كل مهنة أو وظيفة أو حرفة ولها أصول معروفة ومتوارثة! من أصغر مهنة إلى أكبر وظيفة لابد أن يكون صاحبها عارفاً بأصولها ملماً بخباياها، فاهماً لكل فتفوتة تتعلق بها!! هل تتصور «حلاق» أو «كوافير» لا يعرف كيف يمسك بالمقص ويتجول بأنامله فى رأسك أو رأسها فيحول تلك الغابة من الشعر إلى حديقة شعر! هل تتصور «طباخ» لا يعرف الفرق بين الملح والسكر أو بين الشطة والزعتر أو بين الزبدة والزيت!! هل تتصور «شحات» أو «متسول» لا يجيد الدعوات لك بطول العمر والعيشة الهنية والرضية وربنا يبعد عنك ولاد الحرام! هل نتصور «مطرب» أو «مغنى» أبكم لا يستطيع الكلام أو «موسيقار أو ملحن» فاقدا لحاسة السمع!! هل تتصور «رسام أو فنان تشكيلى» لا يعرف الفرق بين اللون الأبيض وبين اللون الأسود أو بين الموف والأحمر المشخلع! وخذ عندك مئات أو آلاف المهن والحرف والوظائف، فإذا غابت الأصول والمعرفة باظت المهنة وفسدت الوظيفة! ينطبق هذا على كل المهن والحرف إلا مهنة وحرفة الإعلام، سواء كان هذا الإعلام صحافة مكتوبة أو فضائيات مسموعة! غابت الأصول فى أغلب الأحيان ومعظم الأوقات، المهم أن تكون عالى الصوت تجيد الزعيق فيمن حولك، وتشخط وتنطر أمام المشاهدين، وتستخدم عشرات الكلمات الكبيرة المجوفة والجوفاء من قفص المصطلحات الذى يباع فى أسواق الهمبكة الإعلامية هذه الأيام!! فإذا كان قفص المصطلحات السياسية بعشرة جنيهات، فإن قفص المصطلحات الاقتصادية بثمانية جنيهات أما قفص المصطلحات الفنية والنقدية فلا يزيد ثمنه على سبعة جنيهات فى سوق الجملة!! ويمكنك أن تشترى كيلو «مصطلحات مشكل» - ربع كيلو سياسة على ربع كيلو اقتصاد ونص كيلو خليط من باقى المصطلحات - حتى تصبح مسلحاً تماماً عند الكتابة أو الرغى فى الفضائيات! لكن بمرور الوقت أصبحت كل هذه الأقفاص وما بها من مصطلحات مضروبة فقد فهمها القارئ والمشاهد بل أصبح يستخدمها فى حياته اليومية! تصرخ الزوجة المسكينة فى وجه زوجها المقصر فى كل شىء قائلة: إذا كنت عارف دلالة صيرورة التحول الديمقراطى، مكنش ده بقى حالك، روح شوف جوز أختى واستيعابه لثبات الحركة، وديمومة زمن الصمت وفهمه للحداثة والمعاصرة! هل خطر ببالك المغزى الحضارى والأيديولوجى للنكتة التاريخية البايخة التى تقول «مرة واحد جه يقعد على قهوة قعد على شاى»!! صحيح أنها نكتة بايخة وعبيطة لكن فلاسفة ومنظرى التوك شو وكتيبة المحللين والخبراء لا يتركون الأمر هكذا، ولديهم الشرح والتحليل والتنظير! هناك تفسير يقول إن حالة السيولة السياسية والانفلات الأمنى هو الذى جعل الرجل مرتبكاً ومتردداً فجلس على الشاى بدلا من القهوة! ويعترض المحلل الآخر قائلاً: إذا لم نحسم مسألة الدستور أولاً أم الانتخابات أولا فستظل حالة الارتباك قائمة والحيرة موجودة ما بين الجلوس فوق الشاى أو القهوة! أما الخبير الكروى اللهلوبة فيقول إن المسألة برمتها ليس لها علاقة بما جرى بعد ثورة 25 يناير، وسقوط النظام ولكن حيرة الرجل الذى جلس على الشاى بدلا من القهوة سببها الخروج المبكر للمنتخب القومى من تصفيات أفريقيا وكذلك حيرة اتحاد الكرة فى اختيار مدير فنى جديد للمنتخب، وإذا كان صحيحاً أنه سيكون الأمريكى «برادلى» هو المدير الفنى الجديد ألا يعنى ذلك حالة من التبعية الكروية للإمبريالية الكروية المعروفة بمناهضتها للحرية الكروية فى العالم الثالث! ووسط هذا الجدل المحتدم والنقاش الساخن داخل الاستديو يجىء صوت إحدى المشاهدات وبعد التحية على البرنامج الجماهيرى المحترم وضيوفه المحترمين تقول المشاهدة إنها كتبت قصيدة مستوحاة من مناقشات ضيوف البرنامج. أما القصيدة فتقول: الحكاية والرواية، سرك فى العباية! الأمل جوه المحطة، وقلبى نط نطة. وهنا ينقطع صوت المشاهدة، وينبرى الجميع فى تحية قصيدة المشاهدة الذكية. هذه التفاهة والسطحية والهمبكة الإعلامية تحاصرك أينما توجهت إلى أى قناة، فإذا لم تعجبك هذه التفاهات فاذهب إلى قنوات «الفوازير» أو «تحضير الأرواح» أو «الفرق بين الصورتين» ففيها العمق والجدية والمعرفة الحقيقية!