استطاع أن يكسب حب من حوله من موظفى الشركة فعندما تراه لا تصدق أنه شخص معاق فابتسامته البسيطة وخفة دمه تجعلك تقترب منه، ولعل هذا هو الذى جعله يكسب حب من حوله من موظفى الشركة. فعمره يقترب من ال 48 عاما بينما ملامح وجهه تشير إلى الشباب ولعل ذلك بسبب بشاشة وجهه إنه (مجدى جمعة عبده). يتعامل مع من حوله بلغة الإشارة من خلال ملامح وجهه البشوش وابتسامته البسيطة وخفة دمه استطاع من خلالها أن يجذب من حوله للحديث معه (فلعل ذلك يدعو إلى الدهشة عند البعض، ولكنها حقيقة أكدها زملاؤه فى العمل بشركة المياه فرع عين الصيرة، ذهبنا إلى الشركة بصحبة أستاذنا الكبير لويس جريس لمقابلة عم مجدى وتحاورت معه بالأصابع وملامح الوجه البشوش كانت أهم سمات المقابلة بيننا. تقابلنا مع فايز إبراهيم رئيس تحصيل عين الصيرة بشركة المياه وقال إن هناك شخصين لديهم إعاقة يعملان بالشركة باعتبارهما من نسبة 5% معاقين، موضحا (مجدى يعمل فى الشركة منذ ما يقرب من 14 عاما فراشا فى أعمال النظافة). لافتا إلى أن خفة دمه وذكاءه هى التى جعلته محبوبا بين العاملين بالشركة وقال إن إعاقته لم تمنعه من العمل بشكل جاد وعلى أكمل وجه (كما وصفه فايز) فهو (يجعل المبنى مثل المراية) أما الشخص المعاق الآخر فهو محمود الذى يعمل فى توصيل الأوراق إلى مقر الشركة الرئيسى فى رمسيس، فالآخر أيضا يتمتع بالذكاء ولا ينسى شيئا فهو يقوم بعمله بنفسه (تسليم وتسلم البوسطة). وبدأ فايز إبراهيم يحكى لنا على (عم مجدى) أنه أصم وزوجته عفاف أيضا صماء ولقد رزقهما الله بأولاد يتحدثون بشكل طبيعى، وفى نفس الوقت يستطيعون أن يتواصلوا مع والدهم ووالدتهم بلغة الإشارة. ويتذكر فايز قائلا: مجدى هو الذى كان يقود مظاهرات المعاقين للتنديد بما حدث للفتاة الخرساء التى تم اغتصابها منذ بضع سنوات وهى (توحيدة) وكان يطالب بالقصاص من القتلة. وعم مجدى يتميز بالأمانة فى العمل والإخلاص ومنضبط فى مواعيد عمله، وعندما سألته أين يعيش قال لى إنه يسكن مع أسرته فى منطقة الإمام الشافعى بالقاهرة. ويحكى فايز بعض المواقف الإنسانية والطريفة أحيانا مع عم مجدى قائلا: مجدى لديه موتوسيكل ولقد عزمته فى فرح ابنتى فى منطقة الظاهر ولقد أركبت معه الموتوسيكل ولم أشعر بأى خوف وكنت اركب معه كأنه شخص سليم لا يعانى من أى إعاقات وضحكت معه قائلا: إننى أتذكر الآن فيلم الكيت كات للفنان محمود عبدالعزيز عندما كان يقود الموتوسيكل ويسير وكأنه شخص سليم والباقى ممن حوله هم ممن لا يرون. فرد على ضاحكا هذا نفس المشهد الذى استدعيته فى ذاكرتى حين إذن. وعندما أبديت دهشتى من حصول عم مجدى على الرخصة قال لنا: إن الأصم له حق استخراج الرخصة بناء على نسبة السمع لديه. وبعد فترة اقتربت من ساعة تقريبا انتظارا لمجىء عم مجدى، دخل المكتب علينا بابتسامة ووجه بشوش وعينين تلمعان وعندما رأى الأستاذ فايز قام بتقبيله ورحب بكل الموظفين ممن كان يجلسون بالغرفة بكل حفاوة، وعلى الرغم من أن عمره يقترب من ال 48 عاما كما ذكر لى الأستاذ فايز إلا أن ملامح وجهه شباب مليئة بالبشاشة. وبدأنا نتحدث سويا بلغة الإشارة، والتى تعلمتها منذ سنوات أثناء عملى مع البعض منهم وبدأ هو الآخر يفهم إشاراتى ونتفاعل فى الحوار معا والذى وصل فى بعض الأحيان إلى القفشات والضحك سويا. ورحبت به فى البداية ثم بدأنا نتحدث (والأصابع كانت بطلة الحوار). وعندما سألته وأنا أضحك على ركوبه الموتوسيكل رد على قائلا: كنت أركب سيارات وموتسيكلات منذ 15عاما، وعندما سألته عن زوجته وأولاده فقال لى أنه متزوج من عفاف وهى الأخرى صماء ولدى 4 أولاد. فقلد (تزوجت أول مرة ولم أوفق وتركتها وعندما سألته عن السبب) أشار بيده إلى الله قائلا بتعبيرات فمه- هذا أمر الله- وقال إن لدى ولدين وابنتين. وجاء إلى ذهنى وأنا أتحدث معه أحداث فيلم الأخرس للفنان الرائع نور الشريف