فور اختياره لمنصب رئيس القناة الفضائية المصرية سارعت إليه لالتقاط أولي الخطوات التي سيمضي لتحقيقها للنهوض بهذه القناة خاصة بعد الأحداث المتلاحقة التي اشتعلت داخل مبني ماسبيرو. علاء بسيوني إعلامي ذو فكر متمرد ومتطور وهو أحد سفراء منظمة الإغاثة الإسلامية بلندن وهو أيضا أحد مؤسسي جمعية «حياة بلا تدخين». فهو متعدد الأنشطة والطاقات والأفكار، وهذا ما سنقدمه في هذا الحوار. بداية قلت له: مبروك توليك منصب رئيس الفضائية المصرية.. وربنا معاك فالمسئولية ليست سهلة خاصة أن القنوات المصرية أصابتها حالة سكتة دماغية ومحتاجة للعناية المركزة. - ابتسم لي قائلا: نحن جميعا نعيش علي أعتاب مرحلة جديدة، كلنا في حالة إعادة ترميم وبناء علي المستوي النفسي والفكري والاقتصادي. وأنا أصلا ابن الفضائية المصرية، فأنا عملت فيها منذ عام 1990 ومع مجموعة من الزملاء الأفاضل هم جميعهم إخوتي وأصدقائي. قاطعته: ما الجديد الذي ستبدأ به عملك في هذا المنصب؟ - أجاب: أنا لن أصرح بأي شيء إلا بعد ما أعمل دراسة وافية للمرحلة الجديدة، ولكن هبدأ بأهم شيء وهو إزاي نفعل دور قيمة الحب بين الناس وبعضها.. إزاي نخلي الناس تحب شغلها ويكون الحب سلوكا ممزوجا في كل أفعالهم وإزاي نوجه كل ده لصالح المشاهدين. مصر بلد كبير جدا وله ريادة وبصمة فعالة علي كل الدنيا ولازم القطاع الفضائي يعبر عن كده. وسأحاول أن أجعل الفضائية المصرية شاشة جديدة تعبر عن مصر وعن المواطن المصري الغلبان اللي محتاج أن يصل بصوته إلي كل المسئولين. - سألته: إزاي هتدعم قيمة الحب بين الناس.. ألا تري أنها رؤية رومانسية منك.. مع العلم أنك تميزت كمذيع يتحاور في المسارات الدينية؟ - قاطعني قائلا: تبقي داهية سودا لو الناس فهمت إن الحب مالوش علاقة بالدين.. الدين هو منهج الحياة.. هذا الدين هو الذي علمني إزاي أعمل في ظل روح الجماعة.. وإزاي أتقن عملي فإتقان العمل فريضة.. والدين هو اللي علمني إني بدون منهج مش هأوصل للنتائج. أخبارك إيه بعد سقوط النظام.. أنا عارفة أنك واحد ممن وقع عليهم ظلم النظام السابق؟! أجابني: الكل يعلم مدي الضغوط التي وقعت علي أثناء تولي صفوت الشريف لوزارة الإعلام ومن بعده أنس الفقي. فأنا أعتبر نفسي واقفا في ميدان التحرير من سنة 2000، وذلك لأني مشاغب ومتمرد علي أوضاع غير سوية، وفي ذلك الوقت كنت قد سافرت خارج مصر وشاهدت برامج «توك شو سياسي» وفكرت أقدم مثلها في التليفزيون المصري ولما علم صفوت الشريف بهذا حاربني واستبعدني من برنامج «صباح الخير يا مصر»، إلي أن جاءت السيدة زينب سويدان رئيس التليفزيون في تلك الفترة واختارتني للقيام ببرنامج ديني جذاب موجه للشباب ويختلف عن النمط الكلاسيكي لشكل البرامج الدينية. في البداية تخوفت من التجربة إلي أن ساق الله لنا الدكتور عبدالله شحاتة وكان نجم برنامج «رب اشرح لي صدري»، واتجهت إلي مجمع البحوث الإسلامية كي أتطلع علي أمهات الكتب الإسلامية وتأثرت كثيرًا بهذه الكتب.. ونجح البرنامج نجاحا جماهيريا.. وأحسست أن الموضوع تحول من كوني صاحب برنامج إلي صاحب رسالة وشعرت بالمسئولية وتغيرت حياتي ولقيت سكتي الإعلامية والإسلامية. إلي أن جاءت مناسبة ذكري المولد النبوي واتصلت بالدكتور عبدالله شحاتة واعتذر لي لمرضه، فاتجهت لاختيار وجوه جديدة وكانت هذه الوجوه هي الشيخ محمد جبريل والدكتور محمد هداية، والدكتور أحمد شوقي إبراهيم أستاذ الإعجاز العلمي، وكانت سهرة «ولد الهدي» هذه السهرة التي كانت نقطة تحول لي ولضيوف هذه السهرة. ولكن بعد دوي نجاح هذه السهرة جاءت الأوامر من صفوت الشريف بكتم صوتي. وحدث أن عاد الدكتور عبدالله شحاتة من إجازته المرضية وسجل عدة حلقات وبعدها توفي.. وكأن القدر كان يمهد الطريق لظهور برنامجي الجديد «الرحمن علم القرآن»، ويكون د. محمد هداية والشيخ محمد جبريل هما ضيفا حلقاته، وحقق البرنامج نجاحا مبهرا.. هذا النجاح أدي إلي محاربة د. محمد هداية والشيخ محمد جبريل. وعندما توليت منصب مدير عام