برلماني: تجديد الخطاب الديني خطوة ضرورية لبناء وعي وطني مستنير    وزير الخارجية يشارك في افتتاح المؤتمر العاشر لمنظمة المرأة العربية    مدير تعليم الجيزة يتفقد مدارس إدارتي أوسيم ومنشأة القناطر    سفيرة الاتحاد الأوروبي تشيد بالاهتمام بصحة المرأة في أسوان    21 صفقة بإجمالي 6 مليارات دولار حتى الآن ضمن برنامج الطروحات الحكومية    وزير الاتصالات يشارك في مؤتمر SusHi Tech Tokyo 2025 لتعزيز التعاون الرقمي مع اليابان    «القاهرة الإخبارية»: أطفال غزة في خطر.. و«الصحة» تطلق نداء استغاثة للعالم    إعلام إسرائيلي: الحكومة تقرر عدم تشكيل لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر    الجامعة العربية تدين استهداف مرافق الدولة السودانية في بورسودان وكسلا    بعد تنازله عن 3 قضايا.. الخطيب سيتنازل عن 23 قضية ضد مرتضى منصور    أشرف نصار: اسم طارق مصطفى ارتبط بالزمالك منذ تواجده في البنك.. ومعنديش لاعب استخرج تأشيرة أمريكا    مصر تحتضن البطولات العربية والأفريقية للترايثلون بمدينة الجلالة.. وإنشاء مركز إقليمي لتطوير اللعبة باستاد القاهرة    فريق ملاكمة الناشئين بأسيوط يحصد فضيتين وبرونزيتين في بطولة الجمهورية بالإسكندرية    وزارة التعليم تتيح جداول امتحانات الطلاب المصريين في الخارج عبر هذا الرابط    لمدة 20 يوما.. علق كلي لمنزل كوبرى الأباجية إتجاه صلاح سالم بالقاهرة    بدءا من اليوم.. أفلام مجانية متنوعة لرواد قصر السينما ضمن برنامج شهر مايو    مستقبل الذكاء الاصطناعي ضمن مناقشات قصور الثقافة بالغربية    شام الذهبي: الغُناء بالنسبة لي طاقة وليس احتراف أو توجه مهني    "الغرف التجارية": إصلاحات الدولة تحفز تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة    الأرصاد تعلن طقس الساعات المقبلة: انتظروا الأمطار    خالد الغندور: شيكابالا رفض مصافحة زيزو في غرفة الملابس قبل مران الفريق    وكيل كولر يرد على أنباء شكوى الأهلي: "قصص مختلقة.. والأهم نجاح الأحمر حتى بدون السويسري"    محافظ المنوفية يلتقى وفد الهيئة العامة لاختبارات القطن    6 تصرفات ابتعد عنها.. ما لا يجب فعله مع امرأة برج الثور؟    الإغاثة الطبية بغزة: وفاة 57 طفلا نتيجة سوء التغذية والجوع فى القطاع    وزيرة التضامن: ننفذ أكبر برنامج للدعم النقدي المشروط "تكافل وكرامة" بالمنطقة    إحالة المتهم بالتعدى على الطفلة مريم بشبين القناطر للجنايات    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى وبلدات جنوب مدينة نابلس    ترامب يرسل منظومتي باتريوت لأوكرانيا.. ونيويورك تايمز: أحدهما من إسرائيل    الهند تحبط مخططا إرهابيا بإقليم جامو وكشمير    وزير التعليم العالي يكرم سامح حسين ويشيد ب"قطايف"    العملات المشفرة تتراجع.. و"بيتكوين" تحت مستوى 95 ألف دولار    رئيس الوزراء يتابع خطوات تيسير إجراءات دخول السائحين بالمطارات والمنافذ المختلفة    كارول سماحة تقيم عزاء ثانيا لزوجها وليد مصطفى فى لبنان الخميس المقبل    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى المنصورة التخصصى ويوجه بتكثيف رعاية المرضى    محافظ الجيزة يتفقد فرع التأمين الصحي بمدينة 6 أكتوبر لمتابعة الخدمات المقدمة