ذهب الأستاذ الجامعى إلى صديقه وهو فى حالة يرثى لها.. يلطم خده ويهذى بكلمات عن سمعة بلاده التى أصبحت فى الحضيض، فقد باعوا للأمريكى حماراً عجوزاً أعرج أجرب بألفين وخمسمائة ليرة.. وما زاد الطين بلة أنه كان واسطة البيع فى هذه العملية.. حاول الصديق أن يهدئ من حالة الأستاذ ليحكى ما حدث له.. وسنحكى الحكاية بعد التعرف على كاتبها.. الكاتب التركى الساخر «عزيز نسين» من أشهر كتاب السخرية الضاحكة فى العالم، وقد عاش كل أحداث تركيا الحديثة منذ بداية القرن العشرين إلى أن رحل عام 1995. خبير السجاد القديم لقد سافر الأستاذ الجامعى إلى أمريكا بدعوة منهم لحساب جامعة استانبول وعاش وزوجته هناك لمدة عام، وأصبح صديقا لأستاذ أمريكى يحب تركيا وقدم له خدمات كثيرة، واستمرت صداقتهما بالمراسلات.. وفى إحداها أخبره أن صديقا له خبير فى السجاد القديم ويعد كتابا فى هذا الموضوع، وطلب منه أن يساعده لإجراء البحوث عن السجاد التركى.. استقبل الأستاذ التركى الخبير الأمريكى بعد زيارته للهند وإيران.. «كان الرجل كالجنى.. أمريكى من أصل ألمانى وعلى ما يبدو فيه شىء من اليهودية، وربما كان يهودى ألمانى ثم أصبح أمريكيًا». أحضر الخبير الأمريكى معه أربع حقائب مليئة بقطع السجاد، والكليم والجوت.. عرضها على الأستاذ التركى مؤكدا أن هذه التحف لا تقدر بثمن، وخاصة تلك القطع العتيقة التى لم يتجاوز عرضها ثلاثة أشبار وطولها خمسة أشبار، وأكد أن ثمنها لا يقل عن ثلاثين ألف دولار.. أما هو.. الخبير.. فقد اشتراها بدولار واحد من قروى إيرانى.. ولما سأله الأستاذ عن سر هذا الثمن.. أخبره الخبير.. أن كل سنتيمتر مربع من قطعة السجاد القديم هذه به ثمانين عُقدة... إنها خارقة للعادة.. رائعة.. كما عرض عليه قطع أخري اشتراها بثمن بخس... وعرف الأستاذ أن الخبير الأمريكى من عائلة تتاجر فى السجاد القديم وصناعة الحديث، وله علم واسع فى هذا العالم كما أنه واحد من أصحاب أكبر مجموعة للسجاد فى العالم. ايهاب الخبير لا يغشه أحد قام الأستاذ التركى بجولة فى الأناضول مع الخبير الأمريكى، طافا أقاليم ومراكز، والأمريكى يصور قطع السجاد النادرة فى المساجد، كما اشترى من عدة أفراد قطع من السجاد والكليم والجوت لكنه كان يعرف بوجود سجاد تركى رفيع المستوى ذا قيمة عالية لكنهما لم يصادفاه بعد.. واستمرت رحلتهما فى سيارة «جيب» وسائق محترف وكان الجو حارا فى ذلك الوقت.. وصلا إلى منطقة حفريات أثرية كان يعمل بها بعثة آثار ألمانية وأخرى أمريكية.. وكان أهل المنطقة من الفلاحين يحاولون بيع ما قالوا إنه من الحفريات، لكن الخبير الأمريكى قال للأستاذ إن هذه الأشياء ليس لها قيمة، وأن كل بلاد الشرق التى زارها يوجد نفس الشىء.. فى مناطق الحفريات يقوم القرويون بتقليد الآثار القديمة بمهارة مدربة، ويبيعونها للأجانب بأسعار خيالية، وقال بفخر إن هؤلاء المزورون لا يستطيعون خداع الذين يفهمون فى الآثار والأشياء القديمة! ويحكى الأستاذ التركى لصديقه.. أنهما توقفا بالسيارة بجوار بضع شجرات وبئر ماء ليتناولا طعامهما.. وكان هناك قروى عجوز قد تمدد تحت الظل وبالقرب منه حمار يأكل العشب.. تحدث الأستاذ معه ثم يترجم الحديث للأمريكى.. ولما سأل القروى عن محاصيل هذه القرى قال إنه لا ينبت فى المنطقة محاصيل منذ عشرون عاما.. منذ بدأت هذه الحفريات، تكاسل الزراع وأصبحوا يعيشون بما يخرج من تحت الأرض.. ويبيعون للأجانب الذين يحضرون للضواحى.. لقد باعوا نفائس البلاد بسعر بخس للأجانب.. ولو عرفنا ثمنها ولم نبعها لأعدنا بناء عشر بلاد أخرى مثل تركيا.. وكل الأجانب الذين يحفرون لصوص لأنهم يهربون الكنوز التى يخرجوها من باطن أرضنا.. ويشيدون مدنا عظيمة فى بلادهم. أليس فى بلادكم حمير؟! سأل الأستاذ القروى ماذا يعمل فأخبره بأنه تاجر حمير، وحكى له عن تجارته.. وبينما كان يتحدث كان يخرج ماء من البئر ويقدمه فى كفيه لحماره.. وبينما كان الحمار يشرب هب