الشيخ عماد عفت مدير إدارة الحساب الشرعى وأحد أمناء دار الإفتاء وصاحب العديد من الفتاوى التى لم يفت بها بأكثر مما أملى عليه علمه وضميره، وكان من أهم هذه الفتاوى، ما أفتى به من حرمة التصويت لأعضاء الحزب الوطنى المنحل نظرا لأنهم أفسدوا حياة المصريين السياسية والاقتصادية والصحية والإعلامية على مدار ثلاثة عقود، لكن وعلى ما يبدو كان لفتواه نصيب ليس قليلا من بين الأسباب الداعية لقتله، مع عدم التقليل من دوره كمصلح بين المشتبكين، خاصة وقد تكررت هذه الجهود للإصلاح وكنا قد رأيناها من شيوخ الأزهر خلال أحداث شارع محمد محمود، لكنها ما كانت تنجح فى تهدئة الأوضاع والفصل بين المتظاهرين ورجال الأمن حتى يندس مشعلوها من جديد لتعود إلى سابق عهدها فى الاشتعال. كان الشيخ عفت قد تصدى للفلول وأفتى بتحريم التصويت لهم، ونال الشهادة على أبواب مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضى بطلق نارى فى القلب أثناء الاشتباكات التى حدثت أمام مجلس الوزراء بين المعتصمين وقوات الأمن.ونصت الفتوى التى أفتى بها الشيخ عماد بتحريم التصويت لفلول الحزب الوطنى المنحل على »أن التصويت للفلول فى الدورات السابقة أو ممن كانوا ينتمون لعضوية الحزب المنحل هو حرام شرعا باعتبار أنهم ساهموا فى إفساد الحياة السياسية، إن ذلك الحكم مبنى على أن فلول الوطنى يرغبون فى تدمير مستقبل مصر بنشر الرشاوى والمحسوبيات ثانية بعدما قضت الثورة على تلك الأمور ومن يمنحهم صوته يساعدهم على الوصول إلى المنصة التشريعية«. وقد تجمع الآلاف من المواطنين يوم السبت الماضى أمام الجامع الأزهر للمشاركة فى جنازة الشيخ عماد عفت أحد كبار علماء الأزهر وأحد أمناء الفتوى بدار الإفتاء ومدير الحسابات الشرعية بها والذى استشهد خلال أحداث مجلس الوزراء. وردد المتظاهرون عبارات تطالب بسرعة التحقيق فى وفاة أمين الفتوى لكشف ملابساتها والمتسبب فيها مطالبين بسرعة إعادة الحياة المدنية إلى مصر. ولايزال الغموض يكتنف ملابسات مقتل الشيخ عماد عفت فى المواجهات بين المتظاهرين والشرطة العسكرية أمام مجلس الوزراء، حيث أصيب الشيخ بطلق نارى فى الصدر بشارع مجلس الوزراء أثناء الاشتباكات التى خلفت 9 قتلى ومئات المصابين. دار الإفتاء وأعلن بيان صادر عن دار الإفتاء أنها تحتسب الشيخ عفت »شهيداً عند الله«، وطالبت الدار بالتحقيق فى الوفاة وأسبابها؛ وشددت الدار فى بيانها على أن »الإسلام حرّم سفك الدماء وجعلها أشد حرمة من بيت الله الحرام«. كما دعت »جميع الأطراف إلى الاحتراز من أن تُلطخ أيديهم بدماء الأبرياء«، وشددت على ضرورة فتح تحقيق فورى فى ملابسات الحادث الأليم. وقالت أحد المصادر بدار الإفتاء إن تواجده للتظاهر شأن يخصه. ومن ناحية أخرى أصدرت أسرة الشهيد الشيخ عماد عفت الذى لقى مصرعه برصاص حى أمام مجلس الوزراء بيانا جاء فيه »إن أسرة الشهيد الشيخ عماد الدين عفت تنعى إلى محبيه وتلاميذه والأمة فضيلته الذى لقى ربه تعالى مساء الجمعة 61 ديسمبر 1102، متأثرا بطلق نارى أصابه خلال مشاركته فى مظاهرة للتضامن مع المعتصمين أمام مجلس الوزراء إننا إذ نحتسب عند الله تعالى الشيخ، فإننا نحمده جل شأنه أن أكرمه بالشهادة التى طالما تمناها«. وأضاف البيان أن الشهيد كان قد دعا الله وهو يؤدى فريضة الحج هذا العام أن يمنحها له، وفى وسط الثوار الذين شاركهم الاعتصام منذ اليوم الأول للثورة المباركة، وسارع بالتواجد معهم كلما دعا داعى الوطن، وكان معهم فى معركة تحريره من أسر المتجبرين، من غير أن يقصر فى المهمة العلمية التى سخره الله تعالى لها فى بيان الأحكام الشرعية للخلق وإرشادهم لطريق الحق جل فى علاه. وأكد البيان إصرار الأسرة على تعقب الجناة حيث جاء فيه: »ونحن نؤكد عزمنا على اتخاذ كل الأسباب لمحاسبة المسئولين عن قتله ولتحقيق ما خرج من أجله فى أول الأمر، وهو استعادة الوطن لأهله، وتحرير إرادته من أسر أعدائه، وإعادة بنائه والنهوض به ليدافع عن الأمة ويحرر أراضيها ويحقق مصالحها، ولن يهدأ لنا بال حتى تتحقق تلك المقاصد السامية، التى سالت من أجلها الدماء الزكية للشيخ وغيره من الشهداء الذين