الشباب في القناة الأولي منذ خمس سنوات تقدمت بأفكار جادة وهادفة، ومن ضمنها فكرة برنامج بعنوان «اسمعونا» وهو عبارة عن صرخة الشباب وعرض احتياجاتهم وأفكارهم وسماع أصواتهم. وكالعادة تم تجميد الفكرة وبدأت أشعر بالإحباط، واتجهت إلي علماء المسلمين وطلبت فتواهم.. فقالوا لي: من أهدافك أن تطرح قيمة أدبية للشباب وتمنع فسادا. ونصحوني أن أستمر وأصد أي فساد وأعتبره جهادا في سبيل الله.. وأخذت بنصيحتهم، ولكن فوجئت بمن يطالبني بحلق ذقني.. واندهشت أنهم يقيموني علي حسب موديل ذقني مش علي حساب فكري وثقافتي وجهدي، ونصحت أن أحلق ذقني وإلا ستتأخر ترقيتي رغم كفاءتي والتزامي بعملي.. ورفضت الترقية في مقابل عدم حلق ذقني. وأدركت أن الاحترام لازم له ثمن يتدفع له!! الوضع الحالي سألته: ما الذي تتمناه للإعلام المصري؟ - أجابني: أنا أتمني أن يتحول الإعلام إلي إعلام الشعب مش يتحول لهيئة اقتصادية يجيب إعلانات. محتاجين نراعي 44 ألف موظف.. ونسأل هل كلهم أكفاء أم لا؟ طب والناس الوحشة اللي فيهم واللي فاتحين بيوت هنعمل معاهم إيه؟! هل محتاجين ثلاث قنوات والا لعشرين قناة؟! الكل دلوقت بيدور علي أكل عيشه وليس هناك انضباط في المعدين والمذيعين وهذا هو السبب في انتقالهم من إدارة لأخري بحثا عن لقمة العيش. تساؤلات كثيرة محتاجة دراسة وحلول قوية لها!! إحنا محتاجين وجوه جديدة علي الشاشة.. وأتمني تحقيق ده بعد انتخاب رئيس الجمهورية! - ما الجديد لديك في الوقت الحالي خاصة بعد انسحاب الصحفيين من العمل داخل جهاز التليفزيون وبعد النجاح المدوي الذي حققوه في برامجهم، وهل تري أن هذا الانسحاب أفاد أم أضر؟! أجابني: أنا لست ضد تواجد الصحفيين في مجال الإعداد التليفزيوني أو التقديم.. ولكن لابد أن يكون هناك موازنة بين أولاد مبني ماسبيرو وبين التعامل مع الصحفيين بدون تفاوت في الأجور وفرص العمل.. يعني الصحفي في البرنامج سواء كان مذيعا أو معداً يتقاضي أجره زيه زي أي عامل داخل مبني ماسبيرو، لكن ما كان يحدث قبل سقوط النظام واستعانة أنس الفقي بنجوم من الخارج من الصحافة والفن خلق هذا التفاوت في الأجور والحقوق. إحنا محتاجين لفكر احترافي يطبق في العمل.. عايزين دعاية زي دعاية الفضائيات لبرامجها، عايزين لافتات علي كوبري 6 أكتوبر لبرامجنا، هو ده اللي هيجيب مشاهدين ومعلنين، ولك أن تعلمي أن العاملين في برنامج «مصر النهاردة» كان عددهم (170) شخصاً من خارج المبني. في حين برنامج «أنا المصري» فيه عشرة أشخاص بنشتغل بدون ميزانية ولا أجور لمدة شهرين!! ودا مش معناه إنه تقصير من أي حد ولكن محتاجين لدعم ودعاية.. فين دور القطاع الاقتصادي؟! محتاجين تسويق للأفكار!! الكل ينجذب للقنوات الفضائية؟ قاطعني: القنوات الفضائية تعيش في مأزق واضح لأنها قبل سقوط النظام كانت تعيش علي البرامج الساخنة لكي تظهر أن النظام يطبق الديمقراطية ويترك مساحات للنقد والفضفضة.. بينما الحقيقة هي تبادل مصالح بين رجال الأعمال وقيادات النظام.. لكن بعد سقوط النظام توقفت المصالح وضعفت البرامج. ماذا تفتقد إنسانيا؟! جاوبني: أفتقد مجلس النبي- صلي الله عليه وسلم- كنت أتمني لقاءه وبحاول أشتغل له عشان أفوز بمجلسه يوم القيامة. وأفتقد قدرتي علي الفرح من جوه قلبي، مفيش حاجة بتبسطني.. مفيش غير إني بأنبسط في تقديم قيمة للمشاهد. الفرحة جوايا اتغيرت.. ورغم إن الشعب المصري ابن نكتة.. والنكتة تعبير عن الخروج من أي مشاكل سياسية أو نفسية.. لكن السؤال الآن: أنا عملت إيه كمصري لبلدي قبل ما أفكر أضحك؟! لو أصبحت رئيسا للتليفزيون.. ماذا ستفعل؟ - أجاب: هأعمل مجلس إدارة من كل التخصصات وأحدد أهداف المرحلة القادمة وهأعمل في المجلس ده مشاهدين وخبراء لاستشارتهم في كل المشاكل.. وهأجيب المشاهد الغلبان أسأله... لأن هذا المشاهد هو البطل الوحيد الذي سينجح عملي به، وسأعتمد علي الكفاءات من مختلف التخصصات داخل وخارج ماسبيرو. كلمتك الأخيرة في هذا الحوار؟ - الإنسان يطبع بقدميه علي خطي كتبها الله له.