قارب شهر رمضان علي الانتهاء ولكن حكاياته وأحداثه لم تنته من تاريخ القاهرة الفاطمية من ألف عام .. وما زالت الأيام تضيف حكايات جديدة .. فكل عام وقاهرة المعز في عزة وسلام. • الغوري آخر المماليك هو الملك الأشرف أبو النصر قنصوة الغوري، ويعد الملك السادس والأربعين من ملوك المماليك وأولادهم بالديار المصرية .. كان أصله جركسي الجنس من مماليك الأشرف قايتباي، أجمع الأجناد علي تولية قنصوة الغوري سلطنة مصر .. أحضر القضاة والخليفة العباسي المستمسك بالله يعقوب وبايعوه بالسلطة .. ودقت له الطبول وجلس علي كرسي الملك وهو رافض له خاش من بطش الأمراء به .. فهو ليس بأفضلهم، ولكن الأمراء الكبار تجنبوا الإقدام علي السلطنة خوفا من بعضهم البعض .. فأرادوا تولية من هو أضعف منهم حتي إذا أرادوا إقالته كان ذلك عليهم يسيرا فقبل السلطنة بعد أن اشترط علي الأمراء ألا يقتلوه إذا أرادوا (خلعه) فقبلوا منه ذلك واستمر في السلطنة خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما. لم تكن صفات الغوري الشخصية وطموحاته السياسية هي السبب في توليته السلطنة كما كان الحال عند سابقيه من السلاطين والملوك المماليك .. بل كانت طموحات غيره من الأمراء هي إدارة شئون الدولة وتحقيق مطامعهم علي حساب سلطان ضعيف يمكن اعتباره كبش فداء عند الحاجة إلي ذلك .. إلا أنه أخلف ظنهم جميعا !! فكان لسنه التي قاربت علي الستين أثر في إكسابه الحنكة والدهاء فكان قوي التدبير، فثبت حكمه تثبيتا عظيما وأخذ يتربص بأكابر الأمراء حتي قمعهم وأفناهم وصفت له المملكة ولم يتبق له فيها منازع . ولكن مال إلي الظلم والتعسف والنهب في أموال الناس من أجل بناء العديد من القصور والمباني الخاصة به حتي انقطعت بسببه المواريث .. فضج أهل مصر منه فسلط الله عليه السلطان العثماني سليم الأول فأزال ملكه وهزم جيشه في موقعة مرج دابق في سنة 1516 م .. حيث قتل السلطان فأمر الأمير (علان) عبدا من عبيده فقطع رأس السلطان وألقي به بعيدا حتي لا تقع جثة السلطان الغوري بين يدي السلطان سليم فلا يطوفون برأسه علي جميع البلاد ولم يتعرف علي جثته بعد انقضاء المعركة. • مدرسة الغوري أنشأها السلطان الملك الأشرف أبو النصر قنصوة الغوري. وتتكون المدرسة من مدخل رئيسي رائع البناء .. وصحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات .. ثم غرف لسكني الأساتذة والطلبة .. ومئذنة ضخمة مبنية بالحجر المشذب. ومما يسترعي النظر أن الغوري قد بالغ في تزيين مدرسته حتي جاءت في غاية التزخرف .. ووصفها السلطان العثماني سليم الأول بغناها .. الأمر الذي يوضح لنا ما كانت عليه هذه المدرسة من مغالاة في الزخرفة والزينة ومدي ما أنفق عليها من الأموال بغير حساب. ويبدو أن السلطان العثماني قد أعجب بعمارة المدرسة، إذ يذكر ابن إياس أنه في شهر ربيع الآخر سنة 923 ه قد شرع في فك الرخام الذي يزين قاعة البيسرية .. وقاعة البحرة والقصر الكبير وغير ذلك من المنشآت الموجودة بالقلعة .. كما فك الأعمدة الموجودة في الإيوان الكبير .. وقيل إنه ينوي إنشاء مدرسة في إسطنبول مثل مدرسة الغوري . • جامع المؤيد شيخ يطل هذا الجامع بواجهته الرئيسية (الجنوبية الشرقية) علي شارع المعز وبواجهته الجنوبية الغربية علي شارع تحت الربع وبواجهته الشمالية الشرقية علي شارع الأشرفين.. ومطلا بواجهته الشمالية الغربية علي حمام المؤيد شيخ. ولد المنشئ سنة 