سبقوه، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا فضيلة الشيخ لمحزونون«. مندسون وقالت زوجة الشيخ الصحفية نشوى عبدالتواب إن زوجها ذهب إلى شارع مجلس الوزراء للتحدث مع المعتصمين فى محاولة لاحتواء الموقف كشيخ وعالم دين، إلا أنه وفى أثناء وقوفه بجوار المتظاهرين فوجئ بطلق نارى من مسدس أحد »المندسين« بين المعتصمين كان يقف إلى جوار الشيخ. وذكرت الزوجة أن هناك بعض المندسين وسط الثوارمعهم أسلحة نارية، وهم الذين يهاجمون قوات الأمن والجيش و يشعلون النار فى منشآت الدولة، ويقتلون الأبرياء، وهم ليسوا من المعتصمين وإنما مندسون بهدف الإشعال وتهييج الأوضاع، وقالت: لا نعلم بالتحديد لمصلحة من يفعلون ذلك؟!. وقالت الزوجة إن الشيخ عفت كان له العديد من المواقف المشرفة التى لا تخفى على أحد فهو صاحب الفتوى الشهيرة بتحريم التصويت لفلول الحزب الوطنى المنحل وجميع أعضائه السابقين فى مجلس الشعب. وقال الدكتور حسن الشافعى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء الصوفية ومستشار شيخ الأزهر: »إن الشيخ عفت رجل من أجلّ رجالات الأزهر الشريف علما وفضلا ونتقدم بالعزاء الخالص للأمة كلها ثم إلى أسرة الفقيد ثم إلى صاحب الفضيلة العلامة الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية الذى يعتبر الفقيد من أجلّ تلاميذه«. وأضاف الشافعى: ينبغى على المسئولين البحث عن الجناة ومعاقبة المتسبب فى مقتل الشيخ وفتح التحقيق لمعرفة ملابسات الحادث، مضيفا: إن الاتحاد لن يسمح أبدا بالتقصير فى هذا الأمر، وقال إن دماء شهدائنا غالية ولن تذهب هدرا. وصف الشيخ حسين القاضى - أحد علماء الأزهر الشريف - الشهيد الشيخ عماد عفت أمين الفتوى بدار الإفتاء بالثائر الحق حيث كان يباشر عمله صباحًا فى دار الإفتاء ويثور ليلا ، وقال القاضى إن الشهيد كان يتوجه فجرا منذ ثورة 52 يناير إلى جامع الأزهر ليدرس لطلبة العلم حتى الساعة التاسعة صباحا، ويتحرك بعدها إلى دار الإفتاء المصرية ليباشر عمله من التاسعة وحتى الخامسة عصرا. وأضاف حسين القاضى إن الشيخ عفت كان واحدا من ضمن الأعمدة الخمسة الكبار فى المذهب الشافعى فى مصر والعالم العربى وأنه فضل أن يثور فى الميدان تعبيرا عن آرائه ومواقفه دون أن يظهر على شاشات الفضائيات . شهيد الأزهر وقال كمال زاخر المفكر القبطى فى جنازة »شهيد الأزهر« إن جميع المصريين حضروا إلى جنازة الشيخ عماد عفت، بدافع الكرامة الإنسانية وردًا على انتهاكات المجلس العسكرى ضد المتظاهرين. وأضاف زاخر »إنه من المؤسف أن يسقط أحد شيوخ الأزهر الشريف دون أى ذنب اقترفه، سوى أنه قال كلمة حق فى وجه سلطان جائر«، وقال: نيران المصريين لن تنطفئ قبل تحقيق عادل فى جرائم الأمن ضد المتظاهرين السلميين بدءًا من أحداث »ماسبيرو«، مرورًا بأحداث »محمد محمود«، ووصولاً إلى أحداث »مجلس الوزراء« الجارية. أما القس فلوباتير جميل، كاهن كنيسة السيدة العذراء بفيصل والذى شارك بالجنازة فقال إنه ذهب إلى الجنازة التى وصفها بأنها جنازة لكل المصريين ليشارك ب»جنازة شقيقه«. مضيفا: »الرصاص لا يفرق بين دماء المصريين مسلمين أو مسيحيين لأننا جميعًا فى طريق واحد من أجل تحقيق العدل والسلام«. وأضاف أن جسد النظام السابق ما زال يحكم وأتباعه ما زالوا يعبثون بأمن وسلامة مصر، ويبذلون ما أوتوا من قوة لنشر الفوضى والذعر بين المواطنين والوقيعة بين عناصر الوطن الواحد. نشطاء وقد أصاب هذا الحادث الأليم نشطاء موقع التواصل الاجتماعى »فيس بوك« بحزن شديد، خاصة أنه أول شهيد من مؤسسة الأزهر الشريف فى الثورة، ولمواقفه النضالية ضد النظام البائد طوال السنوات الماضية. كما شهدت جنازة الشهيد مشاركة تيارات واتجاهات مختلفة سياسيًا ودينيًا فى مشهد مهيب سقطت فيه الخلافات الحزبية وتعالت أصوات الوحدة والحزن والوفاء. وتداول عشرات النشطاء والصفحات الثورية والشبابية عبارات العزاء والتذكير بمواقف الشهيد النضالية طوال فترة عمله فى الأزهر الشريف، كما أعرب نشطاء على »فيس بوك« عن حزنهم الشديد على الشيخ الشهيد من خلال تداولهم بشكل كبير لصوره قبل استشهاده وصورته بعد استشهاده ومقاطع فيديو بعد ضربه بالنار واستشهاده.