هل نحن حقا نعانى من «الشيزوفرنيا» أو ما يطلق عليه التناقض بين الفعل والقول والتفكير، فهذا ما يمكن أن توصف به الحالة المصرية إزاء بعض المواقف سواء من خلال آرائهم فى الفتاة التى تم سحلها ما بين رافض لما تم لها، والآخر وجه اللوم لها وبين صورة أخرى لأطفال الشوارع التى تواجدت فى الميدان، حيث رأى البعض أن وجودهم يتسبب فى إثارة بعض المشاكل وهم ممن يشعلون الأمور فى الميدان. والبعض الآخر رأى أنهم ضحية المجتمع، ووصولا إلى الشيزوفرنيا السياسية بين اختياراتهم الموجهة نحو مرشحى التيارات الإسلامية سواء الإخوان أو السلفيين ثم تخوفهم وفزعهم من «أسلمة البرلمان»، وسيطرة التيار الإسلامى على مقاليد الأمور بداخله، مما يتبعها من تداعيات لا يرغبون فيها والخوف على ملامح الدولة المدنية. فى البداية يؤكد الدكتور جمال سلامة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس أن الإنسان عادة تنتابه عدة عوامل وداوفع مختلفة، فبداخله حالة من الصراع الداخلى بين اختياراته. وهذا الأمر ليس متوقفا فقط على اختياراته السياسية ولكننا نجدها فى جميع اختياراته. وأشار د.جمال إلى أن الناخب قد يختار من خلال منظور دينى ويختار التوجه الإسلامى باعتبار أنه متدين، أو أنه يريد أن يرضى الله بأن يختار الإسلام، وفى مقابل ذلك نرى أن بداخله بعض النواقص. وأوضح د. جمال أننا على سبيل المثال، قد نرى مواطنا يستمع إلى خطبة شيخ سلفى أو إلى قناة سلفية، ويتأثر بما يسمع ثم بعد فترة من الوقت يمسح دموعه ونجده يشاهد قناة أخرى سواء منوعات أو أفلام ويضحك على مايراه. وأضاف أن بداخل كل إنسان درجات متفاوتة من الاختلاف ناهيك عن الشعور بالنقص أيضا. وفسر د.جمال اختيار المواطنين للتيار الإسلامى، ثم الخوف منه بأن الناخب يختار مرشحا لايعرفه، وقد يكون ليس له أى شعبية وظهر فجأة، وبالتالى فهو يختار توجهًا وليس أشخاصًا ذوى توجه سياسى معروف وهذا حقا ما يسمى بالشيزوفرنيا، وقال إنه من الطبيعى أن يحضرنا مجموعة من الدوافع الشخصية المختلفة. ومن ناحية أخرى أكد د.حسن سلامة أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن هذا ليس تناقضا بل ما أسماه «مخاوف مشروعة»، لافتا إلى أن هذا الاختيار مرتبط بأمور كثيرة فى هذه المرحلة، وهى أن هناك قوة منظمة تتحدد فى التيار الإسلامى لافتا إلى أن خبرة المصريين السياسية أدركت تجارب التيار الليبرالى والاشتراكى اللذين عانت منهما وبالتالى فهى تريد أن تجرب تيارًا جديدًا آخر. وقال د.حسن: إن هذه المخاوف تأتى نتيجة تناقض تصريحات التيار الدينية المختلفة، والتى لاتعكس رؤية واضحة، لافتا إلى أن أى تصريح يعبر عن تيار بأكمله. وقال د.حسن: إننى أخشى مما أسماه «دكتاتورية الأغلبية» والتى تتشبث بآرائها استنادا إلى أنه تم تفويضها من المواطنين بأن تفعل ما تريد. وأضاف أن المخاوف مشروعة من أن الإخوان المسلمين ولأول مرة يكونون فى تجربة السلطة الحقيقة حتى تواجدهم بنسبة 88 نائبًا فى البرلمان لم يمنكهم من أداء دورهم، وتم تحجيمهم، وبالتالى فهم لأول مرة سوف يكونون على أرض الواقع، وبالتالى فالناس تتساءل: هل رؤيتهم سوف تظل كما هى أم تتغير بعد أن يصبحوا فى السلطة. وأكد د.حسن أنه لايوجد أى تناقض لأنه اختار التيار الإسلامى لأنه الأكثر تنظيما فى مصر خلال هذه المرحلة الانتقالية، ومازال المواطنوان يتساءلون: هل من الممكن أن يتغيروا بعد دخولهم السلطة؟ لافتا إلى أن السلطة المطلقة «مفسدة مطلقة» فنحن نريد برلمانًا متوزانا. وقالت د.سهير عبد المنعم خبيرة اجتماعية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية: إننا حقا نعانى من شيزوفرنيا بين التفكير والتنفيذ، فنحن نتكلم عن أمور جيدة، ولكن أحيانا لا نستطيع تنفيذها، موضحة أن المواطنين عندما اختاروا التيار الإسلامى فالأمر بالنسبة لهم بمثابة تجربة لهذا التيار الجديد على الساحة سياسيا، ولكن فى نفس الوقت فهم يشعرون بالخوف من أن يتم التجبر باسم الدين، وتكون هناك ديكتاتورية أكبر من ديكتاتورية مبارك، وأضافت د.