سواء أصر محمود عباس على عدم ترشيح نفسه أو خضع للضغوط الفلسطينية والعربية والدولية وتراجع عن قراره، فمسألة خلافة عباس لابد أن تحسم من خلال نقاش داخلى فى فتح ونقاش عام فى الشارع الفلسطينى، حيث إن الفراغ سيحدث يوماً ما ولابد من وجود البديل أو البدائل المتفق عليها فتحاوياً، والتى تلبى طموح ومطالب الشعب الفلسطينى. انتقال القيادة بعد ياسر عرفات لم يشكل أزمة حيث لم يختلف الجيل المؤسس فى اختيار الرجل الثانى فى فتح وهو محمود عباس، أما الآن فهناك أجيال جديدة تختلف فى توجهاتها السياسية بحكم السن والمتغيرات السياسية التى تواجه القضية الفلسطينية، مما يجعل حسم الخلافة أصعب حيث تواجه القيادات التقليدية التى عاصرت عرفات وعباس منافسة من قيادات صنعتها الانتفاضة ويمثلها مروان البرغوثى المسجون فى السجون الإسرائيلية، والذى يحظى بشعبية واسعة فى الشارع الفلسطينى، وقيادات أخرى تربت فى دهاليز فتح المؤمنة بالمفاوضات التى سمحت بالاقتراب من الإدارة والمخابرات الإسرائيلية، وكونت صداقات لم يرض عنها الشعب الفلسطينى ويمثلها محمد دحلان الذى استعاد نفوذه بعد المؤتمر الأخير لفتح فى أغسطس، رغم ارتباط اسمه بقضايا فساد، وقيادات تربت فى الخارج بحكم عملها الدبلوماسى، وهى حاصلة على أعلى درجات التعليم ولديها علاقات خارجية متميزة، والأهم أنها بعيدة عن ملفات الفساد ولديها مواقف سياسية واضحة فى المفاوضات دون تنازلات ويمثلها ناصر القدوة. هذه القيادات الجديدة لها تواجد فى الشارع الفلسطينى يختلف باختلاف الأشخاص والتوجهات، يمكنها من الفوز فى انتخابات رئاسية ديمقراطية وشفافة. هناك بالطبع قيادات من خارج فتح تطمح إلى المنصب مثل رئيس الوزراء الحالى سليمان فياض الذى نجح فى إقامة علاقات مع الغرب عن طريق تبنيه لما يسمى بالسلام الاقتصادى الذى يعتمد على إقامة مؤسسات الدولة الفلسطينية، وتحسين الخدمات الحكومية قبل إقامة الدولة، وقد تعطيه الإنجازات الاقتصادية التى شهدتها الضفة الغربية فى عهده غطاء شعبياً يساعده فى الانتخابات. على فتح أن تعى أهمية ترتيب الأوراق واختيار القيادات البديلة التى ستقدمها للانتخابات، حتى لو عاد محمود عباس فى قراره، وهذا أقرب إلى الحدوث، وذلك لمواجهة جميع التيارات والفصائل الأخرى التى تنافسها، ومن أهمها حماس التى سترشح ممثلاً لها إذا ما حدثت انتخابات. القرار الذى اتخذه الرئيس الفلسطينى ممدوح عباس بالانسحاب وعدم الترشح للرئاسة يحسب له، ويزيد فى شعبيته، لأنه إعلان واعتراض عن تخلى الإدارة الأمريكية عن موقفها من إيقاف أو تجميد الاستيطان الإسرائيلى ومطالبتها له ببدء المفاوضات دون شروط تنفيذاً للرؤية الإسرائيلية، ثم محاولاتها الضغط على الدول العربية للضغط على عباس لقبول شروط إسرائيل فى الدولة الفلسطينية التى تقبلها، وهى شروط تختلف بل وتتناقض مع ما يقبل به الطرف الفلسطينى بعد كل التنازلات. لقد استشف عباس أن الضغوط الأمريكية لن تشكل أى تغيير على السياسة الإسرائيلية، وأن أمريكا التى بدأت بالتنازل عن أول شرط سوف تستمر فى التنازل ليصل الحل إلى دولة فلسطينية منزوعة السيادة بحدود مؤقتة، وتأجيل غير مسمى لقضايا القدس واللاجئين والحدود والمياه، مع ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، وهذا يعنى تصفية للقضية الفلسطينية وليس حلها، وهو لا يريد أن يتحمل الوزر التاريخى لهذه الصفقة التى لن يتقبلها الشعب الفلسطينى.