهذا لن تقدر عليه.. وإنما الصراحة فقط.. أرجوك إذا تغيرت مشاعرك أخبرني علي الفور لنبحث عن حل.. حتي لو كان الانفصال. بعد عشر سنوات من هذا الزواج جاء صديقنا وبدأ الحديث: أفيدوني ماذا أفعل؟ قلنا في نفس واحد: خير يا عم علي؟ قال: أشعر أنني أعيش مع أمي وليس زوجتي.. أنا في الأربعين من عمري ولا أزال في مقتبل العمر.. بينما هي تقترب من الخمسين، ولم تعد شخصيتها القوية المميزة تعني لي الكثير.. ما يعنيني أكثر هو خطوط الزمن علي وجهها ورقبتها.. هذا فقط ما أراه وأشعر به كل يوم.. لدرجة أنني لا أستطيع الاقتراب منها. ضحكنا وقلنا: الحمد لله ربنا شفاك من عقدة أوديب لكنك أصبحت في مشكلة أكبر وحلها في يديك وليس في يد غيرك.. صارحها كما اتفقتما من قبل بأن مشاعرك تغيرت. لا أستطيع.. لا أستطيع.. هكذا قال بصوت غير مسموع وهو يسارع بالعودة إلي المنزل حتي لا يتأخر عن زوجته!