الأمريكى فجأة وذهب إلى جوار الحمار.. ثم اقترب من الأستاذ وهو يخفى سروره وأخبره عن قطعة السجاد الرائعة التى لا مثيل لها فى العالم وضعها القروى على ظهر حماره.. وقد فحصها الخبير الأمريكى، بينما كان الأستاذ يتحدث مع القروى.. ألوانها وصنعتها فوق العادة وكل سنتيمتر مربع من مائة وعشرين عقدة بالكامل!! وتساءل الأستاذ هذه الخرقة القذرة؟! وشرح الأمريكى للأستاذ أن القروى لا يجب أن يفهم لأنه يعرفهم جيداً، فإذا حاولت أن تشترى ما كانوا سيلقونه فى الزبالة سيغالون فى الثمن. ربما لاحظ القروى شيئا فسأل الأستاذ «بما يرطن هذا الكافر».. فأجابه إنه معجب بالمنطقة.. فهز رأسه غير مصدق.. ثم أكمل الخبير الأمريكى كلامه مع الأستاذ إن له طريقة معينة وأصولا خاصة للشراء الرخيص، فهو لن يطلب السجادة بل سيشترى الحمار «وطبعا القروى لا يعرف قيمة السجادة فسيتركها على الحمار.. نشتريها بالحمار وبعد مسافة نأخذها ونطلق الحمار ليعود له». سأل الأستاذ تاجر الحمير عن ثمن هذا الحمار. فسأله حسب المشترى!.. ولما عرف أنه الأمريكى قال للأستاذ أن يخبره أن الحمار مُسن لا يصلح له، لكن الأمريكى وافق على الشراء وظن أن القروى سيبيعه رخيصاً.. وبدأت مساومة غريبة.. الأمريكى يصر على شراء الحمار والقروى يعدد عيوب هذا الحمار الذى سينفق قبل وصوله لأمريكا.. وهذا عيب لأن الأمريكى سيقول فى بلده أن الأتراك خدعوه!! ثم سأل الأمريكى أليس فى بلادكم حمير؟!.. أجابه أنه يوجد حمير لكن ليست مثل هذا الحمار وإنه شغوف بالحمير التركى.. فقال القروى مادام متمسك يبقى ثمنه عشرة آلاف ليرة!! صرخ الأستاذ إن أجود الخيول العربية لا يتجاوز الواحد منها ألفين أو ثلاثة.. فماذا عن الحمار؟! وبدأ الأستاذ فى المساومة على سعر الحمار إلى أن رضى القروى بألفين وخمسمائة ليرة.. «عددنا النقود فى يده وما كان من القروى بعد أن سلمنا لجام الحمار مد يده وأخذ قطعة السجاد التى كانت فوق ظهره.. وهو يقول لقد تنازلت عن حمارى الأعرج الأجرب بهذا السعر الرخيص لأن الأمريكانى الكافر يصر على شرائه ربما لأن حمارى له قيمة أو كرامة لا أفهمها أنا». وضحك القروى على الخبير فغر الأمريكى فاهه وجحظت عيناه لقطعة السجاد التى فى يد القروى.. وقال للأستاذ ألا يظهر أى شىء وأن يسيرا بالحمار قليلا ثم يعودا إلى التاجر.. وينتهزا فرصة لطلب ما يريده.. ولما عادا بالحمار.. قال لهما القروى: نسيتم العمود الحديدى فعندما تنقلوه إلى أمريكا بأى شىء ستربطانه فهل يشترى حمار بدون عمود. أخذنا العمود الحديدى وقلت للقروى أن يعطينا هذا الشوال القديم لأن الحمار ضعيف وسيبرد المسكين.. فقال.. لن أعطيكم الشوال أنتم اشتريتم الحمار وليس الشوال.. صحيح إنه قذر وقديم لكنه ذكرى من والدى وقد ورثه عن جدى.. إنه ذكرى الأجداد.. لن أفرط فيه.. ولما سأله ما فائدة هذه القطعة القذرة؟! قال إن لها فائدة.. الآن سأشترى حماراً أجربا آخر وسأضعها على ظهره وإذا كان لى نصيب.. سأصادف من هم مثلكما وسأبيعه.. هذا الشوال يجلب لى الحظ.. وكاد أن يغمى على الخبير الأمريكى عندما قال القروى كيف سيبيع الحمير بعد ذلك إذا هو أعطانا قطعة الخيش هذه؟ سرنا قليلا بالحمار ثم تركناه ليعود لصاحبه. وأخيرا قال الأمريكى بعد أن فاق قليلا من الصدمة: «هذا لم أصادفه فى أى مكان من العالم.. لم يحدث مثله لى من قبل.. نعم كلهم سواء.. لكن هذه نمرة أخرى!! وسأضع هذا العمود الحديدى بين مجموعة السجاد التى جمعتها ليكون ذكرى عمود قيم أخذته بألفين وخمسمائة ليرة فقط»! وقد ختم الأستاذ التركى حكايته لصديقه بضرب رأسه وخديه بيديه وهو يردد فضحنا فضيحة عالمية.. رزالة.. الاسم الأصلى للقصة «أليس فى بلدكم حمير؟!».. وهى ضمن مجموعة قصص ساخرة للكاتب الساخر التركى «عزيزنسين» ترجمها من التركية إلى العربية الدكتور «الصفصافى أحمد القطورى» وابنته الدكتورة «رحاب» التى حصلت على الدكتوراة فى رسالة عن الكاتب الساخر التركى.