للمواطنين    جامعة بنها تحصد المراكز الأولى فى مهرجان إبداع -صور    أعدادهم بلغت 2.6 مليون.. أشرف صبحي: الطلاب قوتنا الحقيقية    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    "وُلدتا سويا وماتتا معا".. مصرع طفلتين شقيقتين وقع عليهما جدار في قنا    لا يسري على هذه الفئات| قرار جمهوري بإصدار قانون العمل الجديد -نص كامل    منافس الأهلي.. بوسكيتس: لسنا على مستوى المنافسة وسنحاول عبور مجموعات كأس العالم    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    «الصحة» تنظم دورات تدريبية للتعامل مع التغييرات المناخية وعلاج الدرن    هيئة الرعاية الصحية: نهتم بمرضى الأورام ونمنحهم أحدث البروتوكولات العلاجية    جامعة مايو تفتح ندوتها "الانتماء وقيم المواطنة" بكلمة داليا عبد الرحيم.. صور    جامعة بنها تحصد عددا من المراكز الأولى فى مهرجان إبداع    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    مروراً بالمحافظات.. جدول مواعيد قطارات الإسكندرية - القاهرة اليوم الاثنين 5 مايو 2025    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    بكام الشعير والأبيض؟.. أسعار الأرز اليوم الإثنين 5 مايو 2025 في أسواق الشرقية    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طه حسين والثورة والدستور الجديد
نشر في صباح الخير يوم 19 - 07 - 2011


انقلاب، حركة، نهضة، ثورة!
أربعة مصطلحات مهمة كانت تطلق طوال الأيام والأسابيع التي تلي ما جري في مصر ابتداءً من يوم 23 يوليو 1952.
كان جمال عبدالناصر يستخدم مصطلح انقلاب في وصف ماحدث، بل إنه كتب مقالا مهما في مجلة التحرير «أول أكتوبر 1952» عنوانه «كيف دبرنا هذا الانقلاب؟!
الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس كان من الذين يطلقون عليها الحركة.
أما اللواء محمد نجيب - أول رئيس - للجمهورية فكان يفضل إطلاق لقب النهضة!
لكن المفاجأة أن صاحب وصف 23 يوليو 1952 بالثورة هو عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي كان وقت قيامها يزور إيطاليا فأملي علي سكرتيره مقالا نشره في أهرام 2 أغسطس 1952 جاء فيه:
«بارك الله للجيش فيما فعل، وبارك الله للجيش فيما يفعل، وبارك لمصر في الجيش، ووقي مصر كيد الكائدين ومكر الماكرين وخيانة الخائنين».
ثم عاد بعد ثلاثة أيام ليكتب في صحيفة البلاغ «بوضوح دون لف أو دوران: «بين الهدوء الذي يملأه الوقار والجلال وبين العنف الحازم النقي الذي يحطم الظلم ويرسل ملكاً إلي منفاه دون أن يسفك قطرة من دم».
ويقول أيضا: كثير من الصحف الباريسية مثلا لا تستطيع أن تخفي إشفاقها من الثورة المصرية لا لأنها تخاف علي الفرنسيين ومصالحهم في مصر فهي مطمئنة علي هؤلاء الفرنسيين، ولكن لأنها تخشي أن تكون الثورة المصرية مثلا لثورات أخري تحدث في بلاد أخري غير مصر.
وفي نهاية مقاله يقول د. طه حسين:
إني لأرجو أن تكون هذه الثورة المباركة التي ردت إلي مصر كرامتها وشرفها في وقار وأناة، ونالت بذلك إعجاب العالم الخارجي، فقد ردت إلي المصريين ثقتهم بوطنهم وحسن رأيهم في أمتهم، وردت إليهم شيئا من التفاؤل الذي يجلو أمام أعينهم منظر وطنهم جميلاً نقياً كريما يستحق أن يحبه أبناؤه ويكرموه ليحبه غير أبنائه ويكبره.
وفي مجلة التحرير «أول ديسمبر 1952» وتحت عنوان «روح الثورة» أكد د. طه حسين أن كلمة الثورة أدق معني وأصدق دلالة وأجود تصويراً للحياة التي نحياها منذ شهور.
ولم يكتف د. طه حسين بذلك بل طالب هذه الثورة بأن تقوم وتقرر الإقدام الجريء السريع علي طائفة من الأعمال الإصلاحية الخطيرة التي تهيئ للشعب في كل يوم صدمة نفسية ليعلموا أن حياتهم قد تغيرت حقاً.
د. طه حسين وهو صاحب الشعار الشهير قبل الثورة «التعليم، يجب أن يكون كالماء والهواء» يطالب الثورة بقوله:
وما أعرف شيئا يجب علي الثورة أن تأخذه بالحزم والعزم والقوة والجد كشئون التعليم فكل إصلاح اجتماعي أو سياسي في شعب جاهل لا قيمة له ولا بقاء.
ويعلن اللواء محمد نجيب 10 ديسمبر 1952 سقوط دستور سنة 1923.
ويعترف نجيب في مذكراته قائلا: إن قرار إسقاط الدستور سبقه تمهيد من الصحف وكبار القانونيين الذين طالبوا من خلال مقالاتهم بذلك، وكانت حجتهم أن الدستور قد سقط فعلا بعد الثورة، وأن ما تبقي منه بعض نصوص لم تعد تتماشي مع أهداف هذه الثورة، وعلي ذلك طالب البعض بوجوب إصدار دستور جديد يحل محل الدستور المنهار وطالب البعض الآخر بتعديل الدستور علي الأقل، وجاء سليمان حافظ وزير الداخلية بعد ذلك ليقنعنا عملياً بضرورة إلغاء دستور 1923.
لم يكن قد مضي سوي ثلاثة أيام علي إعلان سقوط دستور سنة 1923 حتي كتب الدكتور طه حسين مقالا في غاية الأهمية في صحيفة الأهرام يوم 13 ديسمبر 1952 تحت عنوان «ثم ماذا».
وبينما انطلقت عشرات المقالات والآراء مؤيدة لسقوط الدستور ومعربة عن فرحها وسعادتها بهذا القرار الثوري، فوجئ القراء وربما ثوار يوليو أيضا بأن د. طه حسين يعترف قائلا: لم يسئني سقوط الدستور ولم يسرني فقد الدستور.
وراح د. طه حسين يشرح مبررات ذلك كله حين قال عن هذا الدستور كان وهماً يقسم الوزراء يمين الإخلاص له، ثم لا يكادون يفرغون من قسمهم حتي يسخروا منه ويعبثوا به ويفعلوا بنصوصه وروحه الأفاعيل.
ويصف د. طه حسين دستور 1923 بقوله:
كان كلاما مكتوباً تسجل فيه علي السلطان القائم مهما يكن - طائفة من حقوق الشعب وكان تسجيل هذه الحقوق فناً من فنون العزاء للذين يصيبهم الظلم أو يلم بهم الضيم، كانوا يقولون لأنفسهم إنهم ظلموا مع أن الدستور ينصفهم وأنهم الضيم والخسف مع أن الدستور يكفل لهم العزة والكرامة والإباء، وكانت الظروف تتيح لهم أحيانا أن يخاصموا السلطان الذي ظلمهم أو سامهم الضيم وأن يظفروا بالنصفة «الإنصاف» وكانوا علي كل حال يجدون شيئا من القوة علي احتمال ما يصب عليهم من المكروه يقولون لأنفسهم إن الذين صبوا عليهم ما يكرهون قد خالفوا أمر الدستور.
أمن أجل هذا لم يسرني سقوط الدستور وكنت أؤثر أن يظل هذا الوهم قائما حتي يوضع دستور جديد لا يلغيه إلا ليقوم مقامه.
ولكن الدستور علي كل حال لم يذهب إلي غير رجعة، وإنما ذهب ليوضع مكانه دستور جديد، فالحياة التي نحياها الآن دون دستور موقوتة لا أدري أتقصر أم تطول ولكنها موقوتة آخر الأمر، لأن قائد الجيش قد أعلن ذلك وهو صادق فيما يعلن ولأنه قد عاهد الله والشعب علي أن يحتفظ للمصريين بحقوقهم كاملة لا يحيد في إجرائها عن العدل، ولا ينتقص منها قليلاً ولا كثيراً حتي يتم وضع الدستور الجديد وتنفيذه.
وينتقل د. طه حسين إلي جوهر القضية عندما يقول: والناس يختلفون في هذا الدستور الجديد كيف يوضع ومن الذي يضعه ولأي نظام من أنظمة الحكم يراد وضعه، وما أعرف وقتا يجب فيه علي المثقفين أن يعلنوا آراءهم في هذا الأمر كهذا الوقت الذي ابتدأ منذ أعلن قائد الجيش سقوط الدستور فهو الوقت الذي يجب أن يبصر فيه الشعب بحقوقه.
وأن يشار فيه علي السلطان القائم بما يحسن أن يأتي وبما يحس أن يدع!
وكان الدستور الذي ألغي قد صدر علي نحو لم يرض عنه المصريون، أعدته لجنة من فقهاء الساسة وساسة الفقهاء علي كره من الشعب الذي لم يكن يحب أن يتنزل عليه الدستور من عل، وإنما كان يريد أن يصدر الدستور عنه هو فيستمد من شعوره وحسه، ومن قلبه وعقله، ومن آماله وآلامه وحاجاته.
وكان سعد زغلول رحمه الله يسمي اللجنة التي ملأت السلطان القائم وأعدت له الدستور لجنة الأشقياء.
ولكن الدستور لم يكن يصدر وينفذ لأول مرة حتي رضي عنه الناس، وآمنوا به، وضحوا بالأنفس والأموال والجهود في سبيل صيانته، وأعلنوا أنه دستور الشعب ثم لم تمض أعوام حتي وقف إلي أجل، ثم ألغي ووضع مكانه دستور آخر يقصد د. طه حسين دستور سنة 1930 الذي أعده إسماعيل صدقي باشا.
وقيل إن الدستور منحة من الملك، وأن من ملك «المنح» يملك «المنع» كما يملك التغيير والتبديل، ثم قويت هذه النظرية في نفوس جماعات من الساسة حتي أباحوا لأنفسهم بعد عودة الدستور القديم أن يهدروا روحه ونصه في غير موقف، وأن يعينوا علي إهدار روحه ونصه، كلما اشتاقو إلي الحكم أو حرصوا علي البقاء في مناصب الحكم، حتي لم يبق شك آخر الأمر في أن الدستور قد صار هزءاً ولعباً لم يكن لهذا كله مصدر إلا أن الدستور القديم لم يصدر عن الشعب وإنما صدر عن السلطان.
ويمضي د. طه حسين ويحدد ملامح مهمة وضرورية يضعها للسادة الذين سيتولون وضع الدستور الجديد فيقول:
أول ما يجب حين نفكر في وضع دستور جديد هو أن نرد الحق الأكبر إلي أهله، والحق الأكبر هو الدستور وصاحب هذا الحق هو الشعب، فالدستور لا يوضع للملك، ولا يوضع للحكومة ولا يوضع لهيئة من الهيئات بل الدستور لا يوضع الجيل من الأجيال، وإنما وضع للشعب كله الذي يتجدد وتتعاقب أجياله علي مر الزمن، وهذا الشعب هو صاحب الحق الأول في أن يختار لنفسه نظام الحكم وفي أن يضع لنفسه أصول النظام الذي يختاره، ومن حق أجياله المتعاقبة أن تغير هذا النظام بين حين وحين، لتلائم بينه وبين حاجاتها وأطوارها التي تتعاقب عليها.
ولكلام العميد طه حسين لاحسام حسن بقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.