لم أعرفها من قبل سوى فى هذا اليوم.. تلك التى يطلقون عليها (الفرحة العارمة) ولم أتذوق قط لا أجمل ولا أعذب من حلاوتها.. فلهذه الفرحة مذاق يقطر شهدا مازلت أستحضره كلما اشتدت مرارة الأيام. كنت .. مثل الملايين الذين قدر لهم الله أن يشهدوا هذا اليوم الموعود 11/2/2011 اليوم الذى أجبر فيه الشعب بإرادته الحرة وبدم أبنائه الرئيس الطاغية على التنحى عن حكم البلاد. يومها اختلطت دموع الفرح التى انهمرت من العيون أنهاراً مع الضحكات التى انطلقت من القلب صاخبة. وتنافست الصرخات الهستيرية.. والزغاريد المجلجلة.. وأبواق السيارات أيهم يبلغ عنان السماء أو ليسجد لله امتنانا لهذا النصر العظيم. هرولنا جميعا للشوارع والميادين نتقاسم مع من نعرفهم ومن لا نعرفهم نشوة الفرح والخلاص وانكشاف الغمة ورفعنا رأسنا فوق.. فوق لأننا مصريون حتى هؤلاء الذين بدا عليهم التوجس مما هو آت.. ذابوا معنا رويدا رويدا فى خضم الفرح وهدير البهجة. فماذا حدث فى 365 يوماً وحول هذا اليوم التاريخى والذى حفر كعلامة فارقة فى ذاكرة ووجدان وطن وشعب عظيم إلى يوم عادى يمر على استحياء ونحن على بعد عام واحد منه فقط؟! ومن الذى سرق البهجة وأطاح بالأمل ونكل بالحلم؟ من الذى ألقى بنا فى غياهب الخوف.. والقلق.. والانكسار؟ من الذى سرق الفرح؟! هل هو الحزن.. الدم.. الانقسام.. الاتهامات أم خيبة الأمل؟ خيبة الأمل فى من توحدنا معهم وهتفنا لهم وكانت أيادينا مع أياديهم يدا واحدة ثم ما لبثت أن تحولت إلى يد طائشة تلقى بالآلاف فى السجون وتقتل المئات فى الشوارع وتسحل وتعرى البنات. هل هى الانقسامات التى فرضت على الجميع فأصبحنا خاضعين للتقسيم والتقييم، وبناء عليه فأنت مسلم ولا مسيحى.. ليبرالى ولا إسلامى سلفى ولا علمانى تحرير ولا عباسية.. قاهرى ولا بورسعيدى؟ أم هل هو الدم الذى سال طويلا خلال هذا العام وغطى أماكن كثيرة وأدمى قلوب الملايين فلم يعد الميدان وكوبرى قصر النيل هما أرض المعارك بل اتسعت وامتد نهر الدماء الغالية من البالون إلى ماسبيرو ومحمد محمود ثم مجلس الوزراء حتى فاض هناك فى بورسعيد؟ أم هل هى الأحزان التى اجتاحت الجميع لأننا فشلنا فى حماية عمر وأحلام أجمل زهور الوطن والتى لازالت فى ريعان الشباب، بينما نظام المخلوع وحاشيته الذين نهبوا الوطن تمتد جذورهم إلى باطن الأرض ويلقون إلينا بثمارهم الملعونة كل حين لأن ثورتنا التى لم تكتمل، ولم يصنها حاميها عجزت عن تطهير التربة حتى الآن. ابحثوا عن سارقى الفرح وامنعوهم من اغتيال فرحتنا. فثورتنا - أجمل أفراحنا - تستحق منا أن نحافظ عليها لأننا دفعنا ثمنها باهظا ولابد من أن ننحى عن سبيلها سارقيها. فسارقو الفرح ليس لهم مكان بيننا