كأنى أسمع عن بشر هبطوا علينا من كوكب آخر.. وكأنى أرى بلدا غير البلد الذى أسكنه.. حدث لى هذا وأنا أتابع بعض اللقاءات التليفزيونية والحوارات الإذاعية عن أبطال معركة أكتوبر 37,. وأعترف أننى فى البداية ترددت كثيرا فى متابعة هذه الشهادات المرئية والمسموعة.. قلت لنفسى إنها تكرار لما قيل من قبل عبر 63 عاما مضت على انتصار أكتوبر.. ولكنى تدريجيا وجدت نفسى أدخل فى عالم طالما اشتقت إليه وسط أزماتنا ومشاكلنا اليومية المتكررة والتى نلوك فيها الكلام بلا معنى.. ونلوك فيها الأحلام بلا أمل!! هؤلاء البشر بتجاربهم العظيمة فى فك رموز الحرب العسكرية واستخلاص أفضل النتائج منها.. فى سنوات حشد الهمم والتضحية والاعتزاز بالكرامة والولاء للوطن.. هؤلاء الأبطال الذين لانعرف أسماءهم جيدا.. ولانتذكر وجوههم أطلوا علينا من جديد لكى يذكرونا أننا نستطيع أن نتكاتف ونهزم مشاكلنا حتى ولو بدت تافهة.. كمشكلة زحف القمامة على شوارعنا وبيوتنا.. أو بدت مستعصية كمشكلة زيادة معدلات الفقر وانخفاض مستوى المعيشة للطبقات الدنيا.. أو مشكلة تدهور مستوى التعليم والصحة والخدمات العامة. كلها مشاكل تراكمت علينا.. وأصبحنا نحوم حولها.. نتكلم.. نتعارك.. ونتاجر فيها ويكسب البعض منها ثروات طائلة.. بينما تعانى الأغلبية من الإهمال والفساد والرشوة.. هذه المشاكل كبيرها وصغيرها.. نملك نحن حلولها. الحل فى أيدينا نحن.. لو تجمعت الهمم من جديد.. واستيقظت بداخلنا روح التحدى. هذه أعظم دروس حرب أكتوبر.. وخلاصة تجارب الذين قاتلوا فيها.. واستمعنا لهم مؤخرا فى لقاءاتهم الإذاعية والتليفزيونية بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر. لقد استغرقتنا فى برامج الإذاعة والتليفزيون أحاديث نجوم الفن والكورة.. سمعنا قصصهم.. وعرفنا عنهم ماذا يأكلون.. وكيف يختارون ملابسهم.. وبطولاتهم الزائفة.. وأكاذيبهم الملونة.. وقصص غرامياتهم.. وكم مرة تزوجوا علناً أو سراً.. حفظنا أصواتهم ووجوههم.. وزهقنا من تكرار أحاديثهم.. وآن أن ندير المؤشر لنسمع قصص الأبطال الحقيقيين.. ونسألهم كيف يمكن الخروج من المأزق الحالى. إن أصحاب التجارب الحياتية العظيمة يملكون الخبرة والحكمة والطريق الصحيح. إن بعض أبطال أكتوبر.. مازالوا يشغلون بعض المواقع والمناصب الحيوية.. وعلى التليفزيون أن يستفيد من وجودهم من خلال برامج قصيرة وجذابة تساهم فى حشد الهمم المبعثرة وإعادة الروح للانتماء الحقيقى. هل من الصعب على التليفزيون بكل إمكانياته أن يجند أمهر المذيعين والمخرجين والكتاب لهذه المهمة ببرامج لاتخضع للمناسبات.. وإنما تخضع لخطة قومية مدروسة بذكاء وفن، وهى نفس الخطة التى تعمل على ترجمة ما يحدث الآن على خريطة مصر من خلال برامج تلقى الضوء على المشاريع الجديدة من خلال النماذج الإنسانية للعاملين فيها والفائدة التى تعود للمواطن العادى. لقد تابعت بكل الحماس جولة الرئيس مبارك فى محافظة الفيوم والتى نقلتها كاميرات التليفزيون.. وتوقفت أمام حجم الملايين التى رصدت للمشاريع الجديدة.. ومناقشات الرئيس مبارك مع الوزراء المختصين.. وكم الخرائط والبيانات والصور عن حجم العمل الدائر حاليا.. وتساءلت بينى وبين نفسى عن لغز هذا الصمت الإعلامى عن متابعة هذه الأعمال لكى نشارك فيها بالأمل والفرح بدلا من الانشغال بالمعارك الوهمية وتصفية الحسابات الشخصية والجرى وراء الفضائح وهزائم الكرة. إننا نحتاج إلى تعبئة معنوية تنشلنا من حالات الإحباط واليأس.. وهو الدور الذى يجب أن يلعبه الإعلام الرسمى التليفزيون أولا بدون تشنج.. وبدون تهليل كاذب أو تمجيد فج يثير الغثيان. أليس غريبا.. أن ينجح التليفزيون فى الترويج لمباريات الكورة ومسلسلات رمضان.. ويفشل فى الترويج لمشروعات الحكومة؟!