قانون مكافحة التمييز خطوة أولى مهمة جدا فى الطريق الطويل الذى نتمناه جميعا للوصول إلى حلول حاسمة لأزمات تثير الفتنة وتشيع أجواء الخوف على مستقبل البلدى الذى يضمنا جميعا. قانون مكافحة التمييز استقبله الأقباط بشىء من التفاؤل والأمل فى تفعيله على أرض الواقع بشكل جاد وحقيقى وحاسم لينهى تماما أى صور وأشكال للتمييز وليكون بداية لانطلاقنا نحو دولة مدنية تقوم على أساس حقوق المواطنة وترفع شعار «مسلم مسيحى حقوق واحدة». لكن هذا القانون يبقى فى النهاية خطوة أولى لابد أن تتبعه خطوات أخرى وبشكل سريع لإنهاء الاحتقان ومنح الأقباط حقوقهم، والمؤكد أن الخطوة الثانية لابد أن تكون فى قانون بناء الكنائس لتنتهى به الأزمات الكثيرة التى تحولت إلى كوارث تهدد وطنا يحتضننا جميعا. تلك الخطوات التى من شأنها أن تبث حالة من الأمل والتفاؤل لدى الأقباط وسط مخاوف لا حصر لها فجرتها كارثة ماسبيرو وزادت منها مشاهد أخرى أفقدت الأقباط الإحساس بالثقة والأمان وزادت من الصورة القائمة لما هو قادم، ففى الوقت الذى استقبل فيه الجميع خبر إعدام الكمونى بأنه تحرك نحو منح الأقباط حقوقهم حتى لو كانت هناك شكوك حول توقيته لكن خروج الآلاف فى جنازة حمام الكمونى الذى تم إعدامه لقتله الأقباط فى نجع حمادى منح الأقباط إحساسا بأنه تحول لدى هؤلاء إلى بطل وليس قاتلا! أيضا ما أعلنه جهاز الأمن الوطنى فى توقيت غير مناسب بتحذيره من وجود شباب كوريين فى الجامعات يبشرون بالمسيحية وهو تحذير خالفه الصواب فى الإعلان والتوقيت وغيرها من المشاهد والمواقف التى تثير مزيدا من المخاوف عند الأقباط، حتى إن التقارير أكدت ارتفاع نسبة هجرة الأقباط فى الشهور الأخيرة أكثر من أى وقت مضى. علامات استفهام وعودة إلى الأحداث فإن هناك أسئلة كثيرة لم يقدم المجلس العسكرى الإجابة عليها فى المؤتمر الذى عقده حول أحداث ماسبيرو والذى كان كل همه خلاله ليس فقط أن يغسل يده أمام العالم من دم الأقباط وإنما تحميلهم دون غيرهم مسئولية ما جرى من خلال مقاطع فيديو منتقاة من الأحداث ومعها تفسيرات حولت الأقباط إلى مجموعة من البلطجية ومثيرى الشغب الذين حملوا معهم السنج والسيوف وأنابيب البوتاجاز!! ولم يكن متبقيا فى هذا المؤتمر، الذى زاد من جراح الأقباط وعمق إحساسهم بعدم الثقة والأمان والخوف أكثر مما هو قادم، سوى الإعلان عن أن الأقباط هم من قتلوا بعضهم سواء بالرصاص أو الدهس بالمدرعات. ولو صدقنا رواية المجلس العسكرى بأن قوات الشرطة العسكرية لم تكن مسلحة ولم تطلق رصاصة واحدة ولم تقم بدهس المتظاهرين ،فلماذا لم يقدم لنا الإجابة على سؤال من قتل الأقباط؟ وإذا كان ينتظر نتائج التحقيقات للإجابة على هذا السؤال فلماذا لم ينتظرها قبل أن يصدر من خلال المؤتمر أحكاما بأن الأقباط هم من بادروا بالاعتداء وأن الأقباط كانوا يحملون أسلحة بيضاء وسوداء وكل الألوان، وهو الكلام الذى زاد من غضب قداسة البابا شنودة ليرد عليه فى نفس اليوم من خلال اجتماعه الأسبوعى مؤكدا أن الأقباط كانوا عزل وأنهم ساروا مسافة طويلة من شبرا إلى ماسبيرو وكانوا مكشوفين أمام الجميع ولو كانوا يحملون تلك الأسلحة لظهرت للجميع. مضيفا أن دم الأقباط ليس رخيصا فى رسالة واضحة منه على رفضه استخفاف مؤتمر المجلس العسكرى بدماء الأقباط التى سالت فى ماسبيرو! وربما كان ضربا من الخيال أن ينتظر أحد أن يقدم المجلس العسكرى فى هذا المؤتمر اعتذارا عما بدر من الشرطة العسكرية خلال تلك الأحداث من تعامل بعنف مع المتظاهرين بل مبادرتهم بضرب المتظاهرين كما تبين أشرطة الفيديو الكثيرة التى شاهدها وشهد عليها العالم كله.. واعتبر الأمر سذاجة أن ينتظر أحد