استكمالاً للحديث عن دور الفنون والثقافة في صناعة العنوسة نجد أن هذه القنوات كرست فكرة أن الزواج ثقيل الظل وفكرة سخيفة ولا يجني إلا الهم والمسئولية الثقيلة علي كاهل من يقدم عليه، وظل الشباب لسنوات أسير الأفلام التي تخدر الشباب وتدس لهم السم في العسل موهمة إياهم أن الحياة السعيدة هي التي بلا زواج ، وهكذا أصبح الفن متهماً من زاوية أخري فهو حين يقدم نماذج الأزواج والزوجات يقدم النماذج السوبر الفذات والأفذاذ، الخارقات والخارقين، فهي دائماً جميلة رشيقة مثقفة جامعية من عائلة محترمة وغنية ومتدينة وبها كل الصفات الايجابية، والعريس به كل الصفات الإيجابية بدوره فهو وسيم مثقف جامعي متدين يعمل بمهنة مرموقة ومن عائلة محترمة وشخصية جذابة.. وهكذا فدائماً كل المتزوجين والمتزوجات في الفنون عامة من الخارقين والخارقات بلا عيب واحد وهذا غير حقيقي، وغير منطقي وغير معقول، ولا يحدث علي أرض الواقع أبداً فلابد من عيب، فيظل المسكين أو المسكينة في أرض الواقع يبحث عن النموذج الذي صورته له الفنون والثقافة فلا يجده في الواقع فيضيع بحثاً عن صورة غير موجودة، فهو يطارد وهماً. والفنون والثقافة متهمتان من زاوية ثالثة فحين يقدمان طريقة التعرف علي شريك أو شريكة الحياة يفترض دائماً ان هناك علاقة مسبقة ربطت خيوطها بين الشاب والشابة قبل الارتباط الرسمي، ويفترض وجود قصة حب بينهما، ويتساءل في استنكار: كيف نتزوج بدون حب؟ ويظل البطل والبطلة يحاربان طوال أحداث الفيلم من أجل هذا الحب المزعوم والحقيقة أنه لا شرط أبداً أن يسبق الزواج قصة حب ملتهبة، أو أن يكون الحب قبيل الزواج من النوع الملتهب المشتعل الذي لا تخمد نيرانه إلا الزواج بل يمكن أن يكون مجرد تعارف هادئ تم بين الأسرتين، أو مجرد ميل عادي أو راحة نفسية أو حتي حب هادئ بسيط وليس مشتعلاً كما تصوره دائماً وسائل الإعلام. إن قنوات وأشكال الفنون والثقافة وبالتبعية الإعلام مسئولة بشكل كبير عما وصل إليه حال شبابنا من تدهور ووضع أيديهم علي خدودهم وجلسوهم في بيوتهم حتي سن الخامسة والثلاثين بدون زواج وإن العنوسة كارثة قومية تهدد أمننا وسلامتنا، وعلينا أن نفيق منها قبل فوات الأوان وعلي الفنون والثقافة أن يتحملا مسئوليتهما ودورهما في القيام بدور فعال في حل هذه المشكلة من خلال أفلام ومسلسلات ترسم الصورة الحقيقية للزواج وما يجب عليه أن يكون فعلاً، وليس ما تروج له من أكاذيب وأوهام.