الأجساد ملتهبة بحرارة الجو وعرق الرطوبة اللزج، العقول ملتهبة بالتفكير في المطلوب والمرفوض، النفوس ملتهبة بالأمل، واليأس، الحناجر ملتهبة بأحاديث تهويل سلبي أو.. إيجابي.. والقلوب ملتهبة بالحب أو الشوق إليه.. وسط هذا اللهيب لايصح أن ننسي عربة الزواج لأنها تأثرت، لننقذها قبل أن تصبح عربة طائشة. • الغضب الحقيقي في الزواج في ظل هذا المناخ الملتهب طبيعيا واجتماعيا وسياسيا، بدأت مناقشات ملتهبة بين الزوجات والأزواج، لا فرق بين المتعلمين العاملين، أو المثقفين وغيرهما من طبقات المجتمع.. في رفض أقوال أو تصريحات الآخر في أمور الحياة المعيشية.. أو.. في اختيار حزب من الأحزاب السياسية.. أو.. في اختيار اسم من المرشحين لرئاسة الجمهورية.. وكثيرا ما يصبح الحديث بين الزوجين معارك كلامية، حيث تستخدم الكلمات مثل الأسلحة الجارحة، وبدلا من تبادل الحديث يجد كل من الزوجين أنه يلقي بالحديث.. أو يعطي أوامر.. بمعني أنه يتحدث «إلي» وليس «مع» الآخر، وهنا تكمن خطورة لعربة الزواج وتصبح عربة طائشة، فليس بالصوت المرتفع مثلا يخضع أحدهما الآخر بآرائه، كما يظن بعض الأزواج والزوجات. فهل الضجة في الحياة التي نعيشها الآن جعلت الناس يعتقدون أنهم حتي يلائمون الأحداث الواقعة لابد أن ترتفع أصواتهم؟!.. وهم لايدرون أن الصوت المرتفع يفقد معاني الكلمات.. والزوج أو الزوجة لايدريان أن الصوت المرتفع لايؤكد شخصية أحدهما بقدر ما يؤذي أذن الآخر.. بل يؤذي أيضا معنوياته، فما بالك إذا تحدث الاثنان بصوت مرتفع؟!.. كارثة. فهذا الجو الملتهب طبيعيا واجتماعيا وسياسيا يجعل كلا من الزوجين يفرج عن غضبه من الآخر في أشياء وأفعال ومعان بعيدة تماما عن موضوع المناقشة الحادة بينهما وحتي لا تصبح عربة الزواج طائشة ليتحدث كل منهما «مع» الآخر وليس «إلي» الآخر ليعبر عن حقيقة غضبه، أو.. ظنه.. أو سلوكه.. يتحدث عن الغضب الحقيقي الداخلي من الآخر وليس من الغضب الظاهري. • طلب الحرية يحدثنا العالم الجليل د.يوسف مراد.. أن كثيرين يعتبرون الزواج وثيقة امتلاك كل طرف للآخر.. إنهم لايفهمون أن عقد الزواج ليس عقدا تجاريا كبقية العقود ينص بجانب الالتزامات والواجبات علي العقوبات التي سيطبقها القانون في حالة عدم القيام بالواجبات، أو عدم تنفيذ الالتزامات.. إن المثل الأعلي في الزواج أن يشعر كل من الزوجين أنه مقبل علي شريك حياته حرا راضيا، لا مجبرا مضطرا تحت ضغط تعهد لايلبث أن يثير الندم، فإذا كان كل من الزوجين يشعر أنه يهب نفسه للآخر في جو من الحرية والتقدير المتبادل فلاشك أن هذا الشعور بالحرية أقوي عامل من عوامل إسعاد الزوجين وتدعيم أواصر الحب.. فالحب في الزواج ينمو في جو من الثقة والحرية والتقدير. فإذا سلك أحد الزوجين سلوكا يثير الشك والريبة.. أو.. إذا حاول أن يفرض قيودا تعسفية لا مبرر لها..أو إذا صدرت منه أقوال أو.. أفعال تمس كرامة زوجه وتجرح إحساسه فإن بنيان الحياة الزوجية يأخذ في التصدع شيئا فشيئا.. ولايلبث الفتور الذي أصاب الجاذبية المعنوية التي كانت تجمع بين الزوجين أن يصيب الجاذبية الجسمية فيزداد التوتر بينهما ويصبح التكيف العاطفي أو الجسماني أمرا عسيرا.. ومما يضاعف سوء الموقف اعتقاد كل من الزوجين أنه ضحية الآخر. • السعادة حالة نفسية هكذا يحدثنا العالم النفساني د.يوسف مراد.. فالسعادة تختلف باختلاف الأشخاص وباختلاف حاجة كل شخص وميوله وأغراضه.. ومعني النجاح مختلف عن معني السعادة، فهو مرتبط أكثر من السعادة بالعوامل الثقافية والاجتماعية، ومن الخطأ أن يتخذ النجاح معيارا لسعادة الأفراد. فقد يكون النجاح الاجتماعي ستارا يخفي وراءه التعاسة التي يعانيها الشخص في حياته الداخلية، والسعادة ليست حالة مستقرة يمكن الاحتفاظ بها.. وليست من جهة أخري بذل النشاط بإسراف ومواصلة العمل إلي حد الإنهاك لجمع المال واكتساب الجاه أو الشهرة!.. فالطموح الأعمي يلهي صاحبه عن نفسه ويحول دونه ودون الغذاء العاطفي الذي يحقق الاتزان النفسي.. والشعور بسعادة. ويحدثنا عن الاتزان النفسي إنه قريب من معني الاعتدال.. ومعناه وجود جانبين متقابلين يسعي الفرد في التوفيق بينهما.. مثل الحقوق والواجبات.. الأخذ والعطاء.. حب الذات وحب الغير.. الامكانيات والمطالب.. الحاجة إلي الأمان والاطمئنان والميل إلي المجازفة للمعرفة والعمل في الحياة. ويحدثنا عن الغيرة في الزواج إذا كانت تنفجر بمشاحنات عنيفة بين الزوجين إلا أنها تنتهي غالبا بالمصالحة وهذا أفضل من الخصام.. إلا أن الخطر الأخطر من الغيرة يكون ساكنا هادئا.. يحول الحياة الزوجية إلي سلسلة من الأفعال الآلية الرتيبة التي تنبع في جو من الاستسلام والرضا السلبي.. في مثل هذا الجو من الجفاف العاطفي يفقد الحب قيمته كعامل من عوامل تقوية النفس ويكتفي كل زوج بالقيام بما يعتقد أنه الواجب ولاشك أن القيام بالواجب في جو من عدم الاهتمام وعدم المبالاة يتحول إلي مَلَلْ. ونضيف من عندنا أن تراكم الملل يجعل قائدي عربة الزواج أو أحدهما يضغط علي البنزين ليزيد من سرعتها ليخرج من الملل.. وغالبا لا يخرج سالما. • إنقاذ عربة الزواج الطائشة العلاقة الزوجية لا تسير علي وتيرة واحدة بين الزوجين، أحيانا تجد الزوجة أن زوجها الرجل المهذب يتحول إلي ثور غاضب.. أو.. إلي رجل مباحث يبحث عن المجرم الذي استخدم شيئا من أشيائه.. أو.. تحدث مع أعدائه.. والزوجة المحبة الهادئة ليست هي التي تضع يديها في وسطها وتلقي محاضرة علي زوجها عن التضحية التي قدمتها له.. ولأمه.. لنفهم أنه لايوجد شيء مثالي تماما في الحياة عموما وفي الزواج خصوصا. فالأوقات السعيدة والأوقات السيئة تأتي في دورات.. إنه قانون إنساني.. فالذين يحبون بعضهم أحيانا يكونون غير مرحبين ببعضهم.. يغضبون ويتصرفون بحماقة.. ويكرهون بعضهم أحيانا، ويسأل كل منهما نفسه.. هل هذا هو الذي ألصقت نفسي به؟!.. هل هذه التي انسقت للزواج منها؟! ثم يحدث شيء بينهما، شيء مثل السحر فيعود الانسجام والمحبة والتعاطف بينهما. في أوقات الغضب وتقلب المشاعر بين الزوجين مهم أن يضغط أحدهما علي فرامل عربة الزواج حتي لا تتحول إلي عربة طائشة كالتي تظهر في الأفلام بدون سائق!.. وتصدم أي أحد أمامها.. أو.. تسير بدون هدف.. أو.. تكون عربة طائشة بالسرعة التي يسير بها قائدها.. فتصطدم بأي جسم مادي يعترض طريقها.. أو.. تطير في الهواء.. وتنزل علي رأسي الزوجين. • لإنقاذ عربة الزواج الطائشة نقول أخيرا كلمتين.. التواصل بالحديث الهادئ يجلب كلمات لها معني.. الكلمات تسعد أو تشقي.. تقوي العلاقة بين الزوجين أو تباعد بينهما، العلاقة الجيدة لا تخلو من الكلمات الحلوة.. إذا وجب الشجار ليكن شجارا بناء.. يتحدثان «معا» وليس «إلي» سيعبر كل منهما عن الأشياء التي تغضبه من الآخر.. ولا يصح الشجار علي شيء آخر بعيد عن المشكلة الأساسية الداخلية.. فالمخلصون للوطن كثيرون يتشاجرون ويغضبون من أجله.. فلا يصح أن نجعله ستارا علي مشاكلنا الشخصية.