شيئا غير ما حدث بالمؤتمر من تصريحات ومقاطع فيديو منتقاة لتثبت رواية واحدة ووجهة نظر واحدة، ولو سايرنا خيالنا وظهر المجلس العسكرى فى هذا المؤتمر بصورة الحاكم المسئول ليس فقط عن جنوده بمسلميهم وأقباطهم وإنما عن الشعب المصرى كله بمسلميه وأقباطه وبادر إلى الإعلان أنه سينتظر نتائج التحقيقات ويعاقب كل من يثبت تورطه فى تلك الأحداث أيا كان موقعه لكان قد خفف ولو قليلا من الجرح الذى يشعر به الأقباط. لكن الخيال شىء والواقع شىء آخر بل ولم يفت المجلس العسكرى فى توقيت غير موفق من الناحية السياسية أن يعلن للجميع بلهجة تحذيرية واضحة أنه سيقف ضد محاولات الاستقواء بالخارج ناسيا أن الأقباط أنفسهم كانوا فى مواقف كثيرة سابقة أول الرافضين لفكرة الاستقواء بالخارج. من قتل الأقباط؟ نعود إلى التساؤلات الكثيرة التى لم يقدم مؤتمر المجلس العسكرى الإجابة عليها، وأهمها: من قتل الأقباط بالرصاص والدهس بالسيارات وإذا كان هناك قناصة فأين هم؟ ولماذا لم يتم القبض على واحد فقط منهم مع عشرات الأقباط الذين ألقى القبض عليهم خلال الأحداث؟ وما يجب التأكيد عليه أن الأمر فى بدايته لم يكن له علاقة أبدا بالفتنة الطائفية، فالأقباط الذين خرجوا فى تلك المسيرة كانوا يبحثون عن حقوقهم الضائعة ويعلنون رفضهم هدم وحرق كنائسهم، والمسلمون كانوا معهم وبجوارهم ويؤيدون مطالبهم لكن وبعد لحظات من الكارثة جاء دور التليفزيون المصرى ليحول الأمر إلى فتنة طائفية بعد أن خرجت المذيعة الوطنية رشا مجدى لتصب جام غضبها على الأقباط وتتهمهم بالاعتداء على الجيش وتطالب بحمايته ولم تمر دقائق حتى استجاب البعض لنداء المذيعة الوطنية ليتحول الأمر إلى فتنة صورتها الكاميرات وتناقلها العالم كله.. مئات نزلوا للشارع يحملون أسلحة ويبحثون عن المسيحيين فى كل شبر بماسبيرو ليدافعوا عن الجيش مثلما طلبت المذيعة الوطنية أو مثلما كتب لها من كتب لتتحول إلى مجرد قارئة حسبما أعلنته مؤخرا. فمن يصدق أن التليفزيون المصرى الذى يجب عليه أن يكون خط دفاع عن الوحدة الوطنية هو الذى يشجع على الفتنة؟ وأن أيا من قياداته لم تتم محاسبتهم حتى الآن تماما مثل السيد محافظ أسوان الذى لم يقترب أحد منه رغم أنه وصف من اتخذوا قرار هدم كنيسة أو مضيفة الماريناب بأنهم شباب متحمسون وكأنه يمنح رخصة الهدم لكل من يتحمس، وبدلا من أن يتحدث كمسئول عن أهمية سيادة القانون تحدث عن حماس الشباب! لقد حدث ما حدث ودخل الحزن إلى البيوت وامتلأت القلوب بالجراح لكن يبقى السؤال الذى لم يجب عليه أيضا مؤتمر المجلس العسكرى رغم اعترافه بأن للأقباط حقوقا لم يحصلوا عليها وهو: متى سيحصلون عليها خاصة أن القرار السياسى الآن فى يد المجلس العسكرى الذى أعلن فى مؤتمره اعترافه بضرورة حصول الأقباط على حقوقهم؟. لا للتحريض لقد جاءت الخطوة الأولى من خلال قانون منع التمييز وهى خطوة طيبة لكنها لا يجب أن تكون الخطوة الأخيرة فالأقباط ينتظرون أيضا قانون دور العبادة الموحد والأهم من القوانين، هو تفعيل هذه القوانين بشكل قوى وحاسم على أرض الواقع وبعيدا عن القوانين وتنفيذها هناك مسئولون كثيرون يجب أن يقوموا بدور من أجل التئام الجراح فيجب أن تتوقف لهجة التحريض ويجب أن يلعب الإعلام دوره الوطنى الحقيقى ولا أقول الإعلام الرسمى الذى يحاول الآن قدر المستطاع تجميل صورته لكن الإعلام الخاص عليه مسئولية كبيرة منها أنه الآن صاحب الانتشار الأوسع ونسبة المشاهدة الأكبر. بلدنا فى خطر وعلينا جميعا أن نحكم ضمائرنا ونعود إلى قيم التسامح والإخاء والمحبة التى تدعو لها الأديان جميعا حتى لا تتكرر تلك الليلة السوداء مرة أخرى لأن مصر لا تستحق منا ذلك أبدا.