سهير أن المواطن عندما أراد أن يختار لم يجد أمامه بدائل كثيرة متاحة، ناهيك على أن نصف المجتمع المصرى يعانى من الأمية والفقر، وبالتالى يتم استغلال هذه النقاط، وبالتالى فمن يريد أن يفرض سواء من الاتجاهات الدينية أو غيرها فإنه يلعب على هذه النقطة ويستغلها لمصلحته. وأشارت د.سهير إلى أن هناك العديد من المعايير الازدواجية والضبابية خلال الفترات السابقة، ولا يوجد اتفاق على وحدة المفاهيم فما قد يراه البعض حقًا وعدلاً يمكن أن يراه الآخر فى غير مصلحته. وأكدت د.سحر الطويلة مدير المركز العقد الاجتماعى بمجلس الوزراء أنه لايوجد أى ازدواجية فى اختيارات المصريين، فما يحدث هو نوع مما أسمته «المنطق». وقالت د.سحر إن هناك بعض المواطنين ممن أيدوا التيارات الدينية وعبروا عن ذلك من خلال اختياراتهم، والبعض الآخر يشعر بالخوف ولم يخترهم، ومن ثم فلا توجد أى ازدواجية. وأضافت د.سحر أن من اختاروا التيارات الدينية واستطاعوا أن يجتذبوا إليهم كان أكثرهم من الطبقة الوسطى، ولقد اختاروهم بمحض إرادتهم ولكننا يجب أن نعى أنهم مازالوا متربصين بهم على أمل إحداث نوع من التغير فى الحياة السياسية المقبلة، وبالتالى فإن اختياراتهم مقترنة أيضا بالتربص خلال الخمس سنوات القادمة. وأشارت إلى أن المواطنين كرهوا كل ما يمت للنظام السابق بصلة، ولديهم أمل فى التيارات الجديدة ويريدون إعطاء فرصة لهم. وقالت إن 60٪ من الذين اختاروا التيارات الإسلامية تتضمن 30٪ فئات فقيرة ومهمشة، وقد تستجيب فى بعض الأحيان إلى إغراء المال، ولقد اختارت باسم الدين، أما ال 30٪ الأخرى فهى من الطبقة الوسطى والمتعلمة التى تختار بملء إرادتها، أما باقى هذه النسبة وهى 40٪، فهم ممن يرون أن التيارات الإسلامية ليس لديها أى كفاءة سياسية أو أنهم يفتقرون إلى القدرات السياسية وبالتالى لم يختاروهم. أكد رفعت عبدالباسط أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة حلوان أن المواطن المصرى طوال الثلاثين سنة الماضية لم يكن يستطيع أن يختار مرشحه لأنه كان يدرك جيدا سيطرة الحزب الواحد على مقاليد الحكم، ومن ثم فالمواطن اختار مرشحى التيار الإسلامى لأنه أدرك أنهم التيار الوحيد المنظم طوال السنوات الطويلة الماضية من خلال ما قدمه من خدمات اجتماعية وتنموية فاستطاع أن يستقطب العديد من المواطنين ويكسبهم ومن ثم عندما جاءت الفرصة وخاض الانتخابات فاستطاعوا أن يكسبوا أصواتا بنسبة جيدة. وأضاف د. رفعت أن الشعور بالخوف لدى البعض من سيطرة الإسلاميين على البرلمان ناتج عن آراء بعض المتطرفين فى بعض القضايا سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية والتى نتج عنها بعض اللبس أو الهجوم على التيارات الإسلامية مما أشعر المواطنين بالخوف. وقال د.. على ليلة - أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة - إن المجتمع يعانى من شيزوفرنيا بين التفكير والتنفيذ موضحا أن المواطنين عندما اختاروا التيار الإسلامى من منطلق أنهم الأفضل نسبيا فى الوقت الراهن ولكن فى نفس الوقت فهم يشعرون بالخوف من تغير اتجاهاتهم السياسية وتحولهم إلى مسيطر أو ديكتاتور جديد بديلا عن الحزب الوطنى وهذا ناتج عن بعض التصريحات المقلقة خاصة على الجانب السياسى. وأشار إلى أن بداخل كل إنسان درجات متفاوته من الاختلاف ناهيك على أن بداخله شعوراً بالنقص. وفسر أن اختيار المواطنين التيار الإسلامى ثم الخوف منه بأن الناخب قد يختار مرشحا لا يعرفه وقد تكون ليس لهم أى شعبية لأنه يختار توجهاً وليس أشخاصاً ذوى توجه سياسى معروف هذا حقا ما يسمى بالشيزوفرنيا