حادثة كاميليا شحاتة تكشف إلى حد كبير المسكوت عنه في الإعلام المصري ، وبشكل أساس الإعلام الخاص ، الصحافة والفضائيات ، لأن الإعلام الرسمي معروف أنه يتحرك وفق تعليمات وتوجيهات تصل أحيانا إلى ما يشبه الريموت كونترول ، فلن نضيف إلى القارئ أو المشاهد جديدا إذا قلنا أنه إعلام وظيفي موجه ، وأما الإعلام الخاص ، والذي يتبختر على رأسه في الشاشات أو صفحات الصحف من يقدمون أنفسهم أبطالا ضد الفساد أو مناضلين مع الحريات العامة وحقوق الإنسان أو مدافعين عن الدولة المدنية ، فهؤلاء جميعا هم الذين يتآمرون الآن على قضية المواطنة المصرية "كاميليا شحاتة" ، ويتواطؤن مع "السجان" على إهدار حرية مواطنة بريئة كل ذنبها أنها اختارت دينها الجديد ، وحتى إذا تجاوزنا عن مسألة اختيارها للإسلام ، فإن مجرد حبسها وتقييد حريتها من قبل مؤسسة دينية هي جريمة ومأساة إنسانية يستحيل على أي ضمير إنساني أن يتجاهلها ، ناهيك عن كون ذلك إهدارا للأسس الدستورية للدولة وتغييبا للقانون وتحويل المؤسسات الدينية إلى سلطات سياسية وقانونية وأمنية موازية لسلطات الدولة ، هل يمكن أن تتصور أن جميع برامج مما يعرف بالتوك شو ، والتي وصفها بعض الساخطين الآن ببرامج "التوك توك" ، بالكامل تتجاهل واقعة كاميليا شحاتة أو طرحها للنقاش مع قانونيين أو سياسيين أو رجال دين ، الفضائيات الخاصة التي كانت تتفاعل بحماسة مع قضية أربعة مواطنين تعاركوا أمام مخبز آلي مثلا ، تتجاهل مظاهرات حاشدة في وسط القاهرة يحضرها آلاف المتظاهرين ، وكأن هذه الفضائيات تعيش في دولة أخرى وعالم آخر ، هل يمكن أن يفسر أحد مثل هذا التجاهل العمدي إلا بوصفه كشفا للحقيقة التي طال إخفاؤها عن المشاهدين ، وهي أن هذه القنوات تعمل لحسابات خاصة ، ووفق أجندات خاصة ، ولا تعمل من أجل الحقيقة أو الشفافية أو تلك المعاني الجميلة التي تتصدر كلمات مقدمي برامجها المتحمسين ، هل يمكن تصور أن صحيفة مثل "المصري اليوم" تملك جيشا من المحررين والمراسلين تعجز عن تغطية المظاهرة الكبيرة التي شهدها مسجد الفتح في وسط القاهرة ، في ميدان رمسيس ، وليس في حلايب والشلاتين ، بحيث لا تنشر عنها شيئا يذكر ، هل يمكن تفسير هذا الموقف ، أنا لن أذهب إلى المعاني المتداولة بين المثقفين الغاضبين والمعروفة بين الجميع من أن أحد أهم ملاكها هو الملياردير المسيحي نجيب ساويرس صاحب المواقف المعلنة ضد الإسلام ومظاهره ، ولا أن مدير تحريرها ، صاحب القرار التنفيذي الأول فيها هو صحفي مسيحي أيضا ، ولكني أتحدث هنا عن المهنية المجردة ، حتى لو كان مالكها يهوديا ، هل حدث بمثل هذا الحجم والأهمية يمكن تجاهله بسهولة دون أن تخسر مصداقيتك المهنية واحترامك لنفسك ، وهل يمكن أن تضحي صحيفة بمصداقيتها إلى هذا الحد إلا إذا كانت لديها توجيهات محددة بتجاهل الحدث ، أو أن القائمين عليها يدركون من تلقاء أنفسهم حدود "الأجندة" التي يعملون من خلالها فهربوا من الحدث ، وحتى قناة ساويرس عندما أرادت أن تمر على الحدث في برنامج يتيم خافت أن تأتي بمن يعبر عن وجهة النظر الأخرى ، وجهة نظر الملايين من المصريين الغاضبين الآن ، فاكتفت بوجهة النظر القبطية ، رغم أن الشهود موجودون ، وهم بالمقاييس المهنية "هدية" ومكسب كبير لأي منبر إخباري صحفي أو تليفزيوني ، كما أن المعبرين عن الرأي الآخر أشهر من أن تجهلهم قناة ساويرس ، ولسنا منهم بطبيعة الحال ، لأننا في المصريون أبلغناهم مرارا من قبل أننا لا نتعامل مع إعلام ساويرس ، ناهيك عن دعوة المتخصصين لمناقشة القضية الخطيرة من جوانبها القانونية والدستورية والحقوقية والإنسانية والدينية والسياسية أيضا ، بل إن ما يثير دهشتك أن أحدا من تلك القنوات الفضائية أو الصحف لم يحاول مجرد محاولة أن يسأل : أين كاميليا ، أو أن يطلب إجراء حوار صحفي أو مقابلة تليفزيونية معها ، وكأنه عار يفر منه أو غير لائق مهنيا أن يطلبه ، الكل يعرف في صميم نفسه الفضيحة والكل يحاول الهرب منها ، إذا عبرنا عما حدث من الإعلام الخاص تجاه قضية "كاميليا" بأنه فضيحة ، فربما كان التعبير أقل من أن يصف حقيقة المشهد ، منظومة الإعلام الخاص في مصر الآن مزورة بالكامل ، وربما كانت أشد قدرة على تزييف الوعي من الإعلام الرسمي ، وهي على كل حال انعكاس لحال الفوضى وبعثرة القيم التي تعيشها مصر في أكثر من صعيد ، حيث طفا على سطحها زبد كل شيء . [email protected]