770 ه .. أحضره إلي مصر محمود البزردي وكان عمره حين ذاك 13 سنة ثم اشتراه الأمير برقوق - قبل السلطنة - عندما كان أتابكيا .. ولما ترقي برقوق السلطنة أعتق المؤيد شيخ من رقه .. وولاه خاصكيا ثم ساقيا . وفي 8 من شعبان سنة 815 ه خلع الأمير شيخ المحمودي الخليفة العباسي ووثب علي السلطنة .. وتلقب بالسلطان المؤيد شيخ المحمودي . وكان قد شرع في بناء المسجد والمدرسة في ربيع الأول سنة 818 ه /1415 م .. ابتدأ بعمارة المدرسة المؤيدية وانتهي منها 823 ه دون القبة الضريحية . وكان سبب البناء أنه عندما كان المؤيد شيخ أميرا في خزانة شمائل (سجن) فقاسي في ليلة من البق والبراغيث شدائد كثيرة فنذر إن نجاه الله وملك مصر أن يجعل من هذه البقعة مدرسة لآهل العلم ومسجدا لله . ويتكون هذا المسجد من مساحة مستطيلة الشكل في أقصي الطرف الجنوبي من الواجهة الرئيسية للمدخل الرئيسي حيث يفضي إلي دركاة مربعة الشكل .. بضلعها الجنوبي فتحة باب تفضي إلي دهليز بنهايته فتحة تفضي إلي الداخل .. وبالضلع الشمالي للدركاة فتحة تفضي إلي ضريح المنشئ وابنه .. وبضلعها الجنوبي الغربي فتحة تفضي إلي داخل المسجد حيث تتكون من صحن سماوي يتوسطه ميضأة .. يحيط به أربعة أروقة أكبرها وأعمقها رواق القبلة حيث يتوسط جداره الجنوبي الشرقي محراب القبلة يجاوره منبره الذي يعتبر من أكبر وأعظم المنابر في العالم الإسلامي، وللمسجد مئذنتان فوق باب زويلة . • باب زويلة (بوابة المتولي) سمي بهذا الاسم نسبة إلي إحدي القبائل المغربية التي جاءت مع جوهر الصقلي، وقد أطلق هذا الاسم علي أحد أبواب المنصورية بشمال إفريقيا . وكان موقع هذا الباب عندما أسس القائد جوهر سور القاهرة الجنوبي عند زاوية سام بن نوح وسبيل العقادين (محمد علي) القائم علي رأس حارة الروم .. ثم بناه في مكانه الحالي بدر الجمالي وزير الخليفة المستنصر بالله سنة 485 ه / 1092 م علي بعد 190 مترا من أسوار جوهر .. ويعرف هذا الباب بين العامة باسم بوابة المتولي إلي درجة أنه غير معروف باسمه الأصلي إلا بين فئة محدودة من المتخصصين والمثقفين . هذا ويتكون باب زويلة من كتلة بنائية ضخمة أكبر قليلا من بابي النصر والفتوح .. إذ تبرز نحو ثلث الكتلة البنائية لكل برج خارج سور القاهرة لبدر الجمالي .. ويكتنف البرجين ممر مكشوف يؤدي إلي باب المدخل .. ومنه إلي رحبة مربعة واسعة مغطاة بقبة ضحلة تحملها مثلثات كروية في الأركان الأربعة .. وبالجانب الشرقي من الرحبة دخلة عميقة متعامدة الجوانب تغطيها طاقية أو نصف قبة ترتكز عند ركن الدخلة علي نوع غريب من المقرنصات عبارة عن مجموعة من الحنيات علي صفين تتوسط كل منهما حنية ذات ضلوع مشعة. ويرتفع البرجان البارزان لباب زويلة إلي ثلثي الارتفاع الكلي في بناء مصمت .. وتأتي في الثلث العلوي من كل منها حجرة دفاع كان يغطيها قبو طولي يتقاطع مع قبو عرضي جهة الجدار المطل علي المعربين البرجين كأساس المئذنتين للجامع في سنة 818 ه / 1415 م فلجأ إلي ثقب الجزء الأوسط من أقبية كل من الحجرتين .. وشيدت قاعدتا المئذنتين فوق الكتلة الصماء مباشرة لكل من البرجين، ثم ارتفع بالقاعدة المربعة لكل مئذنة حتي اخترقت الأقبية إلي أعلي سطح الحجرة .. ثم أكمل بناء باقي طوابق المئذنة، ولما سقطت المئذنتان أعادت لجنة حفظ الآثار العربية بناءهما وخاصة الجزء العلوي علي طراز مئذنة جامع المارداني بشارع التبانة وذلك في سنة 1348 ه.