سعر الموز والتفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    نقيب الزراعيين: بورصة القطن رفعت الأسعار وشجعت الفلاحين على زيادة المساحات المزروعة    عاجل- صندوق الاستثمارات السعودي يضخ حزمة استثمارات كبرى في مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي بين القاهرة والرياض    بيان فلسطيني غاضب بعد "الفيتو" الأمريكي بمجلس الأمن ضد وقف حرب غزة    هيئة المسح الأمريكية: زلزال بقوة 7.8 درجة يضرب "كامتشاتكا" الروسية    فلسطين.. قوات الاحتلال تداهم منزلًا في بلدة كفر قدوم شرق قلقيلية    زيارة تاريخية للأقصر.. ملك إسبانيا وزوجته في حضرة الملكة حتشبسوت    واشنطن تجهز مقبرة «حل الدولتين»| أمريكا تبيع الدم الفلسطيني في سوق السلاح!    رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير يقود مبادرة لإنهاء الحرب في غزة    الاتحاد السكندري يقيل أحمد سامي بعد الخسارة أمام الكهرباء وعقوبات بالجملة على اللاعبين    رسميًا.. الاتحاد السكندري يعلن إنهاء تعاقد أحمد سامي وإيقاف مستحقات اللاعبين    أمينة عرفي تتأهل إلى نهائي بطولة مصر الدولية للإسكواش    نجم الأهلي: لن أخوض الانتخابات أمام الخطيب    بيان عاجل من الترسانة بشأن حادثة الطعن أمام حمام السباحة بالنادي    هل يقضي نظام البكالوريا على الدروس الخصوصية؟.. خبير يُجيب    بحضور درة ولطفي والسفير التونسي.. حفل افتتاح مميز لمهرجان بورسعيد السينمائي الأول    محافظ قنا يناقش آليات تقنين أراضي الدولة والتعامل مع المتقاعسين    انخفاض سعر الذهب عيار 21 عشرجنيهات اليوم الجمعة في أسيوط    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    جوارديولا: الفرق الإيطالية لا تُصدق في الدفاع.. وممتن لأننا مررنا بأسبوع صعب    بعد رباعية مالية كفر الزيات.. الترسانة يقيل عطية السيد ويعين مؤمن عبد الغفار مدربا    "خارج الخدمة".. ماذا قال ياسر ريان عن مستوي الأهلي مع النحاس؟    ميلونى: تدشين نفق للسكك الحديدية تحت جبال الألب يربط بين إيطاليا والنمسا    سادس فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة خلال عامين    تغطية خاصة| "رحلة الأسورة الذهبية التاريخية من المتحف إلى الصهر    مصر والإمارات توقعان 5 مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون بقطاع الطيران المدني    صور.. افتتاح الدورة التاسعة لملتقى «أولادنا» لفنون ذوي القدرات الخاصة بالأوبرا    دينا الشربيني ل"معكم": تارا عماد نفذت مشاهد انتحارية في "درويش".. جريئة في الاكشن    بإطلالة جريئة.. أحدث ظهور ل ميرنا جميل داخل سيارتها والجمهور يعلق (صور)    بحضور الوزراء والسفراء ونجوم الفن.. السفارة المكسيكية بالقاهرة تحتفل بعيد الاستقلال الوطني "صور"    الأسورة النادرة ساحت وناحت.. مجدي الجلاد: فضيحة تهدد التراث وكلنا سندفع الثمن    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    خليكي ذكية ووفري.. حضري عيش الفينو للمدرسة في المنزل أحلى من المخبز    أوفر وخالٍ من المواد الحافظة.. طريقة تجميد الخضار المشكل في البيت    شروط النجاح والرسوب والدور الثاني في النظام الجديد للثانوية العامة 2026-2025 (توزيع درجات المواد)    4 ظواهر جوية .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : «اتخذوا الاستعدادات اللازمة»    السجن المشدد 7 سنوات والعزل من الوظيفة لموظف بقنا    ضبط عاطل بحوزته كمية من المخدرات وسلاح ناري بكفر الشيخ    4 أبراج «حظهم حلو مع كسوف الشمس 2025».. يشهدون أحداثًا مهمة ويجنون الثمار مهنيًا وعاطفيًا    كائن حي يحول المياه للون الحليبي.. سر أضواء غامضة تنير البحار ليلا    كسوف الشمس 2025 .. موعد أطول حدث فلكي وأماكن رؤيته    رضا عبدالعال منفعلًا: «منهم لله اللي غرقوا الإسماعيلي»    تعرف علي آخر تطورات سعر الذهب اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025 فى مصر    طريقة عمل كفتة الأرز وصفة زمان المميزة    بمكونات متوفرة في البيت.. طريقة عمل الكيكة الهشة الطرية للانش بوكس المدرسة    "حافظوا على الحوائط".. رسالة مدير تعليم القاهرة للطلاب قبل العام الجديد    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم كل ما تحتاج معرفته    بالصور.. جامعة الفيوم تكرم المتفوقين من أبناء أعضاء هيئة التدريس والإداريين    محافظ كفر الشيخ: برامج للنشء والشباب وقوافل دعوية للتوعية الدينية وتعزيز الفكر الوسطي المستنير    الشوربجى: اهتمام كبير برفع مستوى العنصر البشرى .. ودورات تدريبية متخصصة في الذكاء الاصطناعي    صندوق التنمية الحضرية "500 ألف وحدة سكنية سيتم طرحها خلال المرحلة المقبلة"    زيارة مفاجئة لرئيس المؤسسة العلاجية إلى مستشفى مبرة مصر القديمة    التمثيل العمالي بجدة يبحث مطالب 250 عاملًا مصريًا بشركة مقاولات    الرئيس الكازاخي لوفد أزهري: تجمعني علاقات ود وصداقة بالرئيس السيسي    هل تواجد امرأة في بلكونة المسجد وقت العذر الشرعي يُعتبر جلوسا داخله؟.. أمين الفتوى يوضح    الإمام الأكبر يكرِّم الطلاب الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    الدفعة «1» إناث طب القوات المسلحة.. ميلاد الأمل وتعزيز القدرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
السلطان الرضيع
نشر في الأخبار يوم 09 - 03 - 2011

من يصدق ان مصر حكمها يوما طفل عمره ستة شهور؟، جري ذلك في العصر المملوكي، وكم عرفت مصر من المضحكات المبكيات.
لماذا العصر المملوكي؟
لانه الاقرب إلي زماننا بل يمكن القول ان قيمه هي السائدة وبالتحديد في العقود الاربعة الاخيرة، اقول الاقرب لان المماليك وهم الاغرب عن مصر اخلصوا لها وحاربوا من اجلها وشيدوا حضارة عظيمة اكثر من اولئك الذين نهبوا مصر بشكل لم نعرفه منذ ايام مينا موحد القطرين، ما يجمع العصرين هو الشخصنة تركيز الدولة في شخص. وبالتالي تصبح نظراته وحركاته وايماءاته ورضاه وغضبه بديلا للدستور والقانون.
انني اتحدث عن العصر المملوكي الاول الذي كانت مصر فيه دولة مستقلة تحمي البحرين والحرمين.
اما العصر المملوكي الثاني فهو الذي تحولت فيه إلي ولاية بعد استعمارها من قبل العثمانيين، وذلك عصر الفوضي الذي اختفت فيه الدولة وهذا ما ندعو الله ان يبعد مصر عنه، ورغم بشاعة ما جري فيه لم نعرف في مصادر التاريخ حدثا يشبه انسحاب الشرطة من الشوارع من المدن المصرية، هذا حدث مروع وحرب علي الشعب المصري شنها من كانوا اقسي عليه من الاجانب.
خلال الفترة الاخيرة بدأ السباق نحو رئاسة مصر، ومع احترامي للشخصيات التي تحتل الواجهة فلا اري منها واحدا يليق، غير ان التاريخ يعلمنا امكانية تحقق اللامعقول، وفي هذه اليوميات استعيد حقبة اعقبت موت الملك المؤيد شيخ الذي قتل ابنه بالسم وبعد ان مات لم يجدوا إلا طفله الرضيع لكي ينصبوه سلطانا، كيف جري ذلك؟
إليكم التفاصيل
من يحكم؟
».. فلما كان يوم الاحد سابع وعشرين ذي القعدة من سنة احدي وتسعمائة توفي الملك الاشرف ابوالنصر قايتباي المحمودي ا لظاهري، دفن في اليوم التالي، رحل بعد ان حكم مصر والديار الشامية تسعا وعشرين سنة واربعة اشهر وواحدا وعشرين يوما، كان سلطانا عظيما شهما، وقورا وافر العقل، سديد الرأي، يتروي في الامور قبل وقوعها، شجاعا، فارسا قديرا، وكان عصره من العصور الزاهية.
بعد وفاته صار السؤال المطروح: من بعده يلي الحكم؟ كان هناك عدد من المماليك يتربص بكرسي السلطنة، مثل الامير قنصوه خمسمائة وكرتباي الاحمر، ولما كان انقضاض احدهم علي السلطة سيفجر الصراعات والحروب، فقد جرت العادة في مثل هذه الاحوال علي تولية احد ابناء السلطان حتي لو كان طفلا رضيعا.
وبمضي الايام تتم الغلبة لمن هو اقوي. هكذا وقع الاتفاق علي سلطنة ابن السلطان، بايعه الامراء من غير موافقة والده الذي كان يلفظ انفاسه الاخيرة، وتلقب بالناصر، كان عمره اربعة عشر عاما واشهر، يقول ابن اياس: »ولو كان قايتباي واعيا لما مكن الامراء بأن يسلطنوا ولده، ولا كان ذلك قصده«. ويبدو ان الاب كان يعرف ابنه جيدا، المهم احضرت شعائر الملك، وهي الجبة السوداء، وقد فصلت علي قده، ولفت له عمامة لطيفة مناسبة له، وقدمت اليه فرس النوبة بالسرج المذهب والكنبوشي، وتقدم الامير قنصوة وحمل القبة والطير علي رأسه، ومشي السلطان حتي جلس علي سرير الملك، وهكذا تولي امر مصر والديار الشامية حدث عمره اربعة عشر عاما دون البلوغ.
..تأسف الناس علي موت قايتباي، وخرجوا إلي جنازته، حتي ان ابن اياس يقول »وكانت جنازته مشهودة بخلاف من يموت من الملوك« ولم يستبشر الناس خيرا بالسلطان الجديد، ويبدو ان ظاهرة الحاكم القوي الذي يعقبه سلسلة من الحكام الضعاف تتكرر في التاريخ المصري، نجدها في العصر الفرعوني، رمسيس الثاني مثلا يموت، ويخلفه اثنا عشر من الرعامسة، لا يتوقف عندهم احد، خوفو الذي شيد الهرم الاكبر، ثم خفرع الاقل حجما حتي في هرمه، ثم منقرع، ثم ملوك اخرين غير معروفين، وفي تاريخنا الحديث بدأت الاسرة العلوية بمحمد علي باشا الكبير، وانتهت في القرن التاسع عشر بالخديو توفيق الخائن، والجبان، الذي نكب مصر بالاحتلال الانجليزي.
هكذا جاء الناصر ابن الرابعة عشرة خلفا لابيه قايتباي العظيم، كان جميل الهيئة مليح الشكل، ولكنه هذا النوع من الجمال الذي يخفي في طياته القبح الداخلي. والشر، والقسوة الزائدة، لم يشعر بحزن كبير علي والده، انما راح يمعن النظر فرحا في السلطة التي اصبحت فجأة بين يديه، الامراء الكبار يقبلون له الارض بين يديه، الخليفة يمشي منكس الرأس، الكل يسعي اليه، ويطلب وده، لا شيء يحول دون تحقيق رغباته، في نفس الوقت عظم امر الاتابكي قنصوة خمسمائة إلي الغاية، حتي انه لم يصل مع السلطان صلاة عيد النحر، ولا صلاة الجمعة، وفي بداية عام اثنتين وتسعمائة شعر السلطان ان الكل يتربص به، فأحضر المصحف العثماني. وحلف عليه سائر الامراء والعساكر، ولم يطلع قنصوة خمسمائة ولم يحلف في بداية الامر علي الولاء للسلطان، ولكنه طلع بعد ايام وحلف أيمانا غير صادقة، ويبدو ان السلطان الغلام شعر ببعض الاطمئنان بعد القسم، لم يكن شيء يحول دون تحقيق شهواته، بدأ طيشانه يظهر، في احد الايام قبض علي امرأة، وضربها بين يديه بالمقارع، وامر بإشهارها علي حمار وفي عنقها زنجير حديد، وهذا شيء لم يحدث قط من قبل، ان تضرب امرأة بين يدي سلطان، بل انه ضربها بنفسه، وبدا متلذذا بالضرب، مستمتعا به، ثم بدأ في النزول من القلعة ومصاحبة الاوباش، واللعب معهم، وتدخين الحشيش، واتيان الرذائل واضطر الامراء إلي احاطته بأربعة من الحاشية لمنعه من النزول واللعب مع اولاد العوام وصار الأمير تاني بك الجمالي يبات عنده كل ليلة في القلعة ليمنعه من ذلك، ولكن رغبات السلطان كانت اقوي، وشهواته اعنف، وطيشه اعظم، ولم يكن يهتم بمظاهر السلطنة، في ربيع الاول »209ه« اقام السلطان المولد النبوي، وكان حافلا، وكان اول احتفال عام يقيمه، ويحضره، جلس بين الامراء، وفجأة اعتراه النعاس، واضطر الامراء الي رش الماء علي وجهه حتي يفيق، في هذه الفترة بدأت الاطماع تتحرك، في جمادي الاول تزايدت الاشاعات بوقوع فتنة كبيرة، وفي مثل هذه الحال تغلق الاسواق تقفر الطرقات، ويقبع الناس خلف جدران بيوتهم ينتظرون نتيجة الصراع، وللمرة الثانية يحضر السلطان المصحف العثماني ويحلف الامراء والجند عليه، ولم تمض عدة ايام حتي تحرك الامير قنصوة، ركب بعساكره، وملك باب السلسلة، ثم جلس وارسل يستدعي امير المؤمنين الخليفة المتوكل، والقضاة الاربعة، وسائر الجند، فلما تكامل المجلس تشاوروا في خلع السلطان الناصر وسلطنة قنصوة، وبالفعل قرروا خلع السلطان تشاوروا في ذلك وكتبوا محضرا، وشهد فيه الكثيرون، وبويع الامير قنصوة بالسلطنة وتلقب بالاشرف ابي النصر، وقبل له الامراء الارض والعسكر قاطبة، ونودي باسمه في القاهرة، وارتفعت له الاصوات بالدعاء، ولم يتبق له إلا ان يركب فرس النوبة، ويلبس الجبة السوداء، والعمامة السلطانية وتحمل علي رأسه القبة والطير، والاهم من ذلك كله صعوده إلي قلعة الجبل، وجلوسه علي سرير الملك، والاستيلاء علي القلعة في العصر المملوكي كان هو الفيصل في الصراع، كان سقوطها يعني استلام السلطة بشكل كامل، ويعكس ذلك مركزية السلطة الشديدة في مصر، ولكن وقعت عجائب، وغرائب، كما يقال:
ستقضي لنا الأيام غير التي غدت
ويحدث من بعد الأمور أمور
كل الأمور مهيأة
أرسل السلطان الجديد بعض الامراء الي القلعة للقبض علي الملك الناصر، ولكن جماعة من مماليك أبيه تعصبوا له، وتصدوا للامراء، وكان علي رأسهم خال السلطان الناصر، ودار القتال في القلعة، واستمر حتي يوم الجمعة مستهل جمادي الاخرة، في هذا اليوم اصاب قنصوه سهم سقط مغشيا عليه، فحمله الغلمان علي اكتافهم، وبقي لباسه بدكته ظاهرا للناس، ورأسه مكشوفة، وهكذا فقد السلطان الجديد هيبته، واختفي في القاهرة، فلما انكسر نزّل مماليك السلطان الغلام، ونهبوا الامراء والخليفة، وخطفوا عمائم القضاة ونوابهم وفي اليوم التالي طلع الخليفة والقضاة الي القلعة، لتهنئة السلطان الغلام بانتصاره، وبايع الخليفة السلطان الغلام مرة ثانية بعد ان كان قد خلع منها، انعم السلطان علي خاله الذي صار صاحب الحل والعقد بالديار المصرية، وصار السعي الأرباب الوظائف من بابه، وبعد عدةأيام ظهر الامير قنصوه مرة اخري، ولكن لم يتحمس الجند للوقوف معه، فاضطر للهرب مرة اخري خارج القاهرة، ولم يمض وقت طويل حتي قتل، غير ان تمرد قنصوه جعل السلطان الغلام مهددا باستمرار، حتي ان بعض المماليك اقترحوا تغيير لقب السلطان، ولقبوه بالملك الاشرف علي لقب أبيه، واحتج بعض الامراء، كيف يكون ذلك وقد خرجت المناشير الي كل البلاد باللقب الاول، ولكن المماليك صمموا، وعند ذلك نودي في القاهرة ان السلطان تغير لقبه، الي الملك الاشرف، فتعجب الناس من ذلك، وصار الخطباء فريقين بعضهم يخطب باسم الملك الناصر، ومنهم من يخطب باسم الملك الاشرف، وقع الاضطراب في كل شيء، وهجم المنسر علي سوق باب اللوق وسوق تحت الربع، وقطع العربان الطرق في الريف، وبرغم اضطراب الاحوال، فإن السلطان الغلام لم يتعظ ولم يثب الي رشده، بعد انتهاء الفتنة اندفع في سلوكياته أكثر قوة، وأشد.
اختار السلطان الغلام عددا من اللصوص، والاوباش، فصاحبهم، ولازمهم وصنعوا له مركبا صغيرة، جعل فيها حلوي وفاكهة وجبن مقلي، وكان ينزل بنفسه في المركب، ويبيع كما يبيع الباعة في بركة الرطلي زمن فيضان النيل، وكان يقلد أصوات الباعة، ويبدو مسرورا بتمثيله دور البائع، ثم يظهر لمن يلعب معهم فجأة القسوة، يذكرهم بأنه السلطان، واذ يري رعبهم منه يضحك، يضحك مسرورا، وفجأة امر بالقبض علي سبعة من أهل الفساد الذين كانوا يلعبون معه، ادخلهم الي الحوش في وسط القلعة، أمر بقيدهم، ثم استدعي المشاعلي »الملكف بإعدام الناس«، وطلب منه ان يعلمه كيف يوسطهم، فراح المشاعلي يعلمه ذلك أمام رفاقه في اللعب، وهو يختلس النظر بين الحين والحين إلي وجوههم مستمتعا برعبهم ثم تقدم منهم، امسك بالسيف، وبدأ بأن قطع ايديهم، ثم قطع آذانهم، ثم قطع ألسنتهم بيده، وكلما علت صرخاتهم، كلما ازداد قسوة، وازداد متعة، وبعد ان وسطهم جميعا، دخل الي قاعة الملك ليدير امور الدولة، لقد رأي الذعر الانساني، واشبع عينيه فرأي الدماء، انه يريد ان يري ذعر الحيوانات، امر بإحضار عدد منها وقطعها بيده، ثم امر بإحضار عدد من الحيات السامة، فقطعت بحضوره، وبعد انتهاء تقطيعها اهدي من قاموا بهذه العملية الخلع والهدايا.
العيد
الامور تضطرب، يجيء الصيف ويشتد الحر، يعز وجود السقايين، يتكالب الناس علي الجمال التي تنقل المياه من النيل حتي انهم تخانقوا بالعصي، يتزايد اذي المماليك، ينزلون الي الاسواق ويعترضون المارة، يخطفون العمائم، وخطف العمائم من الأمور الشائعة، في هذا الزمان لان الناس اعتادوا وضع نقودهم في لفات القماش التي تحيط بالعمامة، إلا من مفتقر تماما، والسلطان كلما تقدم به السن لا يعقل ولا تدركه حكمة، في يوم التاسع والعشرين من شهر رمضان عام 209ه، يأمر السلطان بأن تدق الكوسات في القلعة، يقول لمن حوله »أنا أعمل العيد في الغد من هذا الشهر ان رأوا الهلال أو لم يروا«، فلما اشيع ذلك بين الناس ركب قاضي القضاة الشافعي زين الدين زكريا وطلع الي القلعة، فاجتمع بالسلطان وراح يشرح له ان العيد لا يكون شرعا إلا اذا رئي الهلال، وشق الامر علي السلطان، غضب، كيف لا ينفذ ما ارتأه، كيف لا تتحقق رغباته حتي وإن بدت مخالفة للشرع، للدين، أليست خيوط السلطة كلها في يده، هم بعزل القاضي في ذلك اليوم، في اليوم التالي كان الخميس ولم يظهر الهلال، فجاء العيد يوم الجمعة، وكان السلطان يخشي في اعماقه مجيء العيد يوم الجمعة، بسبب اعتقاد ساد في مصر خلال العصور الوسطي، وحتي الان بين الطبقات الشعبية، وهو انه اذا جاء العيد يوم الجمعة، واقيمت الصلاة فيه مرتين كان ذلك ايذانا بزوال الحاكم عن قريب، جاء العيد يوم الجمعة، ولم يخرج السلطان الي الصلاة، ولم يطلع الاتابكي تمراز الي القلعة، ولا بقية الامراء المقدمين، ولم يكن السلطان في موقعه، انما كان في قاعة البحرة يقضي العيد مع الاوباش واللصوص.
يقول ابن اياس:
»وكان الناصر في تلك الأيام في غاية الطيشان..«
وينتهي عام 209ه، ويعلق ابن اياس:
»وقد خرجت هذه السنة علي ما شرح فيها من الفتن والافكار، والفساد، وخراب البلاد، ووقع فيها الغلاء وتشحطت الغلال، وقتل فيها من الامراء نحو من خمسين اميرا، ما بين مقدمين ألوف وطبلخانات وعشرات، وقد تقدم ذكر ذلك عند وقوع كل حادثة، من اوائل هذه السنة الي اواخرها، حسبما اوردناه من الوقائع، وقتل من الجند والعرب نحو من ألف انسان فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..«.
سلطان في الرابعة عشر، مراهق، شاذ، ما من شيء يحول دون رغباته الحسبة، ينزل بين الحين والحين الي تربة ابيه مع أصحابه اللصوص، وفي الليل يأتي بما لم يسمع بمثله، يقول ابن اياس:
»وفيه نزل السلطان وبات في تربة ابيه، وحصل منه تلك الليلة عدة مساويء لا ينبغي شرحها«.
وفي هذه الأيام يجيء الطاعون، ومات من الاطفال والمماليك والعبيد والجواري عدد كبير، واستمر المماليك في اذاهم للسلطان استخفوا به، وجاروا علي الناس بخطف القماش من الدكاكين والبضائع من الاسواق، وصاروا يستخفون بالسلطان والامراء، حتي قيل ان بعض المماليك كان راكبا علي فرس حرون، فصادف جنازة في وجهه، فجفل منها فرس ذلك المملوك، فسقط الي الارض، فخرج خلفه وهاش علي الحمالين الذين يحملون الميت، فهربوا بعد ان القوا الميت علي الارض، فلما هربوا راح يضرب الميت حتي شفي غليله!
كل تفاصيل الحياة تصبح قبيحة، إذا كان الحاكم قبيحا، عرفنا ذلك جيدا في مصر، طوال تاريخها البعيد، والقريب، اما السلطان الغلام فلاه، لا يعبأ، غارق في طيشه، ينزل الي بولاق في مولد سيدي اسماعيل الامبابي، رحمة الله عليه، يعبر النيل في قارب، ومعه بعض أولاد عمه، أوقد حراقة نفط هائلة »صواريخ« وبات هذه الليلة في المركب، ثم تكرر منه ذلك في عدة ليالي اخري، ثم صار يركب بنفسه في كل ليلة بعد العشاء وامامه فانوسين واربعة مشاعل، وعدد من العبيد السود، واذ يري اي انسان في الطريق يناديه، ثم يسأله بصوت هاديء، ويتحاور معه، وفجأة يأمر بامساكه، ثم ينزل من فوق جواده ويقطع اذنيه وانفه بيده، أو يقتله، وهكذا قتل من الناس عدد لا يحصي في مدة بسيطة، وكان اذا مر بدكان ولم ير عليه قنديلا يسمر الدكان، وهو واقف بنفسه عليها حتي تسمر، كان السلطان اثناء مشيه في الاسواق ينظر إلي البيوت، فإذا لمح امرأة جميلة هجم عليها اقتحمه واغتصب المرأة أمام زوجها، وأخيها، في احدي الليالي دخل حارة الروم، هجم علي دار إبراهيم مستوفي ديوان الخواص ليلا وقبض علي ولده ابي البقا واراد قتله، فألقي والده نفسه عليه وافتداه بألف دينار، كان السلطان الطفل -الذي أصبح مراهقا بشعا- قد بلغه ان زوجة ابي البقا جميلة، فهجم عليه بسببها، فأخفوها منه، فجري منه ذلك، مرة اخري سمع عن امرأة جميلة، فاقتحم طاقة بيتها، واغتصبها، وضرب زوجها بالمقارع وسط بيته، وقطع دائرة فرجها بيده، ونظمه في خيط اعده لنظم فروج النساء، في يوم اخر امسك بجارية جميلة، اغلق عليها الباب، ربطها، وفي قسوة بشعة راح يسلخ جلدها، راحت أمه تتشفع لها، ولكنه لم يستجب لطرقاتها فوق الباب، واستمر حتي سلخ الجارية تماما، وحشا جلدها ثيابا، وخرج يظهر لمن بالباب قدرته علي السلخ، راح يصيح:
»ان الجلادين لا يستطيعون ان يفعلوا مثلما فعلت«. ونتوقف عن سرد فظاعاته مع النساء.
ويمضي عام اخر من سنوات العذاب التي عرفتها مصر، ولندع شيخنا ابن اياس يعلق:
»وقد خرجت هذه السنة علي الناس وهم في امر مريب، وقد وقع بها الغلاء والفناء، والمصادرات للناس، وجور السلطان في حق الناس، كما تقدم وأذي المماليك في حق الرعية، وقد صارت الناس في غاية الاضطراب وما كفي هذا كله، حتي فشي في الناس داء يقال له الحب الفرنجي »الزهري« اعاذنا الله منه، وقد اعيا الاطباء امره ولم يظهر هذا بمصر قط سوي في اوائل هذا القرن ومات به من الناس مالا يحصي، انتهي ذلك.
ولكن ايام السلطان المجنون لم تنته بعد..
في غمار الاستمتاع بالسلطة وسكرتها، تبدو الاوضاع مستقرة هادئة، ويخيل للحاكم انه سيقضي بقية عمره يحكم ويفسق، ولن يردعه رادع، وفي مصر كانت تمر فترات يبدو فيها الواقع آسنا، كريها، وما من حركة ايجابية تواجه البغي، وفجأة يتفجر الواقع عن مفاجأة لا تخطر علي بال، ربما يتحرك شخص واحد، يفتدي امته بنفسه، فيجهز علي الطاغية، وهكذا يتبدل الواقع إلي الافضل، وقد يهب الشعب كله الذي ظن القريب والبعيد انه مات، وانه لن يتحرك.
جاءت سنة 409ه والاحوال سيئة للغاية، والمماليك طالبين الشر مع السلطان، فلما كان يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الاول، نزل السلطان من القلعة وتوجه إلي بر الجيزة، لم يصحبه احد من الامراء حتي ولا خاله، نصب هناك خيمة وارسل احضر ابوالخير لاعب خيال الظل المشهور، وجوق مغاني، واقام ثلاثة ايام وهو في ارغد عيش، واثناء عودته مر علي الطالبية، وكان الامير طومان باي الدوادار هناك، خرج الامير وعزم عليه فلم ينزل عنده، فخرج اليه بجفنة فيها لبن فاخر، فوقف السلطان وهو راكب علي فرسه، فقدموا له الجفنة واللبن والمعلقة فمد يده إلي الجفنة وأكل من اللبن، فبينما هو يأكل والامير طومان باي ماسك لجام فرسه، فلم يشعر إلا وقد خرج عليه كمين من الخيام التي هناك نحو من خمسين مملوكا، وهم لابسون آلة السلاح، فاحتاطوا به، وعاجلوه بالحسام قبل الكلام.
وقتل اشر قتلة، مثلوا به كما مثل بالمئات.
وهنا لنصغي إلي شيخنا ابن ياس:
.. وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية نحوا من سنتين وثلاثة اشهر وتسعة عشر يوما، وكانت ايامه كلها فتن وشرور، وحروب قائمة. وما كان الاشرف قايتباي قصده ان يتسلطن ولده خوفا عليه من ذلك.
ويسدل الستار علي فترة حالكة من تاريخ مصر الطويل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.