عندما كان يجسد قصة شاب أصم وقصة حبه وزواجه، فسألته عليها هل شاهدت الفيلم، فرد على بلغة الإشارة بكلمة نعم، ثم بإشارة أخرى وهى أن الفيلم حلو. وبالطبع لن أنسى مشهد نور الشريف وهو يقوم بتركيب اللمبات فى الشقة وعندما سألته زوجته لماذا تركب هذه اللمبات أشار إليها بعلامة الصبر إلى أن ينتهى من عمله وبعد أن انتهى من تركيبها خرج إلى باب الشقة وقام برن الجرس فإذا باللمبات تضىء ارتباطا بجرس الشقة. وسألته هل تتذكر هذا المشهد فرد على بالإشارة (طبعا) وقال لقد قمت بتنفيذ نفس الفكرة فى منزلى وعندما أضرب الجرس تنير اللمبات فيعرفون أن هناك شخصًا على الباب. وعن طقوس حياته اليومية قال لى عم مجدى ( إننى أصلى فى المسجد وعندما سألته كيف تصلى وأنت لا تسمع الإمام فأشار إلى قلبه وقال بهمسات فمه (أصلى بقلبى). ولهذا فإننى اعتدت الصلاة فى جماعة لأن هذا الأمر يكون أيسر على بدلا أن أصلى فى البيت بشكل فردى. وعن كيفية تفاعله مع أولاده قال: علمت أولادى لغة الإشارة منذ الصغر حتى نستطيع أن نتحدث معهم أنا وزوجتى عفاف وضحك بشدة معى وقال بالإشارة.. علمتهم عشان يفهمونى وأفهمهم ، وهنا تدخل الأستاذ فايز ليشرح له بالإشارة عن اندهاشى من قيادته للموتوسيكل فرد على عم مجدى: أخرج مع أولادى ويركبون ورائى على الموتوسيكل دون الشعور بأى خوف وأشار إلى قلبه وقال لى إن الشخص لابد أن يكون قلبه جامد فى السواقة. وقلت له إنهم يقولون عنك (أنك ذكى) فرد بلغة الإشارة ورفع يده إلى الله وقال الحمد لله. وعندما سألته عن سبب إصابته بالصم قال لى: أصابتنى السخونية وأنا طفل صغير عندما كان لدى 7 سنوات. ولكن والدىَّ يتكلمان بشكل طبيعى. وقال لى إنه يذهب إلى قهوة محددة فهناك مجموعات قهاوى خاصة بهم هى مكان تجمع الصم. وعن معاملة الموظفين له بالشركة قال لى إنهم يعاملوننى معاملة (حلوة) وأنا بحب الشغل هنا. وقال عم مجدى إننى أيضا باشتغل منجد صالونات وداعبته قائلا: هل لو أردت أن تعمل لى صالون هيكون حلو ولا وحش؟ فابتسم ضاحكا ورد على بنفس لغة الإشارة والتى كنت أتحدث بها طبعا حلو. ثم سكت قليلا وأراد أن يرينى كيف يتحدث مع ابنته من خلال الإشارة عبر الهاتف وهنا تدخل الأستاذ صلاح الدين زين أحد موظفى إدارة التحصيل ليساعدنا فى الإشارة ويطلب منه أن يرينا كيف يستخدم الموبايل للتواصل مع أسرته وبدأ بالفعل يتحدث مع ابنته عبر الهاتف وبلغة الإشارة ويقول لها: اصحى من النوم ويبلغها بأنه يجلس مع الأستاذ لويس وصحفية أخرى يتحدثون معه. وعندما سألته هل تذهب إلى السينما فقال لى نعم (أذهب مع أصحابى) ولمَ لا تذهب مع عفاف؟ فضحك وابتسم بضحك مع أصحابى وبجلس كتير، وعن أهم الأكلات التى يحبها رد على بلغة الإشارة (فراخ بانيه والسمك). وقلت له هل تعرف ماذا حدث لمبارك!! رد قائلا وبلغة الإشارة ومشبكا يديه فى اليد الأخرى إنه محبوس وبدأ يكمل كلامه بالإشارة أن جمال وعلاء كانا يقفان أمام مبارك عشان محدش يشوفه ثم ضحك بشدة وقال لى إن مبارك كان بيلعب فى مناخيره على الرغم من أنه يدرك أن العالم كله بيشوفه. وعندما سألته لو قابلت المشير طنطاوى فماذا تقول له.. فرد قائلا: مش هينفع أقابله لأنى أخرس. ولكنى ممكن أقابل عصام شرف وأطلب منه يهتم بالمعاقين. وتقابلنا مع ابنته هدى والتى تبلغ من العمر 12 عاما وقالت لى: أنا فى الصف الثانى الإعدادى ولى أخت أخرى تسمى ندى فى الصف الثالث الابتدائى وأشارت إلى أننى لا أجد أى صعوبة فى التحدث مع أبى أو أمى بلغة الإشارة. فكما ترين أنا وأختى نتحدث بشكل طبيعى وعندما نتحدث مع بابا وماما فيكون ذلك من خلال لغة الإشارات. وقالت لى إنهما حرصا على تعليمنا لغة الإشارة منذ الصغر حتى نستطيع أن نتفاهم معا وقالت: أبى عندما يكون خارج المنزل ويريد أن يتحدث معنا فيكون ذلك من خلال الموبايل ويبدأ الحديث بالإشارة ونتفاعل معه أيضا بالإشارة.