خذ حقك بإيدك ثم اذهب بعد ذلك للقسم والمحكمة. كان هذا هو الشعار الذى ساد المرحلة السابقة وبدا تسليماً للأمر الواقع بعد ما تم تغييب القانون عمداً وعن سبق إصرار وترصد وحصاره بوابل من الثغرات التى تلبس الحق باطلاً وتحول الباطل إلى حق. وفى ظل واقع يشير إلى قضايا تنظرها المحاكم سنوات وسنوات وأحكام قضائية واجبة النفاذ لاتعرف طريقها أبداً إلى التنفيذ وجيش نظامى من البلطجة يفرضون قانونهم وسطوتهم ثم غض طرف متعمد من جهات مسئولة عن بلطجة الصفوة وسطوة لاحدود لها هى فى حقيقتها ملمح أنيق للبلطجة بكل عنفها وجبروتها ولكن فى مخمل حريرى وثقافة مجتمعية ترسبت فى نفوس وأذهان كثيرين تستهزئ وتسخر من (قلة الحيلة) فى مسألة اللجوء للقانون أو حتى التعامل بالأصول مع تعظيم وتمجيد لكل من اجتهد فى أخذ حقه بذراعه وعدم اللجوء إلى المسئولين لأخذ حقه رسمياً بالقانون. كل هذا أفرز أنماطا من البلطجة وأساتذة فى البلطجة الذين يفرضون سلوكهم فى معظم شوارعنا حالياً سواء فى فيصل أو بولاق أو العتبة وحتى دسوق بمحافظة كفر الشيخ وجرجا بسوهاج فماذا ننتظر بعد سنوات من التشكك فى جدوى القانون وإمكانية تطبيقه على الجميع سوى سيادة ثقافة البلطجة بلطجة البيت.. والمدرسة.. والعمل.. والشارع بلطجة الأفكار.. وبلطجة الأفعال حتى باتت البلطجة أسلوب حياة قانوناً واجب التنفيذ خاصة فى ظل غياب أمنى واضح.. وقبل هذا الغياب كان هناك دعم من بعض أفراده لهؤلاء البلطجية وحماية لهم بالتغاضى عن أفعالهم، وما نراه الآن من غياب للقانون وانتشار للبلطجة هو أحد العواقب الوخيمة التى يدفع مجتمعنا ثمنها باهظًا، لسنوات من القهر والفساد الذى فرض سطوته ونفوذه وأصبح الحاكم الآمر فى وطن بأكمله، ولم تعد البلطجة مهنة يمتهنها بعض الأشقياء والخارجين على القانون، بل أصبحت سلوكا يمارسه الجميع عن قصد أو مضطرًا لحماية مصالحه وليست حقوقه فحسب، فالبلطجة الآن يمارسها المتعلم والجاهل على السواء، والرجل والمرأة وحتى الطفل وكذلك الأغنياء أو متواضعى الحال، فالبلطجة هى السبيل الوحيد والفعلى لأخذ الحق، وحماية المصالح ويظل السؤال الحائر على لسان أولياء أمور أطفال كثيرين هل نعلم أولادنا أن يأخذوا حقهم بأيديهم ليكونوا أشبالا للبلطجة.. أم ننتظر تطبيق القانون فيضيع الحق؟! سنظل ندفع لسنوات وسنوات ثمنا فادحا لنظام أقر وآمن بمنطق البلطجة، وكانت له منظومة متكاملة من البلطجية.. وما نعيشه الآن ما هو إلا تجسيد لقانون الغابة الذى أقره البلطجية والفاسدون الذين حكمونا وتحكموا فينا سنوات وسنوات. ولابد للمجتمع أن تتكاتف جميع مؤسساته الثقافية والاجتماعية والتشريعية لإنقاذ وطننا من براثن هذا المستنقع العفن الذى غرقنا فيه. ولابد من وضع خطط تعلى من قيمة القانون وتؤكد جدواه وبأنه الملاذ الوحيد لاسترداد الحق.. والجسر الحيوى الذى ينقل وطننا من التخلف إلى التحضر، فقد كنا أمة متحضرة ونتمنى أن نظل كذلك